كتاب التربية والعولمة

للدكتور ماجد الكيلاني

دراسة تحليلية ناقدة

د. ماجد عرسان الكيلاني

[email protected]

وائل محمد فخري بني عيسى

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على خير البشر المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فبعد اطلاعي على كتاب التربية والعولمة للدكتور ماجد الكيلاني  وللوهلة الأولى أعجبني في الكتاب بروزه من الواقع الذي تعيشه الأمة والعالم اليوم حيث ينبه من خلاله إلى قضية العولمة وما يتصل بها من مخاطر على الأمة بعامة وعلى نظامها التربوي خاصة  وما قد يلتبس فهمه بين العالمية والعولمة وما يتصل بذلك من قضايا مشيرا إلى تجربة كل من أمريكا وأوروبا واليابان والصين  ودول شرق آسيا  في العولمة وموقف نظمها التربوية منها.

لذا  قمت بدراسة هذا الكتاب دراسة تحليل ونقد وذلك بحصر وبيان الأفكار الرئيسة فيه ملخصة ثم نقدها والتعليق عليها مبينا ما بها من ايجابيات وهي كثيرة وأنى لمثلي أن يحصرها وما بها من  تطبيقات عملية  و ما بها من سلبيات إن وجدت .

وقد أسميتها رسالة لأني لاحظت أنها فعلا رسالة موجهة إلى كل إنسان مسلم عنده غيرة على دينه ووطنه والأمة إذ من خلال القراءة المتمعنة لها يلاحظ أنها بشكل أو بآخر تكشف الغطاء عن مخططات أعداء الأمة الذين ما تركوا مجالا للوصول إلى عقيدة الأمة ودينها وهويتها وما فتئوا لحظة في التخطيط لتدمير الأمة واستعمارها ونهب خيراتها فقد عمل الدكتور الكيلاني كعادته في مؤلفاته على فضح هذه المخططات والكشف عنها وتعريتها بأسلوب علمي رائع وبلغة سلسة سهلة التقبل من القارئ مستعملا التعبير القرآني ولغة العصر مع عمق المعاني وأصالتها انه أسلوب رائع يلاحظ في كل مؤلفات الأستاذ الفاضل ثم يسعى الأستاذ بعد ذلك جاهدا لدحض هذه المخططات وبيان خطورتها على الأمة ليشير إلى طريق الخلاص والنجاة  وقد أشرت إلى مثل هذا في ثنايا الملخص

نفع الله بالأستاذ وبعلمه الأمة وأعطاه الصحة والسلامة والعافية انه على ذلك قدير وبالإجابة جدير والحمد لله رب العالمين .

الباحث : وائل محمد فخري بني عيسى

17 /1 / 2009م

بسم الله الرحمن الرحيم

بدأ المؤلف الفاضل حديثه عن العولمة وذلك ببيان أن العولمة ظاهرة عالمية حيث يُرجع الكثير من الباحثين العولمة إلى ما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمركز الدول العظمى في العالم، ولكن المؤلف يرى أن العولمة بدأت منذ عقد الستينات من القرن العشرين.

ثم عرض المؤلف إلى معنى العولمة ولعلى هنا أقف وقفت إعجاب بطريقة العرض التي استخدمها المؤلف في تعريف معنى العولمة حيث تظهر الموضوعيّة  والواقعيّة في البحث إذ أن المؤلف عرض لوجهتي النظر في تعريف العولمة وجهة نظر المؤيدين من أصحابها ووجهة نظر المعارضين والمناوئين.

فالمؤيدين يعرفون العولمة على أنها البحث في أقطار العالم كله عن أرخص الأمكنة إنتاجا وأكثرها بيعا وأوفرها ربحا، وذلك باستعمال التكنولوجيا الجديدة في الإنتاج والتجارة والاتصال والتعليم والإدارة وتأهيل الإنسان وتدريبه.

أما وجهة نظر المعارضين للعولمة فيرون أنها تحول عالمي تاريخي في القوى الاجتماعية والاقتصادية من حالة (الملكية المطلقة ) في المجالات الاقتصادية ورؤوس الأموال وتنمية المعلومات والدول والحكومات والعمل والتربية والتعليم والثقافات والفنون والفكر والمعتقدات إلى حالة مشكلة طبقا لمصالح الشركات العالمية الضخمة.

ويشير الكاتب (أطال الله في عمره ونفع الأمة بعلمه) إلى أن العولمة بهذا المعنى الأخير نوعا من أنواع الاستعمار مشيرا إلى تعريف هانز بيتر وهارالد شوفان بان العولمة تقسم العالم إلى مجتمع الخُمس الثري ومجتمع الأخماس الأربعة الفقراء.

ثم أكد المؤلف على انه مهما تعددت التعريفات للعولمة إلا أنها تبقى مرتبطة بانتماءات مؤلفيها وان الخلاصة في ذلك أن العولمة استفادت كثيرا من مصطلح العالمية الذي يشير إلى انهدام الحدود الجغرافية والثقافية والزمانية والاجتماعية بين أقطار العالم بسبب التقدم المتسارع في الاتصالات والمواصلات وصار العالم بحاجة إلى نظام عالمي جديد، ثم يسحب المؤلف القارئ بطريقة عجيبة من خلال التنويع بتعريف العولمة ونشوئها وسقوطها   ليوصل القارئ إلى أن العالم بحاجة إلى عولمة جديدة خيّرة شعارها "أن هذه أمتكم امة واحده وأنا ربكم فاعبدون".

ولعل في هذه الإشارة إبداع رائع من المؤلف حيث استطاع بحنكته التربوية أن يبسط أمام القارئ التطور والتغير في تعريف العولمة من خلال التغير والتبدل في وجهات النظر تجاهها تارة ومن خلال معاصرتها والتفاعل معها تارة أخرى وكان العالم جرب ويجرب وسيجرب أنواع من العولمة ولن يجد فيها مبتغاة من العدالة والأمن والاستقرار النفسي والمادي  فهو دائم البحث وانه لاشك سيصل أخيرا إلى عولمة تناسبه وتتفق مع فطرته تلك التي اختارها له خالقه جل وعلا  .

وعن أهداف العولمة يشير المؤلف إلى أن العولمة القائمة تتسلح بمكتشفات العلم لتحقيق هدفيها التاليين

1.       تنظيم اقتصاد الدول المتقدمة لتحقيق الهيمنة الكاملة على اقتصاد العالم ولذلك يجري تحديد نظم التعليم في تلك الأقطار لإخراج مستعمر بكسر الميم جديد قادر على السيطرة على العالم كله.

2.       إعادة تنظيم أوضاع الأقطار المستعمرة بفتح الميم لتسهيل السيطرة عليها و لتحقيق هذا يجري استثمار بيئة التربية والتعليم بغية ترويضها وتدجينها  .

ولا بد هنا من الإشارة إلى هذه القضية الرائعة في عملية الربط بين العولمة والتربية التي أشار إليها المؤلف حيث يبين بوضوح أن سلاح أولئك المستشرفون باسم العولمة هو التربية والتعليم إذ بهما استطاعوا أن يهيئوا إنسانهم إلى السيطرة على العالم وبهما كذلك استطاعوا أن يهيئوا أقطار العلم الأخرى لان ترضى بالاستعمار وبالذل وان تتروض بما يناسب غايات ومخططات تلك الدول لتتحول مع الزمن إلى دول مستهلكة مسترقة يشيع فيها الجوع والمرض والفقر لتصل  بالنهاية إلى تدمير هوية الشعوب والجماعات لذلك لابد لواضعي سياسات التربية والتعليم في الدول الإسلامية خاصة أن يتنبهوا إلى مثل هذه القضايا وان يتقوا الله في أبناء الأمة وبناتها وان يكون لدى الساسة والقادة في العوالم الإسلامية  محطات تنقية لما يصل إلى الأمة من أفكار ومبادئ و سياسات في التربية والتعليم وغيرها  قبل دخولها إلى العالم الإسلامي يتم في هذه المحطات عمليات تنقية وفرز لكل دخيل  لبيان ما يناسب وما لاينا سب ،

 نعني بذلك عملية فلتره وانتقاء ثم  مضغ وتقطيع ثم هضم و امتصاص للفائدة المرجوة.

ثم يربط الكاتب هذه الطريقة في السيطرة على العالم بمثيلاتها من القصص التي عرضها القرآن الكريم عن أمثال فرعون وهامان مع بيان الفارق في السياسة وهو أن فراعين العولمة الحالية يذبحون الرجال والنساء والأبناء والبنات على حد سواء .

وهنا أيضا من الواجب أن أقول بأن المؤلف لديه ملكه عجيبة في إيقاع المصطلحات القرآنية على الواقع مع التمثيل لها ليتلقفها القارئ بسهولة ويسر فتدخل في منظومة أفكاره ومصطلحا ته  من ذلك إشارته على (الهامانيين) و(القارونيين) و(فراعين العولمة) وغيرها مما يلحظه القارئ لكتب المؤلف .

الفصل الأول

أشار المؤلف إلى عولمة التربية والتعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و أن مصدر العولمة في حركة السوق ورأس المال البشري ثم نمو وتطور سياسات عولمة التربية هما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ثم يصدر إلى أقطار العالم عن طريق منظمة التطور والتعاون الاقتصادي ، والبنك الدولي ولعل اللغة الانجليزية والثقافة المشتركة بين كلا البلدين هما السبب في التكامل بينهما

أما الأصول التي تقوم عليها العولمة الجديدة فهي :

 سياسات الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشرا لميلادي حيت استطاعت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية الربط بين الاستثمار الاقتصادي واللغة الانجليزية حيث أن فهم اللغة يجعل اعتماد الدول على هاتين الدولتين إضافة إلى أفكار الفيلسوف النمساوي هايك التي تسربت إلى البلدين من خلال المناقشات التي تجري في مراكز البحوث المسماة خزانات الفكر في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ومنها انتشرت إلى الصحافة ثم جرى تطبقها في الإدارة المختصة

ومن أفكاره الدعوة إلى دور الحكومة في توجيه التعليم لصالح الاقتصاد الحر، وكذلك دعا إلى استعمال التعليم كأداة لضمان الاستقرار في المجتمع وتدريب الطلبة على اتخاذ قرارات اقتصادية .

أما عن تطبيقات العولمة التربوية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فقد عرض المؤلف هذه التطبيقات من خلال :-

1-     التركيز على التربية المسيحية  : حث يبين المؤلف أنة تم استثمار الدين المسيحي في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لبلورة مفهوم الاقتصاد الحر وما يتعلق به من  مفاهيم استنتج ذلك المؤلف من خلال مواقف مارجريت تارجر في بريطانيا وإدارة الرئيس ريجان في الولايات المتحدة حيث استطاعت تارجر بتعمد أن تستغل النصوص المسيحية لتبرير ممارسات طبقة الأغنياء والوصول بالتعليم إلى أن يحارب من اجل أهداف الدولة .

ويشير الدكتور الكيلاني من خلال ذلك إلى أن موقف بريطانيا والولايات المتحدة لم يقف عند حدود الولاء للمسيحية بل إلى النيل من الأديان الأخرى وضرب مثلا على ذلك الكتب المدرسية المعروفة باسم "سلسلة اكسفورد عن تاريخ  العالم للأطفال" حيث تحدث عن الرسول محمد(صلى الله عليه وسلم ) والدين الإسلامي وتنفي عنه صفة الرسالة وتزعم أن القرآن من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم  وان سيرته مليئة بالسلبيات الأخلاقية والفكرية وهاجمت الفتوحات الإسلامية كذلك.

وأشار الدكتور الكيلاني  إلى أن الإدارات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد الرئيس ريجان حتى عهد الرئيس بوش الابن إنما تعمل على خدمة طبقة أصحاب الشركات العابرة  للقارات وتطبيق عولمة التربية بالطرق التي تضمن مصالح هذه الطبقة.

2 – التركيز على التاريخ القومي وتحسين صورته العالمية :

فقد عملت الحكومة البريطانية في عهد تاتشر وميجر على تركيز العناية بالتاريخ البريطاني وتدريسه في جميع المراحل الدراسية والتاريخ المراد هو تاريخ العرب السكسوني الأوروبي ومفاخرة الإمبراطورية وليس تاريخ كل القاطنين في بريطانيا من الأعراق الأخرى كما ينادي أصحاب نظرية المناهج المتعددة الثقافات ، ومثل بريطانيا الولايات المتحدة الأمريكية التي أولى الرؤساء فيها منذ عهد الرئيس ريجان عناية خاصة لبلورة التاريخ  وإعادة صياغته وتدريسه بما يتفق واتجاهات العولمة المعاصرة .

وحين صدر منهاج تاريخ يظهر أمريكا بمظهر الغزاة والظلمة وذلك في عهد الرئيس كلينتون اعترض عليه المحافظون واعترض عليه الرئيس نفسه ودعوا إلى تدريس التاريخ الأمريكي بصورة مشرفة تبعث على الفخر والاعتزاز  

ولقد أبدع المؤلف الدكتور الكيلاني حفظة الله تعالى في عرض وبيان هذا التطبيق من تطبيقات العولمة داخل الولايات المتحدة وبريطانيا وذلك من خلال التركيز على التربية المسيحية ومن الأمانة أن أقول إن ملاحظات الدكتور هذه إنما تعكس قربه من هذه المجتمعات ونقله عنها نقلة الرجل المعاصر الحاضر لتلك المجتمعات ولكن ليس كأي معاصر أو حاضر بل المعاصر الناقد الذي لم تغريه حياتهم وبهرجتها عن الهدف الأسمى في الإقامة عندهم وهو معرفتهم عن قرب ودراسة مخططاتهم في ديارهم فضل صابرا مرابطا متماسكا فقد عاش معهم و عاملهم  وتعلم لغتهم ودرس كتبهم واطلع على مناهجهم ومدارسهم واستطاع بحنكته أن يقف عند مقصدهم من مخططاتهم وسياساتهم وخطورتها وما أثرت وتؤثر في دول العالم وخاصة النامية منها والعالم الإسلامي بشكل اخص .

أن مثل هذا الموقف وغيرة يجب أن يسجل للمؤلف الفاضل إذ يجب أن يصبح فكره هذا سياسات تبنى عليها مخططات القائمين على المناهج والساسة  التربويين وقادة الأمة إذ لا عجب وليس من المبالغ فيه أن ينعت الدكتور المؤلف بإمام وقائد الفكر التربوي لان من يقرا مؤلفات ويطلع على افكارة يحد انه فلا إمام الفكر التربوي لا بل يستحق الأكبر من ذلك لما له من باع طويل وخبرة لا تخفى في هذا المجال .

الفصل الثاني

وعن عولمة التربية والتعليم في أقطار الاتحاد الأوروبي بين الدكتور الكيلاني أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت خطة لاعمار أوروبا وإزالة آثار الحرب المدمرة و تضمت الخطة النهوض بالأنظمة التعليمية في الأقطار الأوروبية إلى المستوى الذي يحقق التقدم والاتحاد بين هذه الأقطار عن طريق منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي ثم ظهرت فكرة الاتحاد الأوروبي واستطاع الاتحاد الأوروبي أن يواجه تيار العولمة الأمريكية من خلال بلورة ثقافة مشتركة وتضمين المنهج التعليمي بعدد  من اللغات والطلب إلى الدارس إتقان ثلاثة  من اللغات الأوروبية المنظمة إلى الاتحاد ثم بلورة نظام تعليمي أوروبي موحد عام 1995م  و من أهم سياسته تحقيق التكامل بين التعليم وسوق العمل وإخراج المجتمع المتعلم الذي يستطيع التعامل مع تطور التكنولوجيا ومع مجتمعات العالم وأسواق العولمة .

إن في عرض المؤلف للسياسة الأوروبية في مواجهة بناء العولمة الأمريكية استنهاض بشكل غير مباشر لهمم المفكرين والقادة والعلماء في العالم الإسلامي للتنبه من تيار العولمة هذا المصفح بصفائح العالمية وان ينهضوا من سباتهم للتصدي له كما فعل الأوربيون متخذين لذلك سياسات تربوية وثقافية ونظم تعليمية مدربة وموجهه ومحصنه ضد مخاطر العولمة الموجهة نحوهم.

ثم يعرض المؤلف بعد ذلك تجربة أخرى للعولمة من خلال عولمة التربية والتعليم في اليابان والصين ودول شرق أسيا فبين أن اليابانيون تعاملوا مع العولمة كما تعاملوا مع الاستعمار وواجهوها بنفس الأساليب التي واجهوا بها الغزو الاستعماري آنذاك واحتلت التربية دورا رئيسيا في هذه المواجهة.

ونتج عن ذلك بروز نظام تربوي نال إعجاب قادة العولمة الدولية وعرض المؤلف إلى جملة من الأساليب التي استخدمتها اليابانيون في مواجه العولمة الأمريكية فقد جعلوا  من شعاراتهم :

1. الروح اليابانية + المهارات الغربية

2. العلوم الغربية + الأخلاق الشرقية

3.  وان القوة الغازية من الأمريكان والأوروبيين باعتبارهم برابرة فاسدين مسلحين بالوسائل والأدوات التي تمنحهم التفوق ولذلك يجب تعلم لغتهم ودراسة حضاراتهم لإحكام مواجهتهم

4. إن الهدف من التعلم هو تعميق الوعي بالأخطار الأجنبية وضرورة مواجهتها

5.  ضرورة حماية الدولة من خلال التعليم والقانون تحت شعار "طاعة الوالدين في الأسرة أساس الأخلاق العامة ونجاح الدول "

ولذلك فقد اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية على الالتزام الياباني بتراثهم ولكنها اضطرت إلى مسايرة هذا الاتجاه بسب إصرار اليابانيين.

وفي عرض المؤلف للتجربة اليابانية مع العولمة إشارة إلى مبدأ الإصرار عند اليابانيين وتمسكهم بالأخلاق الشرقية تراث

الكونفوشيوسية دين اليابان الأصلي وتعاليمه وبذلك استطاعوا أن يقفوا في مواجهة حملة العولمة الأمريكية والأوروبية .

فواجب العلماء والقادة والمفكرين والساسة والتربويين في الأمة الآن أن ينهضوا من غفلتهم وان يعيدوا تنظيم صفوفهم في مواجهة العولمة الأوروبية والأمريكية و البريطانية كما واجهها اليابانيون منطلقين من شعار:

تعاليم الدين الإسلامي + المهارات الغربية

والعلوم الغربية + الأخلاق الإسلامية .

لتكون لها تجربتها الخاصة مع العولمة كما اليابان .

وعن العولمة والتربية والتعليم في الصين فقد أشار المؤلف الفاضل إلى مظاهر العولمة في الصين حيث تتخذ عولمة التربية والتعليم في الصين عدة مظاهر منها العمل على اقتحام ميادين  العلم والتكنولوجيا على مستوى العالم كله، وذلك من خلال دخول الصين الأسواق العالمية وتغطية حاجيات الجنس البشري ابتداء من حاجيات الأطفال حتى ميادين الطب وزراعة الأعضاء البشرية والصناعة.

ومنها أيضا  تأكيد دور الجامعات في مواجهة تأثير العولمة في أصالة التراث الصيني والثقافة الصينية والدعوة إلى تحديد المظاهر التي لها تأثير سلبي في المجتمع الصيني وإصدار التشريعات لحماية التراث والثقافة الصينية ثم توظيف الطلاب المنتشرين في الخارج تحت عنوان قرارات تشجيع الطلاب الدارسين في الخارج على خدمة الوطن الأم.

ومنها تكثيف بعوث الدارسين إلى خارج الصين ، ليقوم الطلاب الدارسين بالإضافة إلى دراستهم الأكاديمية بدراسة المجتمعات والثقافات في العالم والتعرف على حاجة أسواقها ومقدراتها الاقتصادية لتخطيط الاقتصاد الصيني مما يكفل التفوق الصيني في التجارة العالمية.

وقد أثارت التجربة الصينية هذه اهتمام الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي فأخذت ترسل الوفود التربوية لدراسة  الظاهرة الصينية وهي تراها تكتسح أسواق العالم ومنافسة القارتين في أسواقهما نفسها.

ثم عرض المؤلف إلى التربية والعولمة في سنغافورة من خلال صفات نظام التعليم في سنغافورة  والمتمثل في حشد الطاقات وتنمية القدرات وجمع الكلمة وتوحيد الاتجاهات ثم الارتقاء بالأداء الاقتصادي إلى المستوى الذي يلبي الحاجات المحلية ويدخل حلقة التنافس العالمي ليحتل المرتبة الأولى حسب تقارير المنتدى العالمي الاقتصادي.

والناظر في بيئة النظام التعليمي في عهد الاستقلال يرى انه يشمل الميادين التالية : بلورة الانتماء الأسيوي وتأكيد الهوية السنغافورية وذلك من خلال الوعي بتاريخ سنغافورة وتنمية الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية للديانة الكونفوشية ثم العناية بالمعرفة العلمية والمعلومات التقنية الجديدة وتوفير مقررات دراسية قائمة على السيطرة على التكنولوجيا ثم التركيز على تنمية التفكير الإبداعي والتعلم الذاتي والوعي بالتأثيرات العالمية التي افرزها التقدم الهائل

في وسائل الاتصال والمواصلات ووسائل الإعلام والصحافة إلى جانب الوعي بأخطار العولمة التي أعلنها النظام العالمي الجديد. 

ولقد أبدع الدكتور الكيلاني في عرض التجربة الصينية والسنغافورية إذ بين من خلال هذه التجربة أن تمسك تلك الأمم بدينها وأخلاق دينها والوعي بأخطار العولمة وأخطار التقدم الهائل في وسائل الاتصال والمواصلات والإعلام وغيرها وصياغة السياسات التربوية والتعليمية من خلال ذلك مع الربط العجيب بين ذلك وبين النظام الاقتصادي في تلك الدول، بحيث تخدم التربية والتعليم الاقتصاد وهو كذلك يخدمها من اجل الوصول إلى الأسواق العالمية والتصدي للعولمة العالمية فتصبح لدى الدولة تحصين من الثقافات الدخيلة ثم التركيز على زرع الثقافة الأصلية في ظل الاستفادة من التكنولوجيا والتقدم التعليمي في شتى المجالات مع مراعاة الاهتمام بالاقتصاد والسعي إلى الدخول في الأسواق العالمية والارتقاء بالصناعات للوصول إلى الاكتفاء الذاتي والخارجي.

إن الملاحظ لمثل تجربة هذه الدول في العولمة يجد أنها دول احترمت نفسها واحترمت مواطنيها وشعوبها، وارتقت بهم من شعوب مستهلكة إلى شعوب مبدعة منتجة نفعت نفسها وغيرها.

عولمة التربية في أقطار العالم الثالث

ثم يعرض المؤلف بعد ذلك إلى موضوع عولمة التربية في أقطار العالم الثالث مشيرا إلى أنها نوع متقدم من أنواع الاستعمار الغربي وانه لا يكتفي بنهب ثروات الشعوب وسلبها واستغلالها السياسي و إنما يعيد تشكيل تكوينها الاجتماعي والثقافي والبيئي والتربوي والعقائدي والديني بغية إحكام السيطرة عليها وترويض أهلها وتحويلهم إلى طبقات عمالية من نوع جديد يعيد البشرية إلى عصور الرق الذي ساد قبل الرسالات الإلهية ، رقيق بشري رخيص التكاليف مجرد من الحقوق قابل للشحن والاستخدام في أقطار العالم كله دون اعتبار لما يتركه هذا التحكم من آثار التدمير النفسي ونشر الفساد في الأرض وانتقاص إنسانية الإنسان وتدمير هوية الشعوب والجماعات وتحويلها إلى قطعان بشرية لا ترتفع هممها لأكثر من حاجات معدها وفروجها .

ثم عرض المؤلف بعد ذلك إلى المؤسسات التي ترعى هذه العولمة والميادين التي ترعى فيها والآثار التي تنتج عنها وهي البنك الدولي الذي جرى تأسيسه في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1946م بهدف منح القروض للدول النامية لتحول دون انتشار الشيوعية فيها ولتصبح أسواقا جديدة لبضائع الولايات المتحدة.

ثم منضمة التعاون والتطوير الاقتصادي والعولمة في أقطار العالم الثالث وهي أيضا من تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية 1947م ، وتركز المنظمة سياساتها التربوية حول الهدف الذي يقوم عليه سياسات البنك الدولي وهو مبدأ النمو الاقتصادي العالمي من خلال

توجيه التربية لتقوم بالعناية برأس المال البشري ومعالجة المشكلات الناجمة عن العولمة مثل البطالة وزيادة الفروق الاقتصادية بين الطبقات.

والملاحظ هنا في السياسة المتبعة من قبل الأستاذ الفاضل والقائمة على الاستعراض المباشر الموضوعي المستنبط من واقع القضية المراد بحثها ثم من القراءة الناقدة  للمؤلفات حولها التي لا تقف عند سطح الحدث بل تسبر غوره لتصل إلى المبتغى والمراد والهدف الفعلي غير المعلن وراء هذه القضية أو الظاهرة إنها قراءة الخبير ذا البصيرة والباع الطويل انه من يضع يده على جرح  الأمة ويكشف لها بوضوح مخططات المخططين وكيد الكائدين معززا ذلك بالأسلوب الأمثل للحل والخلاص ولكن هل من مدكر

من ذلك الإشارة إلى سياسات العولمة التي غفل عنها الكثير من قيادي ومفكري الأمة واغتروا بظواهرها التي أظهرت فيها الرحمة ولم يتنبهوا إلى باطنها الذي فيه من قبله العذاب وهذا هو ديدن تلك  السياسات والمشروعات والبرامج الموجة من أولئك إلى الأمة أو ما يسمى لديهم العالم الثالث إنها سياسات تظهر للمتلقين أن الهدف منها خيرهم وخير شعوبهم وبلادهم ولكن الحقيقة الخافية أنها سياسات خبث ومخططات تدمير ومشروعات استعباد وسيطرة وإذلال موجهة بحنكة إلى الأمة بكل تفاصيلها ، ولعل الدليل الأكبر على ذلك هو الواقع  وما آلت إليه الأمور من تردي ثم تردي اكبر منه إلى انسلاخ من العقيدة شيئا فشيئا إلى ترك للدين إلى خلع للأخلاق والقيم إلى ذل وخنوع إلى طمس للشخصية إلى انغماس في الشهوات والملذات إلى ضياع المقدسات وتدنيس الأعراض وهتكها إلى  إتباع وانقياد وتقليد 

إلى زوال الشخصية والهيبة إلى أسواق معدة للاستهلاك  متحققا في الأمة حديث الرسول الكريم الذي أخرجه البخاري في صحيحه : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى لو أنهم دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا يا رسول الله آليهود والنصارى ، قال فمن ؟ 

من ذلك أيضا على سبيل المثال لا الحصر أشار المؤلف الفاضل في معرض حديثه  إلى أن البنك الدولي  لا يمنح القروض لبناء المدارس والجامعات إلا إذا أبدت حكومات الأقطار استعدادا لإحداث

تغيرا في مناهج التعليم لديها مثل غسل دماغ الشعوب من تاريخ الاستعمار والتبشير وبتر شعوب العالم الثالث من أصولها العقدية والثقافية والتربوية لتدمير الهوية ونشر ثقافة الإنتاج والاستهلاك وإعادة تنظيم المناهج التربوية في الأقطار النامية وإعداد المتعلم وطرق التدريس وقياس التعلم مدى الحياة وعلاقة ذلك بمتطلبات العمل بحيث ينتقل الطالب من الدراسة إلى دنيا العمل بشكل منظم ثم يستمر في تنمية مهاراته ما دام في مؤسسات العمل وأسواقه وهذا ما تم فعلا .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ان في اقتصاد العولمة تم تخطيط التعليم العالي في الأقطار النامية لتلبية حاجات الشركات عابرة القارات حيث يحشد الطلبة في معاهد وجامعات في ظل مناهج عالمية هدفها إعداد الطلبة للعمل في أسواق ومراكز عالمية وللتكيف في أي بلد ومع جنسيات تختلف عن جنسياتهم ويتعايشون مع ثقافات غير ثقافاتهم  ونتيجة لذلك أصبحت الجامعات مخازن معرفة تقدم للشركات الكبرى ما يفيدها في سياساتها ونشاطاتها وتثقيف العاملين فيها وصارت هذه المعرفة حكرا على الشركات وليس للاستعمال العام .

وعن مسارات التعليم الجامعي بين العالمية والعولمة  تجدر الإشارة هنا إلى  أن المسارات كانت لصالح العولمة أكثر من العالمية لتوفر الداعمين إلى العولمة وقلة الموارد اللازمة لدعم مفاهيم العالمية ولذلك اتخذ التعليم الجامعي منها شيوع النموذج الأمريكي الرامي إلى وضع الجامعة في خدمة المصالح التجارية وتفاوت مكانة الجامعات في بيئة العولمة المعاصرة ولغة التعليم الجامعي وهيمنة اللغة الانجليزية وقيام سوق عالمي للطلبة والأساتذة وظهور التعليم العالي

المتعدد الجنسيات والثقافات وتطوير مؤهلات الأساتذة العاملين في العليم العالي وتطوير أساليبه ووسائله وأدواته ثم تطوير استعمار ثقافي جديد لخدمة أهداف القوى الكبرى في الهيمنة الاقتصادية والثقافية بما يسمى بالحرب الباردة التي تبذل جهودها للسيطرة على عقول الشعوب وقلوبها من خلال مبادلة الطلبة الدارسين والكتب والمواد التعليمية والترجمان وبناء المدارس والمعاهد وغير ذلك من النشاطات للتأثير في القيادات الأكاديمية وفي المثقفين وصانعي القرار في شعوب العالم كل ذلك مغلفا بغلاف التعاون الدولي

وخلاصة الأمر فان العالمية هدف من أهداف التعليم الجامعي وهي ظاهرة تاريخية حضارية تسبب بها عالمية الاتصال أما العولمة فهي ظاهرة سياسية معاصرة وأداة من أدوات الشركات المتعددة الجنسيات التي تنتمي إلى الدول القوية والغنية وكان من نتائجها زيادة الفروق النوعية والكمية بين الجامعات في كل من الدول القوية المتقدمة والأقطار النامية الأقل قوة وثروة

ولقد نتج عن تدخل اقتصاد العولمة في نظم التربية أن استحالت عملية التربية والتعليم إلى مؤسسات اقتصادية توفر رأس المال البشري

وتستبعد دور التربية الحقيقي الهادف إلى تحرير الإنسان وإشاعة التوازن النفسي والاجتماعي في حياته وتزكيته من استعباد الخرافة والهوى والشهوات التي تنقص إنسانيته وتشيع الفوضى في حياته حيث أضفت على التربية في عصر العولمة الاقتصادية ملامح منها على سبيل المثال ربط فاعلية نظم التربية والتعليم بحاجات سوق العمل المعولم وربط العولمة التربوية بالتخطيط للعولمة الاقتصادية والاستفادة من التجارب الاستعمارية الأوروبية في العولمة التربوية

المعاصرة خاصة تلك التي مارسها المستعمرون الأوروبيون من مثل العولمة الاستعمارية التي مارسها البريطانيون والفرنسيون والألمان والهولنديون عندما شنوا حملاتهم ضد شعوب أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية واستراليا بروح التسلط الروماني فاحرقوا وجلدوا وقهروا  وشوهوا ونهبوا وتاجروا تحت شعار رفعته حملات التبشير بالمسيحية التي مهدت لهذه الغزوات تحت شعار الحب الأبيض أو رسالة الرجل الأبيض ثم ربط نشر التعليم وفائدته بما يحققه من الأرباح والفوائد الاقتصادية

وأخيرا ففي توصياته يظهر الدكتور الكيلاني حنكته ومقدرته من خلال الكشف عن أطماع ومخططات تلك الدول في السيطرة والنهب والاسترقاق والتطويع و التركيع وقطع صلة الأمة بدينها وتراثها وتقاليدها الإسلامية العريقة وتحويلها إلى شعوب مسترقة مستهلكة متفرقة متناحرة يشهد بذلك واقع الحال إذ الأمر ليس بحاجة إلى تدليل جرى ذلك كله تحت شعارات براقة اخفت ببريقها أهداف خبيثة سعت وتسعى تلك الدول في دول العالم الثالث أو الدول النامية بأساليب ووسائل ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبلها العذاب

أشار إلى ذلك الأستاذ الفاضل من خلال هذه الرسالة رسالة العولمة حين بين ووضح وكشف ثم هاب بالأمة أن تعي ذاتها المتجذرة في التاريخ والمتفرعة في آفاق المستقبل وان تثبت نفسها في المجال الدولي والإنساني وان تمارس التزاما مبدئيا أمام الله تعالى وتجاه الأمم الأخرى وتجاه السلام العالمي وان تنظم شؤون التربية فيها وتبلور نظم ومضامين تربوية تطرح قضايا الدين والثقافة والتاريخ والسياسة والقانون وكل ما من شانه إضعاف صفاء التميز والأصالة

المشتركة على الأمة ورسالتها الإنسانية الداعية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله تعالى.  

ودعا الدكتور الكيلاني الأمة إلى الرسوخ في العلم الطبيعي وتقنيات العلوم الحديثة ووسائل الاتصال والمواصلات وتحويلها إلى منابر عالمية توصل أصواتنا بمختلف اللغات إلى ميادين التفاعل الحضاري والانفتاح على ثقافات العالم باستقلال وايجابية .

جزا الله أستاذنا الفاضل عنا وعن الأمة خير الجزاء ونفع به وبعلمه وأعطاه الصحة والعافية وأبقاه ذخرا وسندا للأمة انه على ذلك قدير وبالإجابة جدير .

والحمد لله رب العالمين.