جدل معرفي وثقافي حول "شهرزاد"
تحقيق صحفي:
صدر مؤخرا للكاتب الفلسطيني فراس حج محمد، وبمناسبة الثامن من آذار، كتابا بعنوان "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، تناول فيه بالحديث العديد من الأعمال الأدبية لسبع وعشرين كاتبة من فلسطين ومصر ولبنان والعراق وتركيا وإيران.
وقد أثار عنوان الكتاب وموضوعه جدلا معرفيا وثقافيا في الوسط الثقافي. بدأته الكاتبة إيمان زياد، التي استنكرت أن يكون لها مقال في هذا الكتاب تحت هذا العنوان، فسجلت اعتراضا على ذلك نشرته في صفحتها على "الفيسبوك". قالت فيه: "لست جارية أحد ولست شهرزاد تروي لشهريار ربّ نعمتها ومولاها.. أنا هنا لأسجل اعتراضي على تضمين مقالة كتبها فراس حج محمد قبل حوالي السنة والنصف حول "شامة بيضاء" في كتاب يحمل اسم "شهرزاد ما زالت تروي"، لعدة أسباب من ضمنها: عنوان كتاب يهين المرأة، ويعد الكاتبات جواري، ولا أدري من شهريار المقصود، وخصوصاً أنه سيحتفى به في الثامن من آذار، وهذا مرفوض فنحن لسنا جواري".
ويتفق الكاتب خليل ناصيف مع وجهة نظر الكاتبة زياد، لكنه يترك المؤلف ليدافع عن نفسه، كما قال، مضيفا أنه "يكره شخصية شهرزاد بكل رموزها، والمفارقة الغريبة أنني أعرف شاعرات ونساء كثيرات يطربن للقب "شهرزاد"، بل بعض المهرجات منهن يستخدمنه في نصوصهن الباهتة، وهناك من تسمي نفسها شهرزاد القصيدة، وأذكر أن إحدى الصديقات طلبت مني مرة أن أحضر لها من إسطنبول عطر "حريم السلطان"، وعندما شرحت لها أن اسم العطر منفر جدا فاجأتني بدفاع رهيب عن فكرة الحريم".
وتعليقا على مقالة من مقالات الكتاب، (كلنا يحتاجك يا شهرزاد)، قال ناصيف إن المقال "يطرح وجهة نظر يعتنقها الكثير من الرجال والنساء هذه الأيام من الذين يرون بشهرزاد رمزا للذكاء والدهاء الأنثوي. ولكن شهرزاد برأيي كانت غبية ومهزومة ولبست للثور ثوبا أحمر. ولا أدري إن كانت قتلت شهريار في نهاية الأسطورة أم قتلها هو، واستمتع بقتل امرأة مختلفة بعض الشيء عن نسائه التقليديات. وحتى اليوم نجد نساء كثيرات يعتبرن الرجل ثورا هائجا أو ملكا وحشيا يمكن ترويضة بدلق دلو من الأنوثة فوق رأسه". ويستطرد الكاتب في توضيح وجهة نظره "أكره شهرزاد لأنها خاطبت أكثر الغرائز بدائية في عقل شهريار. مع احترامي لوجهة نظر المؤلف، فليس بالضرورة أن نتفق. فالمرأة حاليا لم يتحسن وضعها حتى لو اشتغلت وقبضت راتبا أو ارتفع مستوى تعليمها. لأنها لا تزال تعاني من نظرة مجتمعية دونية لها، حتى عند اعتبارها بيتا وسكنا وزهرة نجد الرجل يقول: بيتي, سكني, كهفي, زهرتي...، شهرزاد احتاجت لألف ليلة كي تقلم أظافر الوحش. بعد ألف ليلة قد يغادر الوحش قلب شهريار، ولكن من سيدفع فاتورة ضحايا شهريار الدموية. شهرزاد وصلت متأخرة ولم تنتصر. الملك كان مصابا بتخمة مؤقتة، بعد ألف ليلة نام الوحش قليلا ثم غادر الحكاية. انتبهن جيدا أيتها الجميلات فشهريار صار وحشا عصريا فحسب".
ويتخذ الكاتب إبراهيم جوهر، موقفا مخالفا فـ"شهرزاد" في الحكاية المعروفة تمثّل المرأة الذّكية القادرة على تسخير ذكائها لترويض جنون الذّكر "شهريار". وإنها النموذج الذّكي الذي أنقذ بنات جنسها من جبروت الحاكم المتسلّط. فهي ليست جارية، ولا خادمة من الدرجة الثانية ولا لاهية عابثة، بل صاحبة قضية وقرار وشجاعة. من هنا فإنني لا أرى انتقاصا في عنوان كتاب صديقي "فراس حج محمد" من مكانة المرأة المبدعة بل أرى فيه تأكيدا لقدرة المرأة على التأثير والإبداع. فالكاتبة كما الكاتب كلاهما يكتبان لينقذا البشرية من الولوغ في الدماء والظلم. وكل كاتب هو صاحب قضية: وطنية - إنسانية - اجتماعية - تثقيفية توعوية. فشهرزاد هي الأساس، مع الاعتذار لنوال السعداوي".
ويتناول الكاتب إياد شماسنة المسألة من وجهة نظر معرفية، متسقة مع ما يرى الكاتب جوهر، فيرى أن "شهرزاد لم تكن تمارس إغواء شهريار. شهرزاد في أحداث حكاياتها الأسطورية، كانت تمارس تغييرا معرفيا لعقلية الدكتاتور طيلة ألف ليلة، حتى أثبتت له أن هناك امرأة تليق به ويليق بها، بعد أن تنازل عن أفكاره القديمة، الناجمة عن صدمة الخيانة التي عاشها. شهرزاد لم تمارس التذلل، بل أبدعت في ممارسة تقنيات التأثير في مجريات الصدمة، وشهريار أيضا لم يكن ساديا ولا شهوانيا، بل كان رجلا مصدوما من خيانة عصفت بكيانه، مدفوعا بألمه وخسارته وخيبته إلى الانتقام، استطاعت امرأة حكيمة وبارعة تغيير مفهومه لعالم المرأة بحكايات، واستخدمت العلاج الروائي لأول مرة في تاريخ العلاج".
أما الشاعرة الفلسطينية فاطمة نزال، التي سبق لها أن شاركت المؤلف "فراس حج محمد" الكتابة في موضوع شهرازد، وذلك في كتابة نصوص نثرية تفاعلية عن شهرزاد المعاصرة المتمردة، نشرت في حينه على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، فأكدت وجهة نظر كل من جوهر وشماسنة بقولها: "هذه هي شهرزاد نعم، وهي نموذج للمرأة "السيدة" العاقلة التي استطاعت بحكمتها احتواء جموح وسطوة الرجل، لا نحتاج للردح والتعجرف ولا للغوغاء ليسمع صوتنا، بل نحتاج عقولا مفكرة خلاقة تعمل، ولا تكتفي بالجعجعة. فــ"شهرزاد" نموذج المرأة الخارجة عن القطيع التي استطاعت بحنكتها وذكائها أن تتخلص من عجرفة شهريار وتسلطه". كما ترى نزال أن "العنوان جامع ويحمل عدة تأويلات".
في حين يرى المؤلف وصاحب كتاب "رسائل إلى شهرزاد" الصادر عام 2013، في معرض رده على تلك الآراء، خاصة تلك التي تتعارض ووجهة نظره، أنه ليس متهما ليدافع عن نفسه، وأن الاختلاف طبيعي، ولا بد منه، ولكنه يدعو في الوقت نفسه أن يقرأ المخالفون الكتاب، حتى يتبين لهم وجهة نظره. فليس لديه ما يقوله أكثر مما قاله في فصول الكتاب ومقدمته، أو خاتمته.
ومن الجدير بالذكر أن الكتاب صادر عن دار الرقمية في القدس، ويضم ثلاثة فصول، في (232) صفحة من القطع الكبير، وقدمت له وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية الدكتورة هيفاء الآغا بمقدمة جاء فيها: "يحمل الكتاب عنوانا جذّاباً "شهرزاد ما زالت تروي". نعم ما زالت المرأة تروي قصصها وإبداعاتها وإنجازاتها عبر العصور والسنين، وما زال عطاؤها سيلا يتدفق بسخاء يروي ظمأ، ويجلي عتمةً طالما حجب هذا الماء الزلال عن المرأة، وعمّت العتمة حياتها باعتقادات وعادات غريبة عن مجتمعنا وتقاليدنا".
وسوم: العدد 710