عن أي حق ستساومون وعن أي حق ستتنازلون؟!
عن أي حق ستساومون
وعن أي حق ستتنازلون؟!
زهير سالم*
الذين يتحدثون عن حل سياسي في سورية لا يريدون أن يعترفوا بحقيقة الوضع الشاذ القائم فيها منذ نصف قرن ، أو لا يريدون أن يتنازلوا عنه . سورية التي يقف فيها الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي على رأسه هل يمكن أن تستمر كذلك على المدى المفتوح كما يشتهون ؟!
في حكاية لأهل حلب بالغة الدلالة عن حال السوريين اليوم وما يراد منهم وبهم في جنيف ومشتقاته ، أن فلاحا مسكينا ضاق ذرعا بمعاملة الإقطاعي الذي كان يعيش هو وأسرته في أرضه كدا وكدحا ولسع كرباج ، فقرر أن يتحول إلى إقطاعي آخر وذلك ذروة عملية التمرد التي كان يفكر فيها فلاح مسكين . وحين وصل الفلاح إلى الإقطاعي المأمول وقال له : يا بيك أريد أن أتحول للعيش في قريتك وأن أعمل في أرضك ..قال البيك المنتفخ : كم كان يعطيك ( فلان) في السنة ؟أجاب الفلاح أشتغل طوال العام بقوتي وقوت عيالي ..
البيك يجيب الفلاح : لا هذا كثير ( راعينا شوي ) ..
هذا ما يقوله اليوم الداعون إلى مؤتمر جنيف للشعب السوري : تنازلوا عن مطالبكم قليلا ،اقبلوا بأنصاف الحلول وأرباعها ، وبالطبع هذا حديث الوسطاء . وليس حديث الروس ولا الأسديين . حديث هؤلاء يقول حتى تعودوا إلى بيت الطاعة والخضوع صاغرين أيها الإرهابيون ..
لقد خرج الشعب السوري في ثورته يريد العدل ، ويريد الحرية ، ويصر على العيش بكرامة إنسانية ، فعن أي حق من هذه الحقوق سيساومنا الأخضر الإبراهيمي ، وعن أي حق من هذه الحقوق يريدنا أن نتنازل الأمريكيون ؟!
وهل هذه الحقوق في أصولها القيمية والإنسانية قابلة للتجزئة أصلا ؟! كيف سيقنعنا السيد الأخضر الإبراهيمي ببراعاته الدبلوماسية المشهودة بثلث عدل ، أو بربع حرية أو بعشر كرامة إنسانية ؟!
ربما يجد الباحثون عن ( السلطة ) في جنيف بغيتهم . وربما يجد المتكئكؤون على أبواب الروس أو الإيرانيين أو الأمريكيين في جنيف غايتهم في مقعد على كرسي وزارة أو إدارة ؛ ولكن الشعب السوري لم يثر من أجل هؤلاء أو هؤلاء ، ولا من أجل هذا الكرسي أو ذاك . ولسان حال بعض الناس يقول : عندما أكون على كرسي السلطة تكون الدنيا ( قمرة وربيع ).
يخطئ الذين يتصورون أو يصورون الأمر في سورية على هذا النحو ؟ ويخطئ الذين يظنون أنهم بقليل من إعادة توزيع المحاصصات يمكن أن يحلوا ما يسمونه هم ( الأزمة الثورية ) . وما نصر على أن نسميه ( الثورة السورية ) . الثورة التي تعيد الحق في كل شيء إلى نصابه . وتعيد هرم المجتمع السوري المنكّس على رأسه منذ خروج الفرنسيين من سورية ليستقر على قاعدته الطبيعية . قاعدته المتمثلة في مجتمع مدني موحد يتساوى أبناؤه في كل شيء على صعيد الحقوق والواجبات ومناطاتها الدستورية والقانونية أيضا ..
وحين نتحدث عن مجتمع مدني موحد المواطنة ركيزته الأولى ، ينتفي تلقائيا حديث الأقليات والأكثرية بخلفياتها الدينية والمذهبية والقومية . إن الإصرار على فرض عنوان الأقليات في حضرة هذا المجتمع فيه : غمط واتهام أولي لفكرة المجتمع المدني ولقاعدة هرم هذا المجتمع . وفيه تعبير واضح عن رغبات خفية في التمسك بحقوق مزعومة في التميز والاستئثار ، وفيه إصرار واضح على الذهاب في هذه الحرب حتى نهايتها ..
إننا حين نتحدث عن دولة مدنية حديثة في سورية فنحن نتحدث بكل بساطة ويسر عن دولة تبنى على دستور ويسود فيها القانون . دستور يعبر عن إرادة جميع السوريين وقانون عصري بالعدل يظلل جمعهم .
فعن أي من هذه الحقوق سيساومنا الروس والأمريكيون والألمان واليابانيون ؟!
خرج السوريون في ثورتهم ، ليستعيدوا آدميتهم المنتهكة ، وإنسانيتهم المستباحة ، وكرامتهم التي ما زالت تدوسها البساطير؛ وقدموا حتى الآن من أجل ذلك تضحياتهم بالملايين . فيا أيها الذاهبون إلى جنيف : فعلى أي حق من هذه الحقوق تريدون أن تساوموا ؟! وعن أي منها تريدون أن تتنازلوا ..؟!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية