لا تصح صلاة الحرية بجانب تراتيل العبوديّة
د. سماح هدايا
لا يمكن في المعارك الكبرى تخيّل عدو مسالم. ولا يمكن التّوقّع بفوز عدوّ ساذجٍ في حرب شرسة.
مناظير تقليديّة متكرّرة في التعاطي مع معركة الساحل. ولأنّ الضجيج أثير حول المعركة، فكان المأمول الاستفادة من عبرة مايحدث، من تحد وتصعيد واستحقاق، للقفز نحو منظور جديد في النقد، أبعد من توصيف معركة الساحل بمعركة الإرهاب وأعمق من إصدار المواعظ والحكم، وأبعدمن الخطاب الإنشائي.
يتناقل الذين لم يحسموا قرارهم في توصيف الثورة والاعتراف بحراكها العسكري، متصدرين مساحة واسعة من مشهد المعارضة، الاتهامات الجاهزة الراسخة ضد الثورة وضد المقاتلين، سواء أكانوا على صواب، أو على خطأ، من دون تحليل عقلاني واقعي لطبيعة ما يجري وتعقيداته، واستخلاص رأي موضوعي ذي مصداقيّة ونزاهة.
ليس عدلا أن يقوم المعارضون الرافضون للحرب في الساحل بتوزيع الاتهامات الكبيرة التي تضرب مصداقية أي عمل يقوم به الثوار مرددين خطاب روسيا وغيرها من الذين لم يتوقفوا عن توجيه الاتهامات والافتراءات ضد الثورة السورية؛ بأنها ثورة إرهابية وبأن ثوارها إرهابيون يرتكبون الفظائع في جموع المدنيين المختلفين عنهم مذهبيّاً. هذا أقرب إلى الترويج المضلل، وهو مطعون في أخلاقيّته ووطنيّته ونضجه. في حال وجود خروق حقيقة واسعة يقوم بها المقاتلون يجب تحديدها وإثباتها للناس بالأدلة والتوثيق.
"كسب" ليست خارج مفردات اليوميّات الدائرة في المعارك. كأنّها والساحل نقطة ارتكاز لرمزية تاريخية توحي بمظلومية الأرمن و الثأر من العلويين. لتسويغ الهجوم المتواصل على المقاتلين في المعارك، خصوصا في الساحل، التي تمس بشكل مباشر مصالح علويين وأرمن. ليس كلامي تأييدا أو رفضا لمعركة الساحل؛ لأني مجرد شخص يشاهد من خارج الحدث لا يستطيع فهم طبيعة العمل الميداني ولا إصدار رأي واقعي فيه؛ لكنْ انطلاقا من مبدأ المصداقية وتوخي النزاهة؛ فمن غير الصحيح الهجوم والاتّهام وتحقير مايحدث لمجرد اختلاف الرؤى، والاستمرار في وضع الناس التي تضحي وتقاتل وتعاني في زاوية الاتهامات وجرها لمزيد من الغضب للدفاع عن نفسها وأفعالها ومواقفها المدانة؛ فهي متهومة دائما، وسلفا، بالجريمة.
المعركة تدور. ومن الطبيعي أن تكون صعبة وذات اختلاطات وإشكاليات. لكنْ، البدهي أن يصبح الإنصاف جزءا من أدبياتنا في التحرر والثورة. فلا نصر أو نجاح من دون احترام تضحيات الآخرين وتقدير الصعوبات والمخاطر التي يواجهونها،حتى وإن كان لا اتفاق معهم على الرؤية والآليّة. ففي معركة التحرر، تصبح الحاجة ملحة للبحث عن مشتركات حاضرة للتعاون من أجل تحقيق الهدف المنظور. وفي المعركة تبرز نقطة إنسانية مهمة وهي التعاطف مع الأبرياء والمظلومين والمدنيين، أيا كان مذهبهم، وليس الاقتصار على أقلية أو طائفة أو جماعة.. وبما أن الحميع يحتاج المصالحة. لأنّها من أسس العمل السياسي ؛ فهناك أسئلة تستدعي التفكير والإجابة:
لماذا الإصرار على غض النظر عن فظاعات قوات نظام أسد وشبيحته وطائراته، وعن هجومه التدميري على كل مناطق سوريا ذات الأغلبية السنيّة، وقتل الآمنين من المدنيين، في حين تتسع الأحداق لاعتبار معركة الساحل أهم الخطوط الحمراء؟ لماذ اا تزداد أعداد الضحايا في الريف الدمشقي وفي حلب وغيرها من دون اعتبار هذه المناطق خطوطا حمراء؟.
اي عيش مشترك واحترام للتنوّع، هذا الذي يراد ، وتنبري الألسن المحليّة والدّوليّة للحديث عنه عندما يكون كيل كل شيء بمكيال مصلحة الأقليّة؟. اعتبار معركة الساحل ستنجز القطيعة بين مكونات الشعب السوري. يثير سؤالا ساخرا: أي قطيعة يهذه التي يعلو صوت الخوف منها، وقد حدث أن خاف الجميع من الجميع وانقطعت صلة الرحمة؟
يقولون ...الشعب السوري واحد؛ فلا يجوز فصل العلويين عن الثورة ودمجهم بالنظام الحاكم. هم مدنيون. وفيهم كثيرون غير مؤيدين. والتعقيب: حتما هناك أبرياء وهناك مظلومون وضعفاء وشرفاء من العلويين. لكن من ناحية سياسية والحرب سياسية؛ لماذا لم يعلن جموع العلوييثن احتجاجهم السياسي على قتل أخوانهم ويتظاهروا ضد سفك الدماء؟. الأقلية من الأفراد المعاكسين للتيار في الطائفة العلوية لا يعكسون موقف الطائفة السياسي العام المندمج مع موقف النظام الأمني والعسكري، والمهلل لانتصارانه الدموية على المقهورين والمغلوبين والمدنيين والعسكريين. الصراع في الاصل ليس عقائديا بل سياسيا لكن التحشيد الطائفي لدى النظام مع طائفته ضد المسلمين السّنة، أسهم في إقصاء عموم المكون العلوي عن الثورة. ونتيجة ذلك ضعفت العقلانية السياسية في جموع المقاتلين بسبب الدفاع عن أنفسهم؛ ولم يتح لهم الخروج من الأزمة ومن مسار الحرب المسلحة التي، من نتائجها، النيل من المصطفين مع السلطة الباطشة.
الذين يخافون على الساحل ذي الكثافة السكانة العلوية، ويعتبرون الهجوم على الساحل بمثابة الهجوم على العلويين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بمعارك النظام وليسوا جزءا من السلطة، لا يبدو من تصريحاتهم ومخاوفهم حرصهم على ريف دمشق ذي الكثافة السنية، الذي تجري فيه معارك عسكرية ومجازر، وعلى حمص المحاصرة المذبوحة وعلى حلب المقصوفة بالبراميل. هذا ابتذال سياسي وإنساني. يجب ألا يوجد تمييز بين المكونات على حق الحياة واستحقاق العيش. أين العدل؟ وأين المساواة في المواطنة والإنسانيّة؟
أما الذين يقرنون حرب الساحل بتأجيج الحرب الأهلية. وبأن المعركة ستتحول إلى اقتتال داخلي أهلي وحرب طائفية فلهم سؤال: هل هي غير ذلك في أي مكان آخر من سوريا؟ ألا تبصر الضمائر أين تتساقط البراميل؟ ومن أي طائرات؟ ومن اين يأتي معظم الشبيحة ليذبحوا ؟ وبسكاكين من يفعلون هذ؟ وبمن؟. عبر الأشهر القليلة الماضية فقطـ؛ "تم توثيق 20 مجزرة نفذها نظام بشار الأسد باستخدام السكين، وأسفرت عن مقتل 2885 مدنياً سورياً، ومن بين القتلى الذين تم توثيقهم أكثر من 200 طفل و120 امرأة، كان السلاح المستخدم في قتلهم الساطور والسكين..". (زمان الوصل- www.zamanalwsl.net/news/48258.html ).
لماذا مازالت حساباتنا تبدأ من طرف واحد للمعادلة؛ حيث لا يعتبر الصدام مع المواطنيين السوريين من مذهب واحد كارثة وطنيّة خطيرة بينما يعتبر الصدام مع مواطنين متنوعين مذهبيّا هو كارثة وطنية خطيرة الأبعاد؟ . المدنيون هم في كل مكان في سوريا، ويموتون بالآلاف . خارج مناطق العلويين والأرمن. المعركة ليست قصرا عليهم من دون غيرهم .
ليس هناك معارك رمزية واعتباطية . بل هذا فكر الابتذال ومنطق الكراهية...والناس يجري نحرها بأطروحات حماية الأقلية وإرهاب الأكثرية بخرافة حماية التنوع. عندما يبلغ نسبة ضحايا براميل النظام المتفجرة على مستوى سوريا أكثر من 97% من المدنيين، مع استهداف البراميل المستمر لأحياء سكنية بمرافقها المدنية، وذلك بحسب الشبكة السورية؛ فإن المتوقّع في أوساط تدعي توخي الديمقراطية والإنسانية الإسراع إلى ملء الدنيا بالتنديد.
الحسابات بخطأ معركة الساحل هي نفسها الحسابات التي تتجاهل الفظائع والجرائم التي يرتكبها نظام الأسد وأعوانه وأتباعه على شدتها واتساعها.. أما الصدام الطائفي؛ فحاصل منذ اللحظة الأولى لمحاربة الثورة. والذين يصرون على جعل الصورة محصورة وتبعاتها بالمنطقة السنية ويرون ألف حجة في منع دخول مناطق العلويين والأرمن والمسيحين التي تتمركز فيها قوات للنظام وشبيحته هم الذين يصرون على صبغ الثورة بالطائفية رغم كل ادعائهم بدعم الثورة وحماية التنوّع.