عبقرية لمعت كشهاب مضئ ثم خبت...
سليمان عبد الله حمد
حوارات وافكار
بقلم: الشاعر صديق مدثر
ثلاثة أسماء اخذت تلمع في سماء السياسة والصحافة والثقافة والفكر في السودان في الاربعينات, و تشق طريقها في حياتنا, في أزمنة النضال من أجل التحرر الوطني. كان عبدالخالق محجوب يكبرني بعامين في حين أن الوسيلة و محجوب عثمان كانا يكبراني بثلاثة أعوام. جميعنا من مواليد أمدرمان و ذهبنا بإستثناء محجوب عثمان للدراسة في مصر علي بعثات السنهوري. ولأنني بصدد الكتابة عن الوسيلة فإنني أقول إن الوسيلة قائد سياسي و مفكر يقف بين الشوامخ و محارب غالب الموت فغلبه مرات, و أفلت منه و رفيقه التجاني الطيب بعد قضائهما عامين تحت الأشغال الشاقة في سجن "الهايكستب" في صحراء مصر. أطلق سراحهما مقيدان و نقلا إلي وادي حلفا ليتسلمهما المرحوم عزالدين مختار, من أهالي بيت المال و نقلهما بالقطار إلي الخرطوم. في هذه العجالة أقول أن الوسيلة حظي بإهتمام الناس و خاصة في الأوساط الثقافية والسياسية, ولكن القلة منهم إستطاعت أن تدرك جوانب النبوغ فيه. كان الوسيلة بطبيعة ملكاته مؤهلاً لأن يكون كاتباً ممتازاً, بل من أقدر الكتاب الذين عرفهم الناس و سيداً من حملة الأقلام الذين دانت لهم البلاغة و ملكوا زمام اللغة. كان مفكراً من الطراز الأول, قوي العارضة, متوقد القريحة, واسع الإطلاع, غزير المعرفة, قادراً علي جمع المعلومات و تلخيصها و تبسيطها و عرضها في اسلوب سائغ حين يخاطب الجماهير إذ إشتهر كأميز خطباء تلك الأيام مثل عبدالخالق و قاسم أمين. و لو شئنا أن نقدم مثالاً واحداً يدل علي اليقظة الوطنية و نمو الشعور الوطني لوجدنا حياة الوسيلة و سيرة نضاله خير مثال و أبلغ دليل علي الروح التي إنبعثت بين أبناء شعبنا, روح التحفز والتضحية و الفداء. و علي كثرة ما أنجب شعبنا من ابطال, فإن سيرة الوسيلة يمكن أن تعد نموذجاً عالياً و طرازاً رفيعاً للنضال من أجل الإشتراكية والديمقراطية والعدل الإجتماعي, و إذا كنت قد قصرت حديثي علي ناحية واحدة من حياته, وهي الوسيلة:السياسي والأديب, فإني اظن أن تفرغ الوسيلة للعمل السياسي كان قد حجب عنا عبقريته الحقيقية كاديب و مثقف كبير, إن الرجوع إلي مقالاته في صحف تلك الايام و خاصة الصراحة والميدان ربما عكست عبقرية لمعت كشهاب مضئ ثم خبت عليه رحمة الله