وعد السّواعد بالتّجديد
د. سماح هدايا
في مسير الحياة، لا انقطاع في الزمن. فهل يمكن الفصل بين لحظة ولحظة ؟. السنة الجديدة هي رمزيّة التّجديد، وأعياد الميلاد هي طقوس احتفال بالحياة. لكنّ الزّمن لا يتغيّر واقعيّا فجأة، ولا ينقلب بين لحظة ولحظة بشكل منقطع عن السياق.
يتواصل الصّراع ولا ينفصل من سنة عن سنة. القادم ابن الحاضر وسليل الماضي. ويبنى الغد الثوري على عظمة التضحيات اليوميّة وإنجازات العمل. النصر قادم والدلائل كثيرة، أهمها غزارة الدماء المبذولة من أجل حرية المستقبل ومجده. لكنّ التغيير، يحتاج لصبر في التعاطي ويقين في التفاعل. ربما في العام الحالي، سنشاهد انحطاطا أشدّ وسقوطا أقوى لكثير ما اعتدنا عليه، وبالمقابل صعودا عظيماً للقوى الثوريّة الفاعلة؛ لذلك فعوضا عن جلد الأنفس وجلد الآخرين، والتعامل مع الثورة على أنّها فيلم سينمائي أو مشهد مسرحي، يقاعد الوعي ويعرقل العمل والإنجاز، يأتي إنتاج الفعل الثوري والإسهام في التّغيير الناهض.
عبوديّة العقود المظلمة لا تنجلي بشمس الأحلام الوردية والأفعال المثاليّة. الدم السخي الغزير ثمن التّغيير التّاريخي، ولايكون، أبدا، مؤشّر الفشل بل إنّه دليل النّضال الجدي، الذي يواجه ببسالة وإيمان بالحق وحشية الطغيان. وللاسف، تبدو المعركة طويلة؛ لأن جيوشا من المتقاعسين واللاثوريين وجحافل من الرماديين والضائعين والصامتين مازالوا يعيثون فسادا. يدعمها طغيان المستبدين المزهوين بنصرهم الواهم، وشعبويّة التابعين لهم. ولا مجال لأنْ تخطو الثورة إلى النصر من دون هزيمتهم وإنهاء قوتهم، ولا يحصل هذا إلا ببذل الدم الخالص المكافح للظلم.
الدم يعني احتدام الصراع بين متناقضات الموت والحياة، وفيه رفض قطعي للرّضوخ للذّل والاستبداد. ولذلك قصة جنيف 2 غير قابلة للحياة، مهما أعدوا لها من تآمر ومسرحيات. ليس هناك حل سياسي على الخارطة التي يريدونها. فلا أفق سياسي له استمرار وامتداد، إن لم يكن مختوما بإرادة الشعب. وفي حال فشل التوجه السياسي الحالي أو نجاحه؛ فلن يقلع الثورة السورية من الأرض. وكل ما يترتب عليه هو أن تسير الثورة السوريّة في اتجاه جديد لتحقيق مطلبها وهو إسقاط الاستبداد ونظام الأسد.
ربما في العام 2014 سيتكوّن منعطف كبير ذو استحقاقات قوية. فإما يثبّت المنحى السياسي مساميره على الأرض، ويفرض مصالحه على الثورة؛ مما سيأخذ بالصراع السياسي إلى الصراع الدولي الصرف، وإمّا يفشل الحل السياسي؛ فينفتح الصراع الدموي على كل شيء في خريطة جغرافية أوسع.
سيكون للتطوّرات السياسيّة المتصاعدة بقوّة في المنطقة، تأثيرها في سوريا؛ مثل التطوّرات السياسيّة في تركيا. وتطوّرات الداخل اللبناني في حال تفجرها الذي قد تفجّر الساحة اللبنانية بحرب طائفيّة مذهبيّة. وتطوّرات العراق في اتساع الانتفاضات الشعبية ضد حرب المالكي. هذه كلها منعطفات لابد أن تؤثّر، في الثورة يجب أخذها بعين الاعتبار ودراستها للتحرك وفق معادلاتها؛ لأنها تلعب في موازين القوى السورية... ويمكن أن تصبّ في صالح الثورة السورية.
من الصعب التّنبؤ بتفاصيل هذه المرحلة؛ لأنها تصحيحيّة ، ولأنّ الموضوع السّوري طويل ومعقّد وكثير التشعّب وطنيا وعربيا ودوليا.
الصراع سيستمر، والحرب حتى تحقّق نتائجها يلزمها الصبر والشجاعة واليقين بالحق. فالثورة هي صراع دموي بين المتناقضات الكبرى.
التعاطي المثالي الطهراني مع الثورات لا ينفع ولايجدي، بل يضرّ كثيرا ويؤخّر النصر. إنّ معايشة الحدث بكل زخمه لكي يتطوّر الوعي وتتبلور القوة المجتمعيّة الثوريّة، من أهم متطلبات النصر، وهو ما يجب أن يسير عليه حراك الشعب السوري في العام الجديد. لا نكوص في الأمة رغم المآسي والضغوط. هناك يقظة وهناك حرب تخوضها شعوب وجماهير من أجل حريتها ونهضتها ومستقبلها...
عام جديد في مسعى التغيير. والشّعوب الحيّة لا تؤكل قضاياها. ليس هناك أمة حيّة نابض قلبها، تكتفي بالتفرّج، وتقبل أن تتنازل عن حقوقها من اجل أكاذيب السلم والسلام. لم تعد الأمة غارقة في الرقاد. التاريخ في صالح الشعوب. والزمن ليس في صالح الطغاة. ولذلك يريدون ان يفرضوا عبر مؤتمرات السلم واقعا سياسيا يستولي على الثورة خوفا منها ومن قوة استمرارها. يجبرون الثورة على الاعتراف بسلطة سياسية تعيد إنتاج الطغيان نفسه، بثوب جديد، لكي تستطيع ان تستمر في تقديم الخدمات الخيانية. لكن لا يمكن نجاح أي حل يفرض فرضا على إرادة الشعوب، والحل النهائي بيد الشعوب. وعام جديد للجميع في مسعى التغيير.