الشاعر بدل رفو بين نقطة الجملة وآثار النقطة

عصمت شاهين الدوسكي

النقطة

يظل الإنسان نقطة معلومة أو مجهولة في الحياة

clip_image002_546b8.jpg

بدل رفو

clip_image004_d2f0b.jpg

عصمت شاهين الدوسكي

في دياجير الحياة الأدبية وإضاءتها والسفر والتحول من مكان إلى آخر ، المهيمنة على واقع الإنسان ، لم يتمكن أن ينتشل منها ما يرغب إلا بعد حضور الحلم والخيال والنفس والروح والقلب ، وراحت الخيالات تهمس للأفكار أن تنطلق وتأخذ المبادرة التي تجعل من النقطة تعجب أو استفهام ، تقتدي فيها التناقضات والتساؤلات وفي الوقت نفسه تتجلى طيبة النقطة في كل فعل كنموذج صحيح ، ليس لنهاية حياة بل لبداية حياة جديدة  ، يعدها الشاعر بدل رفو " نهارات – زمن " في قصيدته " النقطة " وهي من الشعر الكردي المعاصر والتي كتبها فوق جبال الأطلس ، راح يردد رنة النقطة بقلب كسير ، وهي " تغتال العشق "  في أعماقه ، ومن السخرية أن تبقى في " محطات " رحلاته ، إذ لا يمكن التسليم بمغادرتها في أي مكان كان مادام هناك ورقة وقلم وحلم وشعر وترجمة وخيال ، وبالتالي يطرح تصوراً مغايراً لرؤيته باعتبارها البديل المقبول في الغربة والسفر والوحدة ، تداهم الذكريات والآلام والفرح رغم إنها تنهش " بقايا صور " في جزره  الواسعة ، النائية ونقف قليلاً عند " بقايا صور " فهي ليست صور مباشرة من الذكريات الماضية والحاضرة بل صور لإحدى أعمال الروائي العربي " حنا مينا " التي تميل إلى الطبيعة الأخلاقية وطبيعة الإنسان الحقيقية ، يقيناً إن رواية " بقايا صور " تشير إلى إطلاق الجواهر الضمنية التي ظلت حبيسة ومنسية ، هذه الصور تعيد إلى الذاكرة الرغبات الهامدة ، غير أن صور بدل رفو تمنح تفرداً مميزاً ومعاني غير محددة للكلمة والنقطة .

(( عشق الفلاسفة النقطة

   النهارات تقتفي آثار النقطة

   الزمن يصارع الطبيعة

   بين ثنايا النقطة

   وأنا حين تأتيني النقطة

   تغتال العشق في أعماقي

   تسافر في محطات رحلاتي

   وتنهش " بقايا صور " في جزري ))

من دوافع النقطة المتسلطة ، تشكل أساس نهاية روح ، لا لكونها " عدوة الروح " نهاية النهايات ، فهي ليست خاوية أو تفتقر إلى فراغ ، بل ردة فعل لآثار النقطة ، تختار الغرض المعني ، فيرى الشاعر تحت جنون النقطة " غراب أسود " من بين صور " تلال الذكريات " صور لا تؤكد الضعف أو عزاء منشود ، فذكاءه وإحساسه يصور الجبال " موطن الصقور " بلا نقطة ، فهي تحلق عالياً ، تحمل خواتيم قصص العشق ، إن الجبال والجنان والروابي سحرته منذ صغره ، وهنا تبقى الجبال " الأطلس " وهي من أجمل مناطق المغرب العربي ، صور تترا  بخيل إليه أشياء وذكريات قريبة من النفس وأشياء لم يكن لديه أي تصور عنها ، حتى مال إلى النقطة بالأفكار الآتية من الوحدة والغربة والعزلة الكبيرة ، غن هذا الفراغ الكبير من الرغبات المكبوتة قد تكون صلب كابوس النقطة ، التي تعمل شرخاً بين الرغبة والواقع ، وهي صلة إنسانية بين الواقع والمجهول الذي يعتبر مغرياً ، في حين أن النقطة لا تعتبر جذابة أو مقنعة ، إن فصل نقطة الجملة وآثار النقطة دافع يفوض مبدأ الصراع من أجل سمو المعاني ، ولا يسمى هذا الصراع مع الموت بل سباق لإثارة ما يمكن أن يتخيله الشاعر حتى لو كان في جبال " الأطلس " بين أشجار البلوط يرقد ليلتين لتحقيق انتصار ما ، خشية من هزيمة ما ، مع الإيمان بحق الإنسان كأثر وحق النقطة كنهاية شكلية أو رمزية .

