النصر أو الشهادة

لماذا ينبغي أن نستمر في المقاومة الآن؟ ولماذا ينبغي ألا نقبل بغير النصر أو الشهادة؟

1. لأن مكافحة الانقلاب في مصر يتردد صداها في كل بلاد العرب والمسلمين..

فانكسار الانقلاب هو انتعاش لكل الثورات الشعبية وانكسار لكل الأنظمة الفاسدة والحكام المستبدين والجيوش الخائنة، ومن ورائهم السيد الأمريكي الصليبي والصهيوني اليهودي الذي هو العدو الأصلي، والباقي مجرد قناعات وقفازات.

كما أن انتصار الانقلاب هو ضربة لكل الثورات العربية، وتوحش لكل أنظمة الإجرام العربية، وانتعاش لفصائل العسكر في كل نظام فاسد.. ويقين يترسخ بأن القوة العسكرية قادرة على سحق الشعوب وإخضاعها مهما حدث.

2. لأن الساحة المشتعلة الآن تمتد عبر بلاد العرب، فالجبهات مفتوحة على عدونا في وقت واحد: مصر، ليبيا، تونس، سوريا، تركيا، العراق، اليمن، أفغانستان، باكستان، الشيشان، بورما (وقد بدأت تتشكل فيها حركة مقاومة)، مالي، إفريقيا الوسطى، نيجيريا.. وغيرها.

كل هذه مناطق تعيش ثورة أو تعيش نذير ثورة أو تتشكل فيها حركة مقاومة.. فأي دعوة لتفويت اللحظة الحاضرة تحت أي دعاوى هي دعوة لا تقرأ الواقع كله بل تعيش في اللحظة الحاضرة والمكان المحدود.

إن دعاوى العودة للتربية أو التهدئة أو الدعوة أو الانسحاب من صراع السلطة أو الذوبان في المجتمع... إلى آخر هذه السياقات، إنما هي في حقيقة الأمر دعوات هروب من المعركة، وهي فوق هذا دعوات فاشلة في نفسها، لم تفرز لنا إلا مغيبين عن الواقع لا يدرون كيف يفعلون في النوازل، ويتلاعب بهم الساسة الماكرون كيفما أرادوا.

3. لأن النصر إن لم يكن الآن فليس أقل من نصف قرن آخر على أحسن الأحوال.. فالاستبداد سيكون أسرع وأقوى في تشكيل وعي الناس وسحق نفوسهم فلا يصلحون لمقاومة أبدا، وسيكون علينا انتظار جيل أو اثنين..

من حقائق التاريخ أن الجيل الواحد لا يثور مرتين، وأن من لبسوا ثياب الذل لا يقومون بثورة ولو توفرت لهم أسباب النصر فيها.

4. ومن حقائق التاريخ أيضا أن الأمم تبني نهضتها في ظل الصراع لا في ظل التهدئة، وأن لحظات المعركة هي اللحظات التي تنطلق فيها المواهب والقدرات بأسرع وأقدر وأكبر ما يمكن، في حين لا يحدث هذا في لحظات التهدئة.. فما بالك إن كانت لحظات التهدئة تحت حكم عملاء يخلصون العمل لعدو الأمة الكبير، ترى هل سيسمحون ولو ببذور نهضة؟!

لو عدنا بالذاكرة نصف قرن مضى، لثبت لنا كيف ذهبت الأماني والأحلام في عصور التحرر ومقاومة الاستعمار، ثم ها نحن نرى بأعيننا كيف أن احتلال الاستبداد كانت أكثر كلفة ومصيبة علينا وأكثر ربحا ومزايا لعدونا وأقل كلفة لهم.

فهل استطعنا أن نبني شيئا من نهضتنا تحت حكم وكلاء الاحتلال، والتي كانت في غالبها لحظات تهدئة؟! أم صرنا من ضعف إلى أضعف ومن ذل إلى أذل، حتى اجتمعت علينا في بلادنا جيوش الاحتلال في قواعدها العسكرية العلنية والسرية وعساكر بلادنا الذين يمتصون دماءنا ليسفكوا دماءنا أيضا.

إن معركة التحرر والنهضة معركة واحدة تُخاض في وقت واحد.

وإن معركة "تربية الجيل" لن تتم في المساجد والزوايا وحلقات طلب العلم فقط، بل في ميادين الكفاح والمقاومة أيضا.. بل ربما يصدق القول بأن أكثر الناس انغماسا في المساجد والزوايا وحلقات طلب العلم كانوا أقل الناس انغماسا في ساحات المقاومة والكفاح.

5. لأن انصرافنا عن نظام لم يتمكن بعدُ أملا في الاستعداد والتهيؤ لمعركة معه في ظل تمكنه.. خرافة بادية البطلان، فإن العجز عنه وهو ضعيف لن يفضي إلى التقوي تحت ظله حين يتمكن ويثبت.

وسوم: العدد 754