الاتجاه الإسلامي في شعر ذنون يونس مصطفى

الاتجاه الإسلامي في

شعر ذنون يونس مصطفى

د. أيمن توفيق الوتاري

كلية التربية/ قسم اللغة العربي

    نبذة عن حياة الشاعر:

ولد الشاعر ذنون يونس مصطفى في 19/9/1939م، ودرس في العراقية الابتدائية فالمركزية المتوسطة فالمركزية الإعدادية وحاول أن يكمل دراسته في جامعة عين شمس بالقاهرة سنة 1964 فلم يقدر له أن يتعدى السنة التمهيدية لأسباب ذاتية وموضوعية (إذ لم يكن النظام آنذاك يسمح للخريجين الجدد بإجازة دراسية إلا بعد مرور ثلاث سنوات، فضلاً عن أسباب أخرى.

عمل الشاعر بالتدريس في الموصل وبغداد وفي القطر الجزائري بين سنة 1971- 1975، كما عمل في المديرية العامة للتربية (الإعداد والتدريب) لمدة خمس سنوات بين 75 و 1980، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة الموصل سنة 1985 ثم حصل على الماجستير سنة 1985 ثم حصل على الدكتوراه سنة 1996، وكان قد عمل مدرساً في معهد المعلمين المركزي منذ سنة 1985، ثم مدرساً في كلية المعلمين حتى الآن.

ومن مواقف الشاعر عندما فشلت ثورة الموصل سنة 1959 وأصاب هذه المدينة المجاهدة ما أصاب من بلاء وإرهاب ومجازر بشعة كان نصيب ذنون من هذه المحنة أن يعتقل مع من اعتقل ويركل ويضرب ويهان وتكسر له عدة أسنان، عوض عنها بأسنان اصطناعية، ومن مواقفه أيضاً:

إنه عندما بدأ الدوام في نهاية الشهر التاسع سنة 1960 إذا به يعتلي منبر جامع الدهان في الأعظمية ليلقي خطبة الجمعة وهو يحمل بشدة على الديكتاتورية والشعوبية المتمثلة بنظام عبد الكريم قاسم، وعندما أنهى خطبته لم يؤم المصلين ظاناً أنه سيفلت من أمن قاسم إلا أنه سرعان ما ألقي القبض عليه وهو يغادر الجامع، واقتيد إلى مركز السراي ثم سفر بعدها إلى مدينة الديوانية ليقضي هناك بضعة أشهر.

هذه نبذة مختصرة عن حياة شاعرنا ولا يتسع المقام لذكر جوانب أخرى اكتنفت عمره الطويل المليء بالأحداث..

أما عن أخلاقه فكل من يجلس مع ذنون يراه كما وصفه الدكتور عبد العزيز عبد الله (طيب القلب، لطيف المعشر، حلو الكلام، خفيف الروح) وغالباً ما تراه مبتسماً حينما تتحدث معه، مطبقاً في ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) كما تجد الطرفة لا تفارق لسانه.

شعره:

إن التيارات الفكرية المختلفة التي عاشها الشاعر، والقراءات المتنوعة التي تضمنت تلك التيارات، بما فيها من غث وسمين، أثرت في شخصيته تأثيراً واضحاً، وكان من الطبيعي أن يؤثر ذلك أيضاً على شعره الذي تضمن هذه الأفكار، قال الشاعر عن نفسه (تقاسمني التياران الفكريان: الإسلامي والحداثي الأوربي منذ مرحلة الدراسة المتوسطة، وتوزعت قراءاتي بينهما، فقرأت شيئاً من الأدبيات الإسلامية، وكتب مصطفى صادق الرفاعي، ودواوين الرصافي، والزهاوي، والكاظمي، وابن الرومي إلى جانب الروايات والقصص المترجمة وأدب المهجر، هذا في المرحلة المتوسطة، وسيطر التيار الإسلامي على قراءاتي وتفكيري في المرحلة الإعدادية والجامعية، ولكن الهجمة الثقافية الغربية المبرمجة (على صعيدي الفكر والأدب خاصة) استطاعت أن تزرع بذور الشك، وأن تقتلعني من جذوري تدريجياً فوجدتني بعد ثلاث سنوات من تخرجي فريسة للتيارات الفكرية والأدبية السائدة آنذاك (الوجودية فالماركسية، وأشتات من فكر وأدب مترجم) فتوقفت في حيرتي الفكرية عن النظم سنتين أو ثلاث، ثم وجدتني حين أوغلت بعيداً عن الفكر الإٍسلامي أكتب الشعر بطريقة التفعيلة، وكنت قد أعددت مجموعتي الإسلامية الأولى للنشر بعد تخرجي، فامتنعت عن نشرها، وأصدرت ثلاث مجموعات خلال فترة التيه هي على التوالي (الترجل عن صهوة البراق سنة 75، وارتسامات أولى لوجه البحر سنة 77، وحجر الحكمة سنة 88، كما لدي مجموعة مخطوطة، وبعد أن لطف الله بي وجعلني للتوبة كتبت مجموعة من القصائد بدءاً بقصيدة اسمها (إنابة) أسأل الله حسن الخاتمة قولاً وفعلاً، وأن يغفر لي ما أسلفت من قول وفعل إبان فترة الحيرة والتيه).

وما يهمنا في هذا البحث الشعر الإسلامي الذي ابتدأ به الشاعر حياته الشعرية فأنتج من خلالها شعراً إسلامياً عذباً، فيه من الحماسة والانتصار للعقيدة الإسلامية ضد التيارات الهدامة الشيء الكثير، مما جعله في طليعة الشعر الإسلامي في الموصل في الخمسينيات والستينيات. وكما قال الشاعر فإن ديوانه الذي ضم أكثر قصائده الإسلامية لا يزال مخطوطاً، وهو يقع في ثمان وسبعين صفحة من الحجم الكبير. ويتوزع على مجموعة من القصائد يبلغ عددها 55 قصيدة. قال الأستاذ الدكتور فاضل السامرائي في هذا الشعر –وكان قد كتب قديماً لهذا الديوان المخطوط- (إن الذي ينظر في قصائد أخينا ذي النون يرى فيها مزيجاً من المعاني والأخيلة والألفاظ، فهو شاعر حديث أحياناً، قديم أخرى، مهجري مرة، عباسي مرة ثانية، رمزي آناً واقعي آناً أخر، مجدد كل الجدة، مقلد كل التقليد، يقول الشعر العمودي، ويمزج معه ما يسمى بالشعر الحر) ثم يقول: (إن شعر الأخ ذي النون جميل ولطيف فيه جدة وطرافة وفيه متعة تحسها وأنت تقرأ شعره. فيه خيال وأحياناً إغراب في الخيال). ثم يخلص إلى القول (إن الذي يثلج الصدر هو أن يخرج في هذا البلد –يعني الموصل- وفي غيره من البلدان زمرة مثقفة من أمثال أخينا ذي النون تدافع عن الإسلام في قلمها، وتهب له وقتها وحياتها). إن القارئ لقصائد ذي النون الإسلامية يراها في أغلبها متضمنة لشعر الحماسة الذي يثير العاطفة الإسلامية، ويستنهضها لتجابه الظلم والطغيان، ويعيد المسلمين إلى سابق عهدهم المجيد.

وحتى الأشعار التي قيلت في موضوعات أخرى نرى شاعرنا يضمنها هذا الشعر الحماسي كما سيتبين ذلك. فمن القصائد الحماسية التي قيلت في الخمسينيات قصيدة (يا شعب) المؤرخة في 6/1/1959 وفي مطلعها يقول:

يا شعب كن حصن الشريـ
يـا شـعـب أنت iiرجاؤنا
يـا  شـعب يا مأوى iiالأبا
يـا حـبـذا شـعب iiالعرا
لــم  يـخـش إلا iiربـه
لـم يـخـش أمواج iiالفسا
الـعـز  لـلإسلام iiوحسده






 
ـعـة  كـن لدين الله iiسدَّا
مـا دمـت لـلرحمن عبدا
ة أَعِـدْ لـنـا عزاً iiومجدا
ق لـكـل إعصار iiتصدى
والـكـون  في كفر iiتردى
د  تـحـيـطه جزراً ومدا
كـن نـتـيـل العز iiوغدا

وقد يأتي شعره الحماسي جوانباً هلى أشعار حماسية لشعراء آخرين من شعراء الدعوة الإسلامية، فعندما أنشد سيد قطب رحمه الله قصيدته (من بواكير الكفاح) التي ابتداها بقوله:

إذا كنت بالله مستعصماً    فماذا يضيرك كيد العبيد

نرى شاعرنا يجيب عليها في قصيدة سماها (تحيى كفاح) وهي مؤرخة في 8/3/1958 وفي مطلعها يقول:

أخي سوف تبكي عليك العيون
فـإن جـف دمعي فإن iiالغمام
أخـي إن نَـمُـتْ فستحيا بنا
فـتمرح  مهما احتوتك iiالقيود



 
وتـسـال عنك دموع iiالمنون
سـيـزرع قـبرك iiبالياسمين
كـأن لـم يـمـر عليك iiالفنا
وتـنـغـم  بـالحب ما iiبيننا

ثم يختمها بقوله:

أخي فانتظر ولتعش في غد    سينبثق الحلم السرمدي

وإن فرقتْنا دروب الحياة    فإنّا –مع الله- في موعدِ

ومن تلك القصائد أيضاً، قصيدة مهداة إلى الشاعر الإسلامي وليد الأعظمي جواباً على قصيدته (رغم القيد) وهي مؤرخة في سنة 1958 ويبدأها بقوله:

أخي والقوافي ازدهت بالجمال    وفاحتْ بفوح تقى نادرِ

ومنها يقول:

أخي إن جرح الفؤاد iiيسيل
شهرَنا سيوف التقى فالتقت
دعوت  إلهي لنصر iiالدعاة


 
دماءً  على الواقع iiالحاضرِ
بـغـمد من الباطل iiالكاثرِ
ومالي سوى الله من iiناصرِ

وقد تغنى الشاعر في أكثر قصائده الحماسية بالعقيدة الإسلامية، مبيناً أنها فوق كل العقائد، وأن كل شيء سوى الله باطل، من ذلك قوله في قصيدة سماها (أخي في الله)، وهي مؤرخة في عام 1960 وفي مطلعها يقول:

أخي في الله في هدفي وقربي    أخي ما دمت في بعد وقرب

ورابطة الأخوة فوق كل الـ     ـروابط فوق كل دم وحزبٍ

ويختمها بقوله:

وإن  عرضوا عليك فتات iiفكر
وإن آذوك فـي ديـن iiودنـيا
وإن قـوتلتَ واستُشهدتَ iiفاهنأْ
سأمضي يا أخي في درب ربي



 
فـقل  عندي منابع كلِّ خصبِ
فقل  صبراً وحسبي الله iiحسبي
بـخـلـد وليذوقوا كل iiرعبِ
وإسـلامي  معي ورفيق iiدربي

ومن الموضوعات الأخرى التي اهتم بها الشاعر ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) ومديحه بذكر شمائله، والتغني بدعوته التي سادت الدنيا وذألت الأعداء. وهو حينما يذكر النبي  (صلى الله عليه وسلم) يدعو المسلمين إلى التأسي به، ليعودوا إلى مجده التليد، بعد أن فرقتهم الفرقة فذلوا، وتكالب عليهم الأعداء فضيعوا فلسطين لما ضيعوا دينهم، وخانوا الدعوة.

يقول الشاعر في قصيدة مدحية ضمنها شعراً حماسياً يذكر فيها آلام المسلمين سماها (غنيت ذكراك) قيلت في ذكرى مولد النبي في 21 تموز 1964(2):

غـنـيـت ذكراك آلاماً وأشجانا
فـانزلْ  سلاماً على دنيا iiتوزعها
وامـسح  على جرحنا فإنه iiنتنتْ


 
وحـام حول حماك القلب iiحيرانا
الأهواء واغسل خطايا في حنايانا
مـنا الجراحُ وشل الداءُ iiمرضانا

ثم يلتفت الشاعر بعد ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى مأساة فلسطين مبيناً أن حلها لا يكون إلا بالجهاد فيقول:

هـذي  فلسطين كم قد قيل iiمؤتمر
لـو  أن مـدفع حرب قام iiيخطبنا
لـو  أن كـل خطاب كان iiمعركة


 
مـا كـان إلا لـلاستسلام iiعنوانا
إذن  لـعـدنا وكان النصر iiوايانا
أضحت نمور بني صهيون جرذانا

ثم يشكو الشاعر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) غربة المسلمين، بين الناس حتى من أبناء جلدتهم- وهم يتهمون بشتى أنواع الاتهامات الباطلة من رجعية ودروشة، وقد تناسى هؤلاء أن الإسلام هو الذي جعلهم أمة قوية بعد أن كانوا شرَّ أمة، يقول:

أشكو  إليك أبا الزهراء iiغربتنا
إذا دعـونا إلى الإسلام قيل iiلنا
وإن دعـونا إلى روحية iiهتفوا
وإن  دعونا إلى تحكيم iiشرعتنا
وما  دروا أن الاستعمار iiأنبتهم
يـا قـوم ها أنا رجعياً iiيؤنبكم
ولـن يـعيد فلسطينا ولا iiعَدَناً
ولن  تعود لنا في الدهر iiهيبتنا







 
فـي  عالم مظلم الأفكار iiعادانا
رجـعـيـة رثة زادتْ iiبلايانا
إنّا دراويش عصر ضلّ مسعانا
قالوا  العمالة قد أزجت خطايانا
وأنـه  خـشية الإسلام يخشانا
زيـف  التقدم لم يرفع لنا iiشانا
وليس يصلح نزراً من iiقضايانا
إلا إذا أصـبح الدستور iiقرءانا

ومما نتحدث عنه الشاعر ذكر هجرة المصطفى (صلى الله عليه سلم)، وهو يربطها بالمفهوم الواسع للهجرة، وهو هجرة الطغيان والإلحاد والعودة إلى النبع الصافي في القرآن والسنة، يقول في قصيدة سماها (الهجرة) وهي مؤرخة عام 1961(1):

يا  هجرة المختار عودي iiهجرة
يا  هجرة المختار عودي iiهجرة
يا  هجرة المختار هل من iiبلسم
مـن  سيرة المختار من iiأقواله
طوفي مع الإسلام كي iiتستنقذي




 
لـلـكـفـر  للطغيان iiللأوثان
لـمـبـادئ  الإلحاد iiوالطغيان
يشفي الجراح من المعين الداني
وفـعـاله  من شرعة iiالرحمن
أهـلـيـه من هجر له iiوهوان

ومما قاله الشاعر في الهجرة نونية جميلة طبعتها مطبعة الزهراء في الموصل –فضلاً عن وجودها في الديوان –مع نونية الشاعر وليد الأعظمي وعنونت لهما بعنوان (القصيدتان اللتان ألقاهما شاعرا الشباب المسلم: وليد الأعظمي وذنون يونس في الاحتفال الكبير الذي أقيم بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة في الموصل: المدينة المسلمة الصامدة في وجه الشيوعية والشعوبية والصليبية). وهذه القصيدة مؤرخة في سنة 1964 وفي مطلعها يقول:

هـاجـرت  والليل آثام iiوأوثان
مزقتَ ألف ممات وانطلقتَ علي

 
والدرب  يزرعه بالموت iiطغيانُ
كفِّ  المنون تحفُّ الركبَ iiأكفانُ

ثم يلتفت الشاعر –كعادته- إلى تصوير مآسي المسلمين في أوطانهم فيقول:

مـاذا يخبرني المذياع؟ iiمجزرة!
وإن  مـسـجد ذكر دُكَّ في iiسفهٍ
وإن أجـسـاد طهر قطعت iiمزقاً


 
في الشام أهلٌ ضحاياها وإخوان؟
وأشـعـلتْ في بيوت الله iiنيرانُ
تـنـاهشتْها على العيدان iiعقبانُ

يا قاصد المسجد المحزون تسأله (هل في المصلى أو المحراب مَروانُ؟)

(تغير المسجد المحزون) وارتفعت    على المنائر أوثان وصلبان

ويظهر في الأبيات السابقة تأثر الشاعر الواضح بنونية أبي البقاء الرندي التي رثى فيها الأندلس بعد أن قضي على الخلافة الإسلامية فيها، ويدل على ذلك تضمن الشاعر قصيدته لأبيات من نونية الرندي، حتى أنه ختمها بالبيت الذي ختم الرندي قصيدته فيها، وهو قوله:

(لمثل هذا يذوب القلب من كمد   إن كان في القلب إسلام وإيمان)

ولم يكتف الشاعر بالحديث عن مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) وعن هجرته، وإنما تحدث عن مناسبات دينية أخرى كشهر رمضان، حيث يقول في مطلع قصيدة سماها (رمضان) ألقيت في حفل الإفطار الذي أقامه معهد الهندسة الصناعية ببغداد عام 1961:

رمضـان استجديتني أشعاري    لأجودَ بالآهات من قيثاري

رمضان يا كرم الحياة حبوتني   -وأنا الضعيف- نهاية الآثارِ

ومما قاله في المناسبات الدينية قصيدة في ذكرى الإسراء والمعراج، وقصيدة في ذكرى بدر، وغيرها من القصائد، ومما تميز به شاعرنا الدعاء من ربه عن طريق الشعر إذ جاءت عدة قصائد على هذا المنوال منها قوله:

إلهي أنت بي أدرى   فأعطي العفو والعذرا

وقوِّ العزم والإيمان    وأعظم لـيَ الأجرا

ونختم حديثنا عن شعر ذي النون –والحديث يطول- بدعوة صريحة منه بأن يكون هدف الشعر خدمة دعوة الإسلام لا شيء آخر غير ذلك وهو بذلك فقط ينال الأجر والثواب من الله تعالى..