العودة إلى الثوابت
د. هشام رزوق
لا شك أن الثورة في سورية تمر بمرحلة صعبة ومعقدة داخليا وخارجيا، ففي الداخل قتل ودمار وحصار واعتقال وغلاء معيشة وكتائب بأعداد لا تحصى وأمراء حرب وخلافات وصراعات على كل شيء بدءا على مناطق النفوذ "المحررة" والغنائم وانتهاء على شكل الدولة المنشودة ومضمونها، تلك الحالة التي بدأت تهدد الثورة بانحسار حاضنتها الشعبية التي دعمتها حتى الآن.
أما في الخارج، ونقصد هنا وضع المعارضة السياسية وموقف الدول منها ومن الثورة، فهناك من المشاكل ما يفوق التصور. أغلب تلك المشاكل نابع بالأساس من طبيعة المعارضة تلك ومن الظروف التي ولد فيها "المجلس الوطني" ومن بعده "الائتلاف الوطني" وكيف أن هذين الوليدين كانا وما زالا يفتقدان للرؤية السياسية الواضحة ولبرنامج عمل ثوري والأهم من ذلك فقدان الاستقلالية باتخاذ القرار السياسي نتيجة الخضوع لحسابات القوى الإقليمية والعالمية المتناقضة، إضافة إلى صراعات أطراف تلك المعارضة على المناصب والظهور الإعلامي وبيع الولاءات الