قوانينُ التّمكين
- التمكينُ الداخلي:*
لابد أن يبدأ التمكين من الداخل، ويتحقق ببناء المجتمع المتراص لبناتُه بإسمنت المعاملة الطيبة والأخلاق الحسنة، ولذلك ركزت سورة النور، سواء قبل آية التمكين أو بعدها، على ذكر عدد من الأحكام والأخلاق الضامنة لإيجاد الأسرة الطاهرة والمجتمع المتراص، كأنه يقول إن هذا هو الطريق لتحقيق هذا التمكين، فهو يأتي من الداخل، وليس من الخارج.
وفي سورة الطلاق وردت ثلاث آيات بهذا المعنى *(10 - 8)* وسط سورة متكاملة عن الطلاق وموضوعات نسوية خالصة، حتى أن بعض المفسرين سموها سورة النساء الصغرى، وكأنه أراد أن يقول إنه لا تمكين بدون صلاح الأسرة ومتانة البناء الاجتماعي.
- الأرض مكتوبة للأصلح:*
وفقاً لما يعنيه قوله تعالى: *{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}*، فإن قوله تعالى لبني إسرائيل: *{ادخلو الأرض المقدسة التي كتب الله لكم }*، ليست منحة أبدية وفق ما يسميها اليهود *بأرض الميعاد*، ولكن وفق قانون *الصلاح*، ففي زمن ما كان اليهود أصلح من الفلسطينين، فكتب الله لهم تلك الأرض، وعندما عادت كُرة الصلاح إلى أرض العرب استعادوها.
ولما أصبحت إمكانات الصلاح كلها ثاوية في الإسلام بعد تحريف التوراة؛ فإن فلسطين صارت للمسلمين إلى الأبد، إلا عندما يَحيدون عن شروط الاستخلاف ومواصفات الصلاح، كما في عصرنا هذا فإنها تُنتزع منهم، لكنها فترات عابرة ولا تنفي ملكية فلسطين لأهلها، وهذا ما ينطق به القرآن والسنة، ويؤكده التأريخ الطويل والمنطق السوي، وروي في هذا السياق بأن الوزير اليهودي الأسبق موشي دايان دخل في حوار مع شاب فلسطيني توعّده بالنصر على اليهود، فقال له: لستم أهلاً لذلك ولسنا أهلاً لذلك!!
ومن ثم فلن تتحرر فلسطين إلا عندما يتأهّل المسلمون للتمكين؛ بامتلاك مقوّمات الصلاح وشروط الوراثة.
- بلاغُ الصلاح لعمارة الحياة:*
أصدر الله بلاغاً بالغ الأهمية، ضمّنه سُنّة من سُنن التمكين وهي سُنّة الوراثة، فقال: *{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين}* [الأنبياء: 105، 106]، أي أن العبادة الحقة والكاملة هي التي تُعمر بها الحياة، فيستحق أصحابها الوراثة والتمكين في الأرض، لأنهم الأصلح لعمارتها، نتيجة امتلاكهم لقيم الحرية والعدل والمساواة، وتسلحهم بالعلم والعمل والجهاد.
- فضلُ المدافعة على البشر:*
بيّن الله أن سُنّة المدافعة من أفضاله العظمى على البشر، فقال: *{ولولا دفْعُ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}* [البقرة:251]، حيث ختم الآية بفاصلة تشير إلى هذا الفضل الرباني على العالمين.
ومن ذلك بقاء الكفر مع الإيمان، وكذلك تعدد الكيانات داخل المجتمع الإسلامي نفسه، حيث تدخل ضمن هذا التفضل، رغم أنها تبدو لأول وهلة كنقمة، لكنها في حقيقة الأمر نعمة جزيلة، إذ لولاها لفسدت الأرض وتأسَّنت الحياة.
- فقهُ السنن:*
علّل الله ضعف فاعلية الكفار أمام المؤمنين بالقول: *{ بأنهم قوم لا يفقهون}* [الأنفال: 65]، وأول مراتب الضعف هنا هي غياب *فقه السنن*، مما يحول دون استثمار ما يزيد من فاعلية الفرد والمجتمع.
وسوم: العدد 735