مصطلحات يجب أن تختفي
أ.د/
جابر قميحةمن المؤسف أننا نرى في الساحة الفكرية ألفاظا وعبارات أصبحت مصطلحات سائدة ومهيمنة على المواضعات الفكرية في مجال الإعلام بصفة خاصة ، وكثير منها يروج له بعض العلماء بحسن نية . ومنها :
صحيح الإسلام : فنجد أحدهم يقول إننا نعتنق " صحيح الإسلام " ،
والتعبير في نظري غالط ، لأن الإسلام دين واحد ، و ليس هناك إسلامان : صحيح الإسلام ، وفاسد الإسلام . وقد يشدنا إلى ذلك قوله تعالي " إن الدين عند الله الإسلام " أل عمران 19 و قوله تعالي " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلم يقبل منه ال عمران 85
. فيكفينا إذا أن نقول إننا نعتنق الإسلام .
ومنها ما يقال حديثا : اشتراكية الإسلام ، ديمقراطية الإسلام ، الإسلام السياسي ، الإسلام الاجتماعي ... الخ .
ونحن نقول إن الإسلام دين واحد متكامل العناصر ، لا ينقصه شئ ؛ لأنه خاتم الأديان قال تعالي " اليوم أكملت لكم دينكم , وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " المائدة 3.
ومن الطبيعة التكاملية لهذا الدين يظهر خطأ تقسيم الإسلام أوصالا أو أشلاء ، وتوزيعها على المبادئ والأيديولوجيات الحديثة ، لأن الإسلام إسلام . فهل نقول إننا ندعو إلى"الإسلام الإسلامي "؟
ومن المصطلحات الغالطة مصطلح " التطرف الديني " ؛ لأن الدين لا تطرف فيه ، فهو يعتمد على الوسطية ، و الاعتدال ، و التسامح . و الصحيح أن نقول " التطرف التديني " فهذا يعني أن الشخص المتدين يغلو ، و يسرف في سلوكه الديني إلى درجة تؤذي الآخرين ، بل تسيء إلى الإسلام نفسه .
ومن عجب أن الذين يتحدثون عن التطرف الديني من العلمانيين ، لا يتحدثون عن التطرف اللاديني ، أي الإلحادي ، لأن همهم الأول هو : إدانة الإسلام بما ليس فيه .
والتطرف لغة : إتيان الطَّـرَف ، و يقال تطرف في كذا : أي جاوز حد الاعتدال ، ولم يتوسط .
***********
وسنجعل حديثنا في السطور الأتية عن نوع ــ قد يكون غريبا ــ من هذا التطرف هو " التطرفى النقدي " :
إننا إذا نظرنا إلى واقعنا الأدبي والنقدي وجدنا أنه محكوم إلى حد كبير بمنطق التطرف بما فيه من إسراف ومغالاة وأحكام متعسفة ، وإصرار على الخطأ ، وعدم التأني في إصدار الأحكام . ومن هذه الأحكام المتطرفة :
1- حكم أبي العلاء المعري على أبي تمام بالكفر و المروق من الإسلام ، فيقول في رده على رسالة ابن القارح : " وأما أبو تمام ، فما أمسك من الدين بزمام ... فإن ألقي في النار حبيب ، فما تغني المِدَح ولا التشبيب . "
2- ما ذهب إليه الأصمعي من أن تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة ، أما جرير فما علمته سرق إلا نصف بيت .
3- وتجد هذا التطرف النقدي كثيرا في الأحكام السريعة مثل " النحوي فلان هو أنحى من على ظهر الأرض " . وفلان " هو العالم العلامة ، حَبر زمانه ، وغرة إخوانه " . الخ
***********
والتطرف النقدي في أدبنا الحديث والمعاصر له مظاهر متعددة ، لعل أوضحها وأظهرها الإغراق والمغالاة في التقدير . والأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة جدا نجتزئ ببعضها فيما يأتي :
1- ما كتبه محمد خليفة التونسي عن العقاد في قوله " عشق العقاد الأدب كما لم يعشقه أديب في العربية منذ كان لها أدب ، وقل أن تجد بين أدباء العالم قديما وحديثا من يضارعه في غرامه به ... إنه يعشقه كما يعشق النبي أو الصوفي العاشق ربه ... إلخ
2- ويقول ثروت أباظة " أقرأ في هذه الأيام كتاب أخي الكبير أنيس منصور عن أستاذنا وأستاذ الجيل الذي سبقنا ، و الأجيال اللاحقة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، إنه عباس محمود العقاد .... "
3- ونقرأ كلاما وصفه صاحبه بأنه شعر ، وفي الواقع أنه ليس بشعر ولا نثر ولاقول عاقل . إنه يقول مثلا :
ياسيدتي
حبك علمني أن أقبل
أن هو الآمر والناهي
حبك علمني أن أرحل
للشيطان ولله
..................
..................
يا سيدتي
يا حبي الآخر وألأول
أصبحت جحيما لا يحمل
أصبحتُ من الكافر أكفَر .
فماذا يقول ناقد مشهور له مؤلفات طيبة في البلاغة القرآنية وأدب الحديث النبوي وهو " بكري الشيخ أمين " إنه يقول عن هذا الكلام الفارغ مخاطبا صاحب الكلام قائلا: " المقطوعات القليلة التى قدمتها تلوتها أنا مرة ومرات ، وعشت في أفيا ئها وشذاها ساعات و ساعات .
أشهد أنك شاعر موهوب ؛ فالكلمة عندك تغني ، والبيت يصدح ، والموسيقى تملأ الرحاب .... الخ
***********
وهناك التطرف في التحقير كما نرى في كتاب مصطفى صادق الرافعي " على السفود " ونثر فيه معجما من الهجاء المر اللاموضوعي , حاملا على العقاد في شدة وبشاعة .
ونفس الاتجاه نجده في كتاب " الديوان " للعقاد وإبراهيم المازني .
والإسلام ينكر هذين الوجهتين ؛ لأنه دين العدل والوسطية . وقد قال تعالى " ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى " . المائدة 2