القيام على طرفي الهوة.. يحتاج إلى عقل العقلاء
كتبت زميلة رصينة في التعليق على المشهد الحميمي لفراق الرهائن للمرتهنين، تغريدة مثيرة، فيها ما فيها، تتحدث عما بدا من طبيعة العلاقة بين الرهائن والمختطفين العرضيين، من سواد جمهور الاسرائيليين وبين المختطِفين من الفلسطينيين، لفت نظرها وهي محقة، طبيعة الحميمية التي سجلت في أكثر من صورة، وعلى أكثر من لسان، على عكس ما كان تراهن عليه القلوب القاسية..
علقت: الزميلة تخلط جدا بهزل: شي بشهي أن أكون أسيرة او رهينة!!
الفلاش الذي التقطته عدسة الزميلة، مؤثر ومهم واستراتيجي، وهو مع حاجته إلى شيء من التحليل، يمكن أن يكون مدخلا استراتيجيا لمستقبل أفضل..
أما تحليلي للموقف، فهو مبني على المفارقة الكبرى بين ما كان يتوقعه المختطفون، وبين ما واجهوه… وأبدل خوفهم أمنا ففجأهم…
إنسانية المختطفِين في غزة، وضيق غيلان الاحتلال بمواقفهم الانسانية؛ يذكرني إلى حد كبير بموقف الراهبات في دير معلولا اللواتي منعن من الكلام..في لحظة كان التاريخُ أشدَّ حاجة إلى كلامهم!!
إن الأسير الذي ظلوا عبر قرن من الزمان يحدثونه عن "الغول" ثم يجد نفسه فجأة بين يدي الغول، وليس فقط على ظهره، ستصدمه الحقيقة بين المتوقع الذهني، والواقع العملي!!
وسيكتشف كلٌ حسب قدراته، ما كان يعيشه من تضليل وضلال.. ومن هنا جاء التعبير عن هذا الانبهار بهذه المعاملة، وبهذا السلوك..!!
أما الملمح الاستراتيجي..
فدعوني أحدثكم عن نفسي، ولا يهم أن تقروني أو ترفضوني؛ فأنا ما وقفت يوما على طرف فجوة، تفصلني عن آخر أو عن آخرين، إلا كنت شغفا بالبحث عن نظير على الطرف يساعد على التجسير.
دائما أتساءل: هل يوجد على الطرف الآخر عاقل نلقي له بطرف الحبل الذي يمكن أن نجعله أساسا لجسر؟؟!! ولا يهمني أنني أخفقت مرة بعد مرة، ما زلت مؤمنا بحسن ظني في الإنسان، وبقول ربي للملائكة (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
يقولون إن الفجوات بين البشر، إما أن تردم وإما أن تجسّر، وأنا أعتقد أننا إلى عصور التجسير أقرب، وأن عملياته أيسر. وأن التجسير قد يكون مقدمة للردم والتسوية من بعد
ولعل أكبر المكاسب من هذه الحرب على المستوى الاستراتيجي، هو هذا اللقاء الانساني..
بين مقاوم عسكري رافض، يلاعب طفلا لمحتل!! يكرمه، يُعنى بحاجات الأسير- الأسيرة، الإنسانية..
هذه اللحظة بكل حميميتها أفزعت نتنياهو وأفزعت وزير الحرب.. ومن الطبيعي أمها تقوض الحلم الصهيوني لهرتزل من أساسه. في الأخبار أنه اليوم قد توفي هنري كيسنجر المؤسس الثاني للدولة بعد حرب ٧٣
من جهتنا تقول الرسالة: لا أحد يريد أن يُلقي أحدا في البحر. أو هكذا أقترح ولا أملك غير الاقتراح
أقول لقومي ولغيرهم: اقرؤوا التاريخ الدبلوماسي: صلاح الدين عشية استعاد القدس خيّر الناس: إما أن تعيشوا بيننا، ونعيش بينكم، وإما أن ترحلوا وافرين..
مثل هؤلاء الرهائن ومن يصغي إليهم في المجتمع المقابل؛ يمكن أن يكونوا القائمين على الطرف الآخر من الخندق، أو الهوة؛ للقيام بعملية التجسير التي يكون طرفاها مقاوما فقيها لطيفا، وإنسانا راغبا بأمن وسلام حقيقين صادقا عفيفا..
ألا ليت، وهل تنفع شيئا ليتُ..