رواية لك إلى الأبد
واختلاط الرومانسية بهموم الوطن
جميل السلحوت
صدرت هذا العام 2008 روايتان للكاتب هاني عودة ابن مدينة بيت ساحور الفلسطينية الرواية الأولى هي " لا تقولي وداعا " والثانية هي " لك الى الأبد " علما انه سبق وان صدرت له قبل حوالي ثلاث سنوات رواية " لحظات من الحب " .
ونحن اليوم سنتطرق الى رواية " لك الى الابد " التي تقع في 134 صفحة من الحجم الصغير، وملخص الرواية ان الشاب " عصام " تعرض للاعتقال في الانتفاضة الفلسطينية الاولى لمشاركته في فعاليات الانتفاضة ، وتعرض للتحقيق والتعذيب والسجن في معتقل النقب الصحراوي ، وقد أحب الفتاة سناء التي عمرها يقارب نص عمره، وسناء اصيبت في الانتفاضة الثانية في عمودها الفقري مما جعلها مقعدة بشكل دائم ، وعصام سافر الى امريكا وعاد بجواز سفر امريكي ، وافتتح مكتبا للأعمال الحرة ، وأحب سكرتيرة المكتب " بثينة " لكنه بقي محبا لسناء لتنتهي الرواية بمخاطبة عصام لسناء بـ "شأظل لك... لك الى الابد "
وبما ان أيّ عمل ابداعي بحمل وجهة نظر الكاتب التي قد يلتقي فيها أو يختلف مع آخرين ، فأنني أرى ان الكاتب قد بالغ كثيرا في " ديمقراطية " التحقيق ان جازت التسمية ، فبدا التحقيق اثناء اعتقال عصام وكأنه حوار بين شخصين ندين متضادين ، محقق اسرائيلي يدافع عن وجهة نظر الاحتلال ، وعصام الفلسطيني الذي يدافع عن الحق الفلسطيني . ومعروف لمن مرّ بهذه التجربة ان التحقيق يحمل طابع العنف الجسدي لانتزاع اعترافات .
ومع ان الكاتب يلجأ الى اسلوب الحكواتي في سرده للاحداث مما يسبغ عنصر التشويق على كتاباته الا ان " الرواية " تخلو من عنصر الدهشة والمفاجأة للقارئ حتى ان عنوان " الرواية " يعطي تلخيصا مسبقا لها .
وتنبع اهمية هذا النص من كونه يمثل الواقع الفلسطيني المعاش ، فالفلسطيني القابض على جمر تراب الوطن في الاراضي الفلسطينية المحتلة انسان كبقية البشر ، فُرضت عليه قسوة الحياة نتيجة الاحتلال الذي يغتصب حريته ، ومع ذلك فإنه يعشق الحياة "ما استطاع اليها سبيلا " على رأي الراحل الكبير محمود درويش ، فهو يكره ويحب ويتزوج ويناضل ويقاوم، ويعمل ويمرض ويستشهد أو يموت ميتة عادية كبقية الأحياء ، لكننا رأينا في " لك الى الأبد " حـُبّا رومانسيا لم يعكر صفوه الا سنوات الاعتقال لـ " عصام " واصابة " سناء " بجراح بليغة أورثتها الاعاقة ، فسناء قالتها صراحة لعصام : " انا لم اعد أصلح زوجة " الا انه بقي متعلقا بها وهذا حقه وحقها ايضا ، لكن لماذا لم يتزوجا ؟؟ فهناك آلاف حالات الزواج في فلسطين وحدها أحد الشريكين فيها من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وان كانت الغلبة فيها للذكور من ذوي الاحتياجات الخاصة ، الا ان هناك اناثا يعانين من اعاقة ما ومتزوجات، ويقمن بدورهن في الحياة كزوجات وأمهات وربات بيوت وبعضهن عاملات أيضا ... الخ وقد ابقى الكاتب نهاية " النص " مفتوحة، فمع ان عصام قال لسناء :"سأظل لك... لك الى الابد " الا انه كان يحب بثينة ايضا، ويرغب في الزواج منها ، الا انه لم يتزوج من أيّ منهما ، وقد تكون هذه النهاية المفتوحة لصالح النص ليتصورها القارئ كيفما يشاء .
يبقى ان نقول ان " لك الى الابد " تمثل خروج الكاتب من الذاتية والخصوصية الشخصية التي كتبها في عمليه الأولين " لحظات من الحب " و " لا تقولي اني راحلة " الى الواقع الاجتماعي العام .