مسجد وكنيسة وأذان

ليس غريباً ان يرفع الاذان من كنيسة كما لم يكن غريباً أن يؤدي وفد نصارى نجران صلاتهم في مسجد رسول الله.

ولو ذهبنا نستقرئ وقائع التسامح بين المختلفين ألسنة وعقائد واعراقاً, لأمكن لنا ان نصنف سفراً عظيماً. ولكن غلبة أهل العصبية في الامم والأديان هي الظاهرة, لأثر التدافع والاحتراب في الارض. ولأن صفاء الروح وأناة الحكمة لا يتفقان الا للقليل من عباد الله.

وفي الحق ان الاسلام يدعو معتنقيه الى الايمان بما أنزله الله سبحانه وتعالى على رسله كافة. وأنه الدين الوحيد الذي يدعو الى كلمة سواء والى ميثاق انساني شامل يقوم على توحيد الله وعلى منع التظالم. وأنه الوحيد الذي شرّع لوجود المختلف ديناً بين ظهراني أتباعه, على حين كان مصير المختلف في الاديان الاخرى هو القتل أو الاستعباد.

ولعل لانبثاق الاسلام في أمة العرب (والله أعلم حيث يجعل رسالته) دوراً في وصول هذه الرحابة الروحية والانموذجية الاخلاقية الى قصاراها من التحقق في وقائع كثيرة يمكن ان نستدل بها على إمكان التعايش الكريم بين أهل الاديان اذا ما ضرب بالحكمة على بواعث العدوان, وروعيت «التقوى» التي هي اساس التفاضل بين العالمين.

إن من يقرأ كتاب «آدم متز»: «الحضارة الاسلامية في القرن الهجري الرابع» ومن يقرأ كتاب «غوستاف لوبون» «حضارة العرب». ومن يقرأ مجالس «الامتاع والمؤانسة» التي صوّر فيها أبو حيان التوحيدي جوانب من الحياة الفكرية في هذا القرن, ولا سيما «حواريات» اهل الاديان والمذاهب الفلسفية, ليأخذه العجب من سماحة العقل والوجدان التي عرفها تاريخ الاسلام, كما يعصف به التساؤل كيف لا يكون ثمة تاريخ موثق مكتوب مبسوط الصحائف لاجيال العرب والمسلمين يتوسمونه ويدرسونه قبل دراستهم حوليات الحروب والفتن والمنازعات.

إن تاريخنا الحضاري جدير بالاهتمام البالغ, ولا سيما القيم العليا والنزعات الاخلاقية والمروءات الانسانية التي تمثلها العرب والمسلمون في واقعهم الانساني المعيش. وأول ذلك رحابة العقل والوجدان التي بسط بها النبي العربي الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه عباءته لوفد نجران في مسجده, والتي لا نعجب أن يكون منها اثارة محمودة في ما كان من خطبة لمكرم عبيد (القبطي المصري) في الجامع الازهر إبان ثورة المصريين على الانجليز, أو من رفع الاذان في كنيسة مسيحية في الحبيبة فلسطين أو في أقصى أقاصي الصين.

وسوم: العدد 696