(( النقطة عدوة الروح

   غراب أسود في تلال الذكريات

   ولكن تظل الجبال موطن الصقور

   أبد الدهر ، من دون نقطة

   النقطة خاتمة قصص عشقي

   وأمسيات أسفاري في بلاد الاغتراب

   في جبال " الأطلس " حيث رقصة القرود

   وأشجار البلوط ))

إن فعل النقطة وعاطفة الإنسان ليست منفصلة عن الذات ، حتى وإن سلطت الرغبة اللا واعية في غياب النقطة ، وإن ظل الإنسان " يراقص الشعر والكلمات " وإن ظل الزمن يستبد ويتخبط بلا نقطة في عالم " يعوم في الوجع " رغم إنه لا يخلو من قصة لكن " قصة لم تكتمل بعد " بلا نقطة ، وكأن الشاعر يروي حلماً إنسانياً بلا نقطة بلا توقف لنهاية ما ، ف " قصة لم تكتمل بعد " هي أسم المجموعة القصصية الأولى للروائي الكردي " أنور محمد طاهر " من كوردستان العراق ، وظفها الشاعر لبناء معنى خاص بلا نقطة ، وهي محاولة بائسة ، لان القصص لا بد لها معين ينقل الإحساس إلى النقطة ، وقد تكون مزيج من الحلم والخيال واللا عقلانية والدهشة والانبهار ضمن مشاعر متفجرة، مضطربة من صور آثار النقطة والوحدة والوحشة والغربة والسفر والتصور والوقوع في أسر الطبيعة والخوارق التي تعتبر جزء مهم من الأحلام ، والتي تفرض إن تكون مجسدة على الواقع أو على الأقل على سطور الورق العارية  بلا نقطة .

(( وظل الإنسان

   يراقص الشعر والكلمات

   عند المغيب من دون نقطة

   وظل الزمن يعوم في الوجع

   من دون نقطة

   وبقيت أنا " قصة لم تكتمل بعد "

   من دون نقطة ))

إن تأكيد غرابة والشاعر معاً يجعل من النص بناء نوعي ، مميز ، يمكن التعبير عنه في حالة وفكر وإحساس الشاعر بدل رفو لينجح في كشف وإيصال مادة النقطة المنفلتة إلى حيز الوجود والوضوح ، ويسهم بأسلوبه الخاص إبراز الطريقة المثلى بمد من صور الغرابة والواقع والحلم الذي هو بعيد المنال وفي ذات الوقت أساس البقاء ، هذه التخيلات والوضوح يعملان معاً لتتبلور الصور الفكرية الحسية ، الذهنية المستخدمة ، التي تدعم بشكل كاف دور النقطة وآثارها الضمنية حتى وإن انحنت وانبطحت وجثمت بين الكلمات والجمل والسطور ، واستندت إلى الصور المتدلية من الخيال والوحدة والجبال والغربة ، وأظهرت ما فيها من العتمة والألم والخذلان واليأس ، وانفجرت على جرف من الأحاسيس والعواطف ، وانهمرت من تربة الذات ، لتغير مسار القدم ورؤية الرأس ، الشاعر بدل رفو بعد رقوده ليلتين في جبال الأطلس ، حول النقطة إلى عوالم جميلة وغريبة في رؤية فكرية وإحساس راقي بمضامين عديدة ومعاني تشمل آثار وسفر الإنسان بين صور الذكريات والنهايات والمكان والزمان حين يظل الإنسان ، الشاعر نفسه أو أنا كاتب المقال ، أو أنت أيها القارئ العزيز نقطة مجهولة أو معلومة في الحياة ، وهي نقطة مضيئة حرة بلا نقطة .

وسوم: العدد 675