رسائل من أحمد الجدع ( 8 )

رسائل من أحمد الجدع ( 8 )

الصحفي الفلسطيني مؤسس جريدة الصريح:

هاشم السبع – قلقيلية – فلسطين

أحمد الجدع

تناولت اليوم كتابك القيم ذا القيمة التاريخية " ذكريات صحفي مضطهد " الصادر في طبعته الأولى عام 1951 م أي قبل ستين عاماً ([1]).

وكنت أنا قد اشتريته وضممته إلى مكتبتي في حوالي عام 1958 م ، وذلك لأني بدأت بشراء الكتب قبل العام بقليل، وكان كتابك هو الكتاب الثاني عشر في سلسلة الشراء .

والقارئ لكتابك يلمس حماساً وطنياً لقضيتك الكبرى فلسطين ، ويلمس حباً عميقاً لأهلك ووطنك ودينك، وقد بذلت من نفسك من أجل فلسطين الشيء الكثير ، وأقله كان السجن والتشريد .

لقد أدركت مبكراً أهمية الإعلام في توجيه الأمم وفي الدفاع عن حقوقهم وقضاياهم فأنشأت جريدة الصريح ( من الصراحة ) ، وقد لوحقت الصحيفة ولوحق صاحبها، وقد أدت الصريح دوراً مهماً في تاريخ الصحافة الفلسطينية .

أما ميلادك فقد كان في مدينة قلقيلية إحدى المدن العرائس في فلسطين وذلك عام 1912 م .

وقد قدمت قلقيلية خمسة من كبار الصحفيين في فلسطين ، سأذكرهم لأنك ذكرتهم في مذكراتك ، ولأنهم أهل للذكر:

1- الشيخ محمد القلقيلي صاحب جريدة الكوكب التي كانت تصدر في مصر .

2- أيوب صبري صاحب جريدة الوطنية التي كانت تصدر في مصر أيضاً .

3- إبراهيم الشنطي صاحب جريدة الدفاع التي كانت تصدر في القدس .

4- الشيخ عبد الله القلقيلي صاحب جريدة الصراط المستقيم .

5- هاشم السبع صاحب جريدة " الصريح " .

أربعة من أعلام الصحافة الفلسطينية وأنت خامسهم .

تعلمت في مدارس قلقيلية ثم في مدرسة النجاح في نابلس، وقد كانت مدرسة النجاح ولا زالت قلعة الوطنية في فلسطين .

أنهيت دراستك في النجاح وسافرت للدراسة في الأزهر الشريف عام 1925 م .

أسديت يداً بيضاء لتاريخ القضية الفلسطينية عندما تحدثت عن جيش الإنقاذ حديث حاضر مشاهد، وكشفت المهمة التي جيء به من أجلها وهي نزع سلاح المجاهدين الفلسطينيين ، وعقدت في كتابك فصلاً لما أسميته "مهزلة جيش الإنقاذ" ، وبالمناسبة فإن كل من غمس يده في القضية الفلسطينية كان همه الأكبر نزع سلاح الشعب الفلسطيني ، وللأسف الذي يقطر دماً أن آخر فصول نزع سلاح المجاهدين الفلسطينيين يتم بأيد فلسطينية !!

في كتابك معلومات كثيرة عن القضية الفلسطينية قد لا تجدها في سواه ، وفيها أيضاً مجموعة من الصور أصبحت الآن من الصور التاريخية النادرة ، وهي صور على قدمها واضحة ومعبرة .

لقد أحسنت صنعاً بكتابة هذه المذكرات ، ولو تقاعست عن كتابتها قليلاً لفقد تاريخ القضية الفلسطينية فصولاً وحوادث رويتها وأنت شاهدها .

أقول ذلك لأن الله توفاك عام 1957 م بعد قليل من كتابتها .

ولقد كانت لك نظرات ثاقبة فيما يحدث من حولك ، وقد كتبت عن دور الإخوان المسلمين في الجهاد في فلسطين أحب أن أورده هنا دليلاً على وعيك المبكر ومعرفتك الدقيقة بالفئة التي جاهدت مخلصة في فلسطين .

