رواية همس الظلال
والواقع المرّ
جميل السلحوت
[email protected]
رواية همس الظلال هي باكورة أعمال كاتبها عيسى عيسى قواسمي ، صدرت في
شهر تشرين الثاني – نوفمبر – 2008 وتقع في 223 صفحة من القطع المتوسط ، لم تصدر عن
دار نشر مما يدلل أن الكاتب طبعها على نفقته الخاصة ، ولا غرابة في ذلك فجميع
الكتاب في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعانون من قضية النشر .
مع
أن هذا العمل هو النتاج الأدبي الأول للكاتب عيسى عيسى القواسمي حسب علمي
على الأقل – إلا أنه يبدو أن كاتبنا متمكن من الفن الروائي ، فقدّم لنا رواية محكمة
البناء ، قدمها بلغة أدبية سلسة جميلة ، وبناء روائي محكم ، لم يعكر صفو جماليات
اللغة فيها إلا بعض الأخطاء النحوية والإملائية ، وكانت واضحة الأخطاء الاملائية ،
وليست المطبعية في كتابة الهمزة ، كما أن كاتبنا يبدو في عداء تاريخي مع نون
الوقاية ، ومع جزم ونصب الفعل المضارع ، خصوصاً الفعل المعتل ، حيث كان ينصبه بعد
حروف الجزم، ويجزمه بعد حروف النصب ، غير أن جدّية الموضوع وعنصر التشويق تجبر
القارىء على متابعة النص حتى النهاية .
وفي
تقديري أن الكاتب الروائي هنا قد اشتق مضمون عمله من تجربته الشخصية .
ملخص الرواية
:
تتلخص الرواية في أن السارد تعرف على فتاة تدعى ايرين أثناء عمله في أحد فنادق
القدس الغربية ، قدمت نفسها له بأنها فرنسية من أصول يونانية ، وأقام معها علاقات
لمدة ثلاثة أشهر لتسافر بعدها الى فرنسا ، وليعرف لاحقاً أنها كانت اسرائيلية
ومرسلة له من المخابرات الاسرائيلية لإسقاطه ، ثم يعمل السارد في أحد مطاعم تل أبيب
حيث يتعرف الى بعض اليهود الطيبين، ومنهم عجوز من أصول عربية ، كما تعرض لإعتداءات
ومحاولات قتل من بعض المتطرفين اليهود خصوصاً بعد حدوث تفجير في تل أبيب .
ويعود السارد ليعمل في فندق "شالوم" في القدس الغربية، ويتعرف هناك في غرفة السفرة
على الفتاة اليهودية شوشانا التي أبدت استياءها بعد أن عرفت أنه عربي ، ثم تطورت
العلاقة بينها وبينه الى أن أصبحت عشيقته ، غير أنها ماتت في حادث طرق ، فحزن عليها
كثيراً ، وتعرف على شقيقتها " ليلليخ " التي كانت عشيقة لجندي مدمن مخدرات ، وحاولت
أن تصادقه بعد وفاة شقيقتها إلا أنه رفضها بلطف ، وساعدها كي تعود الى عملها كصحفية
، ويتحدث الكاتب كثيراً ودون اثقال على القارىء عن عشقه للقدس، ولسور القدس
التاريخي ولحواري وزقاق وأسوار القدس ، وللمسجد الأقصى والأماكن الدينية الأخرى ،
كما يتحدث في السياق عن بعض فعاليات الانتفاضة الأولى التي اعتقل فيها شقيقه بدلاً
منه .
وقد
رأيت أن الكاتب قد أقحم في الفصل التاسع في الرواية اقحاماً لا مبرر له، عندما تحدث
عن ذكرياته الطفولية عن حرب حزيران 1967 ونتائجها الكارثية ومنها سقوط القدس .
أبطال الرواية
:
- السارد
:
شاب مقدسي من مواليد بداية ستينيات القرن العشرين ، درس في جامعة بيت لحم ولم يكمل
دراسته ، لم يستطع دراسة طب الأسنان في رومانيا لأن المحتلين أعادوه عن الجسر، ولم
يسمحوا له بالخروج ، عمل في فندقين في القدس الغربية ، وفي مطعم في تل أبيب ، صادق
" ايرين " الاسرائيلية التي كانت تعمل مع المخابرات، وخدعته بأن أوهمته أنها سائحة
اسرائيلية ، وصادق النادلة شوشانا وأقام علاقات مع عائلتها ، خصوصاً مع والدتها
وشقيقتها " ليلليخ " التي كانت تحلم بأن يصادقها بعد شقيقتها ، تعرض لمضايقات من
المحتلين ، ولتحقيقات في المراكز البوليسية، ولمحاولات اعتداء بالقتل من بعض
المتطرفين اليهود ، وفي تقديري أن السارد الذي تحدث بلغة " الأنا " التي أعطت
حميمية ومصداقية للنص الروائي يمثل شريحة كبيرة من الشباب الفلسطيني في الأراضي
المحتلة بشكل عام ، وفي القدس بشكل خاص ، حيث أن الاحتلال كان ولا يزال عقبة كأداء
أمام تحقيق طموحاتهم وأحلامهم في التحصيل العملي، وفي الحصول على العمل المناسب وفي
العيش بحياة كريمة تحفظ كرامتهم ، والسارد يمثل حيرة وضياع هذا الشباب .
-
ايرين :
فتاة اسرائيلية حسناء تعمل مع المخابرات ، خدعت السارد وأوهمته بأنها سائحة فرنسية
،في محاولة لإسقاطه أو لأخذ معلومات منه ، ولما وجدت أن لا علاقات أو نشاطات سياسية
له تركته، واستقلت سفينة الى فرنسا ، ثم ما لبث أن رآها تتعقبه في احدى سيارات
المخابرات أثناء زيارته وشوشانا لمخيم شعفاط ،وكان رآها قبل ذلك في مركز التحفقيق
في المسكوبية .
- شوشانا
:
فتاة اسرائيلية تعمل نادلة في مطعم فندق " شالوم " في القدس الغربية ، زاملت
السارد ، ونفرت منه بعد أن استلطفته عندما علمت أنه عربي ، ثم ما لبثت أن صادقته
وأصبحت عشيقته الى أن توفيت في حادث طرق، أثناء قدومها للقائه في أحد مقاهي شارع
يافا في القدس الغربية ، وكان السارد قد أحبها وعشقها لدرجة أنها تركت شروخاً في
حياته العاطفية والنفسية بعد وفاتها .
- ليلليخ :
شقيقة شوشانا ، كانت صديقة لجندي اسرائيلي مدمن للمخدرات ، تعرفت على السارد في
غرفة العناية المركزة في مستشفى هداسا عين كارم ، حيث كانت ترقد شقيقتها شوشانا قبل
وفاتها بحادث طرق ، وقد تعلقت بالسارد وحاولت أن تحل مكان شقيقتها المتوفاه الا أنه
رفضها بلطف بعد أن ابتعدت عن عشيقها الجندي ، وساعدها في العودة الى العمل الصحفي
عندما اصطحبها معه لزيارة مخيم شعفاط للاجئين ، وأطلعها على الأوضاع المأساوية
للاجئين ، وعلى التمييز العنصري الذي تمارسه السلطات الاسرائيلية ضد الأحياء
العربية في القدس الشرقية .
رسالة الرواية :
لاحظت أن الرواية حاولت ايصال رسالة للقارىء بأن جزءاً من الصراع الفلسطيني
الاسرائيلي ناتج عن عدم معرفة كلا الطرفين لبعضهما البعض، وعندما يحصل الاحتكاك
والتعامل المباشر بين الطرفين ، فإن كليهما سيجد خطأ الكثير من الأفكار المسبقه
التي يحملها عن الطرف الآخر ، فمثلاً شوشانا أعجبت بشخصية السارد عندما رأته في
المرة الأولى، وفي كيفية ترتيبه لطاولات السفرة في مطعم فندق " شالوم " وحاولت
التقرب منه لكنها أبدت استياءها منه عندما علمت أنه عربي ، فقد انخدعت في البداية
به لإتقانه اللغة العبرية ، لكنها ما لبثت أن حبته لشخصه ، ثم صادقته ، وأصبحت
عشيقة متفانية في حبها له ، وأحبها هو كثيراً ، وبقي على حبه لها حتى بعد وفاتها
بحادث طرق .
كما
يلاحظ أن " ايرين " امرأة من الموساد الذي جاءت لاسقاطه قد عشقته هي الأخرى بعد أن
تعرفت عليه ، ثم انصرفت عنه بعد أن لم تجد ضالتها المخابراتية فيه ، وانصرفت عنه
دون أن تؤذيه ، وبقيت على حبها له ، ولوحظ ذلك عند غيرتها من " ليليخ " عندما
احتضنته عند مدخل مخيم شعفاط .
وواضح أن تطور الحدث في الرواية قد أظهر السارد " وهو مقدسي فلسطيني " بصورة المثقف
الواعي الانسان الذي كان يحمل قضية شعبه وعشقه للقدس بوعي فلسفي دون تعصب ، وقد بدا
السارد متأثراً بشكل كبير بالفلسفة الإنسانية لجبران خليل جبران .
والسارد الذي حمل هذا الوعي كان يدرك أن الصراع طويل،وأن تغيير المفاهيم يحتاج الى
وقت طويل أيضاً .
المكان والزمان :
زمن الرواية هو الانتفاضة الفلسطينية الاولى التي اندلعت في كانون أول 1987 ،
ومكان الرواية هو فلسطين ، فقد تنقل شخوص الرواية بين القدس وتل أبيب وحيفا ، وان
كانت غالبية أحداث الرواية تدور في القدس، ويلاحظ ان زيارة السارد لحيفا كانت قصيرة
جداً ، من أجل المشاركة في جنازة عشيقته شوشانا ، ومن أجل زيارة قبرها ، وكان يحلم
بزيارة قبرها كثيراً لكنه لم يفعل ، وهو كفلسطيني له من وما يحب في يافا ، لكنه لم
يكترث بالاقامة فيها أو حتى التردد عليها ، وكذلك الأمر بالنسبة لتل أبيب فقد عمل
في أحد مطاعمها عدة أسابيع، وتركها وعاد الى القدس مكان ولادته، والتي قضى فيها
طفولته وشبابه ، وهو لا يزال فيها ، لكنه فاقد لحريته فيها نتيجة الاحتلال الذي
اقتلع البيت والحارة التي ولد فيها – حارة الشرف – المحاذية لحائط البراق ، ليبنى
مكان بيته وفي حارته حيّ استيطاني يهودي ، ومع ذلك لم يتركه المحتلون ، فقد قمعوا
حريته ، وشوّهوا وغيروا معالم مدينته التي أحبّها . وجاءت في الرواية بعض فعاليات
الانتفاضة الشعبية ، وقمع المحتلين بالهراوات والغازات الخانقة المسيلة للدموع، كما
جاء في الرواية تفجيرين من قبل المقاومة الفلسطينية ، واحد في تل أبيب وآخر في سوق
محنيه يهودا في القدس الغربية ، وما أعقبهما من اعتقالات في صفوف الفلسطينيين ، أي
أنه هناك احتلال وهناك مقاومة لهذا الاحتلال، لكن القمع الاحتلالي لم يأخذ حقه بشكل
كاف في الرواية .
ويبدو أن المكان في الرواية يوحي بأن هناك شعبين فلسطيني ويهودي ، وهناك دولتان في
هذا المكان للشعبين واحدة قائمة وهي اسرائيل ، وثانية فلسطينية تحتلها اسرائيل ،
وعندما يقتنع الشعبان بذلك ، فإن أعمال العنف ستتوقف ، وستعيش الدولتان والشعبان في
أمن واستقرار.