عمدة الأباريق

مصعب محمد الشيخ ويس

قديماً كانت العرب ترسل أبناءها إلى البوادي لتصّح أجسامهم ويستقيم لسانهم العربي ، كان أهل البادية في فجر الإسلام يتمتعون بصفاء العيش و حرية الكلمة لا يخيفهم ظلام ليل ولا ظلم قريب ، أفكارهم منطلقة بكل الاتجاهات  وبلا حدود .

تقول كتب الفلسفة أن الإنسان ابن ظروفه وبيئته ، كثير من المشاهدات تؤكد هذه المقولة ، ففي أثناء السفر تظهر أخلاق الرجال تبعاً لتلك النظرية  .

يحكى أن رجلاً مراقباً على دورا ت مياه عامة  في العاصمة ، وضع  نظام خاص بمكانه ، حيث أنه جعل لون يميّز كل إبريق عن آخر ، اعتاد الناس قوانينه ، ذلك أن السؤال عن الذي يجب استعماله لازم من كل داخل ، مع مرور الوقت عرفه الناس بعمدة الأباريق ، أحد الأيام  دخل أحدهم مسرعاً   تناول أول إبريق ومضى ، وإذ صراخ رجل ملء المكان ،

- يا مسافر تعال ، تعال.؟

 حال الرجل يمنعه من التفكير، رجع ليسأله عن سبب صراخه ، ؟

- قال له : خذ الإبريق الأصفر ، ولمّا قضى حاجته ، عاد الغريب إلى صاحب الصوت يسأله :

 - هل من الممكن أن توضح لي الفرق بين الاثنين  .؟ 

أجابه العُمْدة :  لا فرق بين هذه الأباريق الملونة فكلها لبيت الخلاء طريقها ، ولكن حتى تعرف  أني مسؤول حركتها  وترى أني هنا .!!

عندما تراجع دائرة حكومية بأي بلد عربي خاصة الذي انتهجَ الاشتراكية طريقاً ، لا تحتاج رؤية شيوخ الأباريق لمزيد عناء ، فعملهم هو عدم التسهيل والتضييق على المراجعين ، كثير من الناس أتى من المدن البعيدة ليوثّق شهادة ، يسمع من الموظف أن (النسر ) غير ظاهر في الختم ، هؤلاء كُثر في مجتمعاتنا وانتشار ظاهرتهم المرضية تعني أن الفساد قد بلغ حال غير مسبوقة ، لكن أن نجد هذه النماذج بقطاع الشركات الخاصة المتنفذة مثل الاتصالات أو البنوك المحلية والتي هي بالأساس قطاع ربحي فهذا يجب أن يستنفر الوزارات التي تهتم بالتخطيط الاستراتيجي للبلد  ذلك  أنه من المفترض  رضى المتعامل عنها ضمن أهداف الخطط السنوية ، لكن ليس في مناطقنا العربية تنفيذاً لهذه البرامج التي تعكس مدى تقدم البلد ورُقيّه عند مدخل البنك  يقابلك عمدة الأباريق ليقول لك ارجع غداً ، قد يستمر الحال أيام  دون جدوى وليتم تجاوز هذا الموظف الحاقد  لابد من واسطة .!! هؤلاء الفاشلين هي العصا التي توضع في عجلة أي تطور أو نمو حقيقي في البلد ، كما أنهم عقبة  في طريق المبدعين المخلصين لبلدهم ، بالمقابل نجد بعض الرجال المحترمين يقدّمون حصيلة خبرتهم المهنية بقصد التسهيل على الناس تخفيفاً للجهد وحفاظاً على الوقت ، يسمع بإذنه كلمات التحية لأصله والدعاء للأم التي سهرت على تربيته .

الأمة الإسلامية والعربية تحتاج إعادة تأهيل أخلاقي يبدأ من الأسرة الصغيرة ينتقل الطفل بحسن أدبه إلى مدرسته ثم إلى مجتمعه يعكس أخلاقه الفاضلة التي نشأ عليها بوظيفته القيادية أو مهنته الفنية ، هذه الأشجار المثمرة تحتاج صبر ومصابرة من المصلحين والمسئولين الوطنيين ، لا غَرْو أن أفعالهم النبيلة تفرض على التاريخ كتابة أحرف أسمائهم بمداد من نور تضيء للأجيال ظلمة الدروب الطويلة .

وسوم: العدد 705