تضمنت مذكراتك هذا الفصل بعنوان : " الإخوان المسلمون " وذلك في الصفحة الحادية والثلاثين أوردها تالياً :

الإخوان المسلمون في مصر هم الصفوة المختارة من الشيوخ والشبان والفتيان الذين غرس المرشد الإمام الشهيد حسن البنا في قلوبهم الإيمان، وأنار عقولهم بتعاليم القرآن ، وجملهم بالفضائل المحمدية والتضحية والموت في سبيل الله ورفعة المسلمين ومجدهم .

لقد استخدم الإخوان المسلمون الدين القويم لخلق حياة مثالية قوامها العمل للدنيا والآخرة معاً ، فهم يجارون روح العصر، ولا ينكرون الأمجاد القديمة، ولهذا انضم إلى الجماعة الأطباء ورجال القانون والمحاماة والاقتصاد وشباب الجامعات والعمال والمزارعون وشيوخ الأزهر وغيرهم .

أسسوا الشركات الكبرى المساهمة من صناعية وتجارية وزراعية ، وقد نجحت كلها بفضل الأمانة والإخلاص والكفاءة كما أسسوا فروعاً للإخوان في كل المدن والقرى فربطوا جهودهم وجهادهم برباط العمل المشترك ، ولقد قاموا بأعمال وطنية باهرة ضد اليهود في مصر، واشتركوا في حرب فلسطين اشتراكاً عملياً قام على التضحية والفداء، فاستشهد عدد كبير منهم ، ومع هذا فقد رأوا أن ذلك من واجبهم نحو أولى القبلتين وثالث الحرمين .

والخلاصة أن الأخوان المسلمين في مصر قوة تنمو مع الأحداث، وسيكون لها شأن عظيم في المستقبل ، ومتى تحقق ذلك فإن النجدة لإنقاذ فلسطين ستأتي منهم وسيكون إنقاذها على أيديهم إن شاء الله .

كان الإخوان المسلمون في المعتقل أكثرية ساحقة يأكلون ويصلون ويتدربون عسكرياً ، فإذا نادى المؤذن لصلاة الفجر خفوا سراعاً وانتظموا صفوفاً، حتى إذا قاموا بواجب ربهم ، انطلقوا لتناول طعام الإفطار، ثم أقبلوا بحماس على دروس التدريب العسكري ، أو سماع المحاضرات في مختلف العلوم ، لأن كل أخ من الإخوان المسلمين مطالب بالاستفادة من وقته ، لا سيما والفرصة سانحة لوجود الأساتذة الكبار معهم في المعتقل ، وقد حدث أن اليهود قرروا الاحتفال بمولد دويلة إسرائيل وحددوا لذلك الساعة الثامنة مساء ، فاجتمع زعماء الإخوان وقرروا منع ذلك الاحتفال بالقوة وقد كان ، إذ هجم الإخوان بعصيهم وخناجرهم على المحتلين واعتدوا عليهم اعتداء رقص له قلبي، وطابت به نفسي ، وقد حملت الحكومة المصابين من اليهود إلى المستشفى ، وقبع " المضروبون " منهم في الزوايا بعد أن أدركوا أن في المعتقل رجالاً من الإخوان المسلمين .

ومن أغرب ما كان يجري في المعتقل أن اليهود كانوا يحتكرون شراء وقراءة الصحف، فكانوا يرشون أحد الجنود فيحضر لهم المجلات والصحف، فيتولون تأجيرها بقرش واحد لكل قارئ فيربحون جنيهاً واحداً من تأجير جريدة الأهرام مثلاً، وكان لهم بريد منظم إلى أهلهم ، وقد بادر الإخوان إلى إحضار المجلات والصحف بأسعار مخفضة جداً بأن يدفع المشترك قرشاً واحداً في الشهر وهكذا قضوا على تجارة اليهود في السوق السوداء !!

المناضل الصحافي هاشم السبع .. ندعو أن يشملك الله برحمته .

                

([1] ) كتب على الغلاف الخارجي : الطبعة الأولى – القدس 1952 م ، وعلى الصفحة الداخلية للعنوان : الطبعة الأولى – القدس 1951 م .