في صالح الإسلاميين
محمد جلال القصاص
كثيرون يعيشون تحت أوهام أن المخالف يمتلك قوة خارقة، تعلم السر وأخفى، ثم يتبين أنهم واهمون، وأن عدوهم أوهن من بيت العنكبوت.
أمريكا لم تعد تقول وتفعل، بل تتراجع.. وتهزم.
والخليج عنده من المشاكل الداخلية (كتغير النخبة المجتمعية، وتغير ثقافة الشعوب وأنماط حياتها من البدوية للتحضر)، والإقليمية (إيران والروافض بداخل المنظومة الخليجية كالحوثيين في اليمن، وروافض البحرين، والكويت، والقطيف) ما يجعل أمر بقائه على حالته هذه مؤقتًا.
والمخالفون في الداخل المصري أشتات؛ فالقوى المسلحة (الجيش والداخلية)، لا يقودها شخصية تاريخية، أو كاريزيمة، أو ذات سنٍ و"فضل"، يصطف خلفها الجميع. بل في المشهد ما هو أشد من هذا، وهو أن المخلوع حرص على أن يقسمهم إلى أجزاء منفصلة متجوارة ومتوازنة، ولذا لن يجتمعوا، ولن يسيروا في اتجاه واحد، وخاصة أن قد ظهر منهم الغدر.
وشيء آخر: من يتدبر في المشهد يجد أن القوى الفاعلة صغيرة العدد، وهي القوات الخاصة من الجيش والشرطة تحديدًا، وتتنقل، ولا تستطيع تغطية منطقتين في وقت واحد، وهذا يعني أننا لا نواجه المؤسسة المسلحة كاملةً، ولا يستطيعون تحريكها كاملةً، ولو استطاعوا لفعلوا وحسموا أمرهم في ليلة؛ ويعني -أيضًا – أن أي ضغط خارجي على هؤلاء لن يواجه بأسًا شديدًا، ولا معركةً طويلة، بل سينقلبون على بعضهم، وينفجرون من داخلهم. وبعد غدرة السيسي ومن معه لم يعد للأمان موطن بينهم.
عامة من بالمؤسسه أمانه الشخصي -ماديًا وجسديًا- أهم من قضية الصراع، ولذا وقف محايدًا، وداعمًا بما لا يعرض أمانه المادي والجسدي للخطر. وهذا يعني أنه في الحقيقة محايد بنسبة كبيرة، وتحوله للجهة المعارضة وارد بنسبة كبيرة أيضًا.
والقوى المدنية لا تجد بينهم اثنين على قلب رجل واحد، ولا تجد بينهم محبوبًا تلتف حوله الجماهير، وأهم من هذا أنهم لا يمتلكون رؤية يحركون الأحداث بها، لا أهداف، ولا خطط؛ بل ولا مثقفون، إن المشهد العلماني المدني حالة من العهر الفكري، والدعارة الأخلاقية، وكالشحاذ على باب الحارة يتسول العسكر ورؤوس الأموال، والطبعي أن يكون هو القيادة الحقيقية .. الموجهة لهم.إنهم في وضع مقلوب: في حالة من التبعية الكاملة للعسكر ورأس المال، ولا يملكون فكرًا يشكلون به مجتمعًا.
إن أخطر ما في المرحلة –كما يبدو لي-: أن الساحة الإسلامية يعاد ترتيبها من جديد، تم نزع القيادات القديمة، ولن تجد تيك القيادات -التي شارك المخالف في صناعتها بنسبة كبيرة، تيك القيادات التي لم تصنع حدثًا، ولم تكن يومًا فاعلةً؛ بل مفعلةً- موطئ قدم بعد ذلك. الحراك الفكري والعملي يفرز قيادات جديدة، ولابد من إيجاد رؤية تقدَّم لهؤلاء في صورة بحث أكاديمي، أو مقال صحفي، أو عمل فني،(وهي أشياء متوالية، فريق بحثي يقدم بحثًا، يقتات منه الصحفيون، وأهل الفن والأدب بما في ذلك الخطابة).. منتظومة متتالية: بعضها ينتج الفكرة، وبعضها يستوعبها جيدًا ويحفر حولها حتى يستوضحها ويوضحها، وبعضها يعيد تصنيعها في قالبٍ سهلٍ بسيط يقبله العوام.
تفكيك المشهد في صالحنا لأننا نمتلك كمًا من النخب – وإن كانت غير متخصصة-، ومن الجنود، وهم لا يمتلكون، نحن في حالة بناء وهم في حالة هدم؛ وما أخافه أن تهدر الفرصة، ويعاد تشكيلنا من جديد بقوة السلاح أو بالخداع، بمساعدة من لا وعي عندهم .. من يحرصون على المصالحة لا المواجهة مع الباطل .. من يرضون بأقل مكسب وإن كان مؤقتًا، كما حصل في دورة الخمسينات من القرن الماضي.
إننا نمر بأضعف حلقة في واقعنا المعاصر دوليًا وإقليميًا ومحليًا، وإن واجب المرحلة تكوين رؤية وفرضها.قبل أن يعاد ترتيب المشهد الدولي والإقليمي والمحلي بصيغ جديدة تخرجنا من حساباتها.