علي أحمد باكثير

د. عبد الحكيم الزبيدي

وريادة الشعر الحر

إعداد: د. عبد الحكيم الزبيدي

 [email protected]

علي أحمد باكثير وريادة الشعر الحر – ملخص

شغلت قضية ريادة الشعر الحر أو الشعر التفعيلي حيزاً كبيراً من اهتمام الدارسين والباحثين، واختلفت الآراء حول الرائد الأول لهذا الأسلوب في الشعر العربي ولما يجف مداد الاختلاف حولها رغم مضي أكثر من سبعين عاماً على انطلاقتها.

فبينما ينسبها أقوام إلى المدرسة العراقية (بدر شاكر السياب ونازك الملائكة عام 1947م)، يعود بها آخرون إلى مطلع القرن العشرين الميلادي ناسبين المحاولات الأولى إلى مدرسة الديوان (العقاد والمازني وشكري) أو إلى أفراد آخرين مثل محمود حسن إسماعيل ومحمد فريد أبي حديد في مصر، وصدقي الزهاوي في العراق. وقد حاول الباحث تجلية هذه القضية وردها إلى أصولها، للتعرف على الظروف التي أدت إلى ظهور هذا الأسلوب من النظم في اللغة العربية وتحديد رائدها الأول. واستعرض المحاولات التي سبقت تجربة باكثير وقارن بينها وبين تجربته.

وقد خلص الباحث إلى أن ريادة الشعر الحر أو التفعيلي ليست للمدرسة العراقية التي تزعمتها الشاعرة نازك الملائكة وزميلها بدر شاكر السياب، وإنما للشاعر والروائي والمسرحي علي أحمد باكثير. وذلك بناء على المعطيات التالية:

1-      أن باكثير هو أول من استخدم هذا الأسلوب في النظم من الناحية التاريخية فقد استخدمه في ترجمته لمسرحية شكسبير (روميو وجولييت) إلى العربية بالشعر الحر (أو المرسل المنطلق) كما أسماه، وذلك عام 1936م عندما كان لا يزال طالباً في السنة الثانية في كلية الآداب بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن). وقد نشر تلك الترجمة عام 1946م.

2-      أن باكثير قد استخدم هذا الأسلوب في النظم في تأليف مسرحية (إخناتون ونفرتيتي) التي كتبها عام 1938م، بعد عامين من ترجمة (روميو وجولييت) واستفاد من تجربته الأولى بأن نظم مسرحيته الثانية على تفعيلة بحر المتدارك (فاعلن) وجوازاتها، بعد أن كان قد نوع في المسرحية الأولى في استخدام البحور ذات التفعيلة الواحدة، أو البحور الصافية كما أسماها. وقد نشر هذه المسرحية الثانية عام 1940م.

3-      أن باكثير كان على وعي بتجربته تلك وشرح طريقتها في مقدمة لكل من المسرحيتين أعلن فيها بكل ثقة أنه أول من استخدم هذا الأسلوب في الأدب العربي، ولم يعترض عليه أحد عند نشر تينك المسرحيتين أو يدعي السبق.

4-      أن باكثير لم يكتب قصيدة واحدة على ذلك الأسلوب وإنما كتب عملين مسرحيين طويلين، وهذا الحجم يفوق حجم عدة دواوين مجتمعة لا ديوانٍ واحد. بينما نجد أن الشعراء الذين يزعمون الريادة أو تزعم لهم الريادة لم تتجاوز محاولاتهم القصيدة الواحدة أو القصائد المعدودة.

5-      أن محاولة باكثير تختلف عن كل المحاولات السابقة له بأنها كسرت وحدة البيت ووحدة الشطر، واستبدلت به التفعيلة التي تتكرر في السطر الواحد حسب الحاجة وليس بناء على عدد معين ينبغي الالتزام به. فقد يتكون السطر الواحد من تفعيلة واحدة أو تفعيلتين أو ثلاث أو أكثر أو أقل، دون الالتزام بعدد ثابت محدد. وهذا شيء لم يسبق باكثير إليه.

6-      أن باكثير استبدل بالبيت، في القصيدة العمودية، نظام الجملة الشعرية، بمعنى أن ينتهي البيت عند انتهاء المعنى، وقد يستغرق ذلك عدة أسطر، دون الالتزام بعدد معين من الأسطر. وهذا أيضاً شيء لم يسبق إليه باكثير.

7-      أن قصيدة نازك الملائكة التي تزعم أنها أول ما كتب بهذا الأسلوب كتبت على تفعيلة بحر (المتدارك) وهو نفس البحر الذي التزمه باكثير في ترجمته وإبداعه على حد سواء. كما استخدم نفس البحر كل من صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي ومعين مسيسو وغيرهم من شعراء المسرح الشعري في كتابة مسرحياتهم الشعرية.

8-      أن هناك العديد من الشعراء الذين اعترفوا لباكثير بالريادة، مثل الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، الذي أقر بريادة باكثير في مقال له بمجلة الآداب البيروتية، وأقرت له بالسبق التاريخي الشاعرة نازك الملائكة، إلا أنها اشترطت شروطاً أربعة لتعطي نفسها الريادة الفنية. علماً أن الشروط الأربعة، رغم تعسفها وتعجيزها، تنطبق على باكثير. كذلك أقر له بالريادة الشاعر صلاح عبد الصبور في مقال له في مجلة المسرح، كتبه بعد وفاة باكثير، والشاعر عبد الرحمن الشرقاوي في مقدمة مسرحيته الشعرية "مأساة جميلة". وأشاد الدكتور لويس عوض بموهبة باكثير في مقدمة ديوانه (بلوتولاند) وإن كان لم يشر إلى ريادته للشعر الحر بشكل مباشر.

9-      أن هناك العديد من النقاد المنصفين أقروا لباكثير بالريادة، مثل الأستاذ عبد الله الطنطاوي والدكتور عز الدين إسماعيل والدكتور عبده بدوي، والدكتور نذير العظمة، والدكتور محمد عبد المنعم خاطر، والدكتور عبد الله الغذامي، والدكتور عبد العزيز المقالح، والدكتور عبد العزيز شرف، والدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي وغيرهم من النقاد المعروفين.

وهكذا نخلص إلى أن رائد ما يعرف اليوم بالشعر الحر أوالشعر التفعيلي، وما عرف قديماً بالشعر المرسل المنطلق، هو الشاعر الروائي المسرحي الكبير الأستاذ علي أحمد باكثير، رحمه الله.