"النقاب" و"البوركيني" و"جبهة الانقاذ"؟ فرنسا للمهاجرين: التزموا بثقافتنا وإلا!
الفرنسيون لديهم حساسية مفرطة جدا من أي شىء يشعرون أنه يهدد "ثقافتهم". فقبل سنوات، في عام 2010، خرجوا على الدنيا بقانون جديد فريد "حظر غطاء الوجه في الاماكن العامة" واستهدف تحديدا النساء المسلمات اللواتي يرتدين النقاب. وفرض ذلك القانون غرامات مالية على المخالفات. وصدرت تعليمات للشرطة الفرنسية بعدم رفع النقاب بالقوة عن وجوه النساء المخالفات. كان هذا سنة 2010. أما في هذه السنة 2016، فقد صدرت قوانين تحظر لباس البحر المسماة "البوركيني" الذي ترتديه النساء المسلمات على الشواطىء. لكن هذه المرة كانت حملة فرنسا على البوركيني أشد وطأة وشراسة من حملتها السابقة على النقاب، والحجة أن "البوركيني يتحدى القوانين الفرنسية بشأن العلمانية". وصدرت تعليمات لرجال الشرطة بتطبيق القانون بالقوة. حيث انتشرت صورة لرجال شرطة فرنسيين، يلتفون حول إمرأة مسلمة، تجلس على رمال الشاطىء، ويجبرونها على خلع لباس البوركيني لينكشف جسدها، وذلك في سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها، في بلد يضم أكبر جالية مسلمة في القارة الاوروبية. إلا أن مجلس الدولة الفرنسي قام لاحقا بـ "تعليق" حظر لباس السباحة الساتر لجسم المرأة، بعد الاستنكار العالمي للقرار، والخلافات الداخلية حوله. إلا أن المدن المعنية استمرت في تطبيق الحظر.
نقرأ ونسمع هذه الأخبار المخزية من فرنسا ونتذكر موقفها، قبل ربع قرن تقريبا، حيال نتائج الانتخابات المحلية والنيابية في الجزائر، اوائل التسعينات، التي فاز فيها التيار الاسلامي، ممثلا بجبهة الانقاذ. حيث انبرى الرئيس الفرنسي في حينه، فرانسوا ميتران، لهذا الحدث الجلل ووقف أمام كاميرات الصحافة وقال ما قال، ثم قام بتذكير أهل الجزائر أنهم ملزمون ببنود اتفاقية "ايفيان" عام 1962، التي حصلوا بموجبها على استقلالهم عن فرنسا، والتي تنص، من بين ما تنص عليه من شروط اقتصادية وثقافية وغيرها، على ان تلتزم الجزائر بالثقافة الفرنسية، الى الأبد، معتبرا أن فوز حزب إسلامي في الانتخابات الجزائرية يتعارض مع الثقافة الفرنسية.
وقال ميتران، ما معناه، انه اذا تراجع أهل الجزائر عن التزامهم بثقافة فرنسا فان ذلك التراجع يعتبر مخالفا لاتفاقية الاستقلال، وبالتالي هدد بأن فرنسا ستعيد احتلال الجزائر عسكريا إذا أصر الجزائريون على التخلي عن التزامهم بثقافة فرنسا. بالطبع لم يقم ميتران بإعادة احتلال الجزائر، لكنه تدخل بطريقة اخرى. فقد نزل الجيش الوطني الجزائري الى الشوارع، وأُلغيت نتائج الانتخابات، وجرى فتح معسكرات إعتقال في الصحراء الكبرى، وقامت حرب أهلية دموية في بلاد المليون شهيد.
إذن، المنطق واضح: انت مستقل ما دمت تلتزم بثقافة فرنسا. تخليك، ولو جزئيا، عن الالتزام بهذه الثقافة يعني إخلالا باتفاقية "ايفيان" للاستقلال. والاخلال باتفاقية الاستقلال يعني أنها أصبحت غير قائمة. وما دامت اتفاقية الاستقلال غير قائمة فإن الوضع يجب أن يعود إلى ما كان عليه قبل توقيعها عام 1962. يعني أن يعود الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر، هكذا بكل بساطة! فهذا هو منطق القوي على الضعيف. وهذا ما عبر عنه فرنسوا ميتران، في حينه، وكأن اتفاقية الاستقلال "عقد إيجار" يفسخه "المالك" متى أراد!
ولكن ما علاقة لباس البحر بالاستقلال؟ لباس البحر "البوركيني"، كلمة مشتقة من كلمتي برقع وبكيني، وهي تعبر عن ثقافة غير ثقافة فرنسا. ونتائج انتخابات عام 1992 أيضا عبرت عن ثقافة غير ثقافة فرنسا. فمن يتعهد أن يلتزم بثقافة فرنسا ويوقع على ذلك ثم يتراجع ... تحاربه فرنسا. والمهاجرون المسلمون جاؤوا اليها ووقعوا على أوراق تشبه أوراق اتفاقية "ايفيان" التي وقع عليها أحمد بن بيلا عام 1962، مضمونها يشير الى ضرورة الالتزام بالثقافة الفرنسية! فيا أيها الموقعون: التزموا وإلا!
وسوم: العدد 683