حروب الشطرنج - 24 (العقيدة والاستخلاف)

د. حامد بن أحمد الرفاعي

قال لي أحد العلماء الأجلاء:"ماذا تقصد بتجنب التداخل المخل بين العقيدة وشرائعها السلوكية..وبين مهمة الاستخلاف وشرائع أدائها الحضاري..؟"قلت:لا يخفى على جليل علمكم..أن العقيدة وما يتعلق بها من تشريعات وعبادات..هي مسائل توقيفية ومن الثوابت التي على أساس منها يستقيم دين المسلم وتدينه..أما الاستخلاف في الأرض وما يتعلق به من تشريعات ومبادئ..فهي كليات ربانية كبرى موجهة للناس كافة للنهوض بمهمة الاستخلاف الرباني في الأرض وإقامة الحياة..وذلك كل وفق نهجه وشرعته واجتهاداته..فقال:ألا تنطوي عبارة تجنب التداخل المخل بين العقيدة والاستخلاف على شبهة الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة على نحو ما هي الحال في الغرب..؟قلت:أحسب أن عبارة التداخل المخل تنفي الشبهة لأنها تقرر التداخل غير المخل..فالمنهي عنه هو التداخل المخل وليس التداخل والتكامل الشرعي المحكم..فهذا من كمال الدين ووحدة تعاليمه..فكل أمر حياة المسلم هو من الدين ومن إخلاص العبودية لله وعدم الشرك به..لقوله تعالى:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا"قال:"أليس الاستخلاف من أمور الدين..؟ قلت:بلى..قال:"كيف يستوي بشأنها عمل المسلم وعمل غير المسلم..؟"قلت:في الآخرة لا يستويان بحال..أما في الدنيا فلكل نصيبه منها حسب علمه وجهده ومهاراته لقوله تعالى:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"قال:"حتى في الدنيا لا يستويان أليس كذلك..؟"قلت:لا يستويان من حيث حسن الأداء وأمان السير..فالمسلم إن أحسن التزام أخلاقيات الإسلام..واستوى مع الآخر في العلم والكفاءة والمهارات والخبرة فهو بكل تأكيد يكون في الحالة الأفضل والأرفع بسلوكه وأخلاقه الأدائي..أما إن بقي الآخر متفوقاً عليه بمهارات الحياة فلا يستويان بحال في ميادين الحياة..لأن المادة رغم أنها مؤمنة في جبلتها لقوله تعالى:"وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ"إلا أنها حيادية في أدائها..فهي تستجيب لأهل العلم والخبرة والمهارة..وتمتنع عن الجهل والتخلف وأهله..قال:"أوافقك تماماً وأحمد الله إليك لما وفقت إليه من تبصر..وآمل أن يستوعب الشباب عمق هذا الفهم..فهو جدير بالاحترام"قلت:شكراً فضيلة الشيخ..فهذه شهادة أعتز بها وأحمد الله تعالى لما هدى ووفق..فهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.

وسوم: العدد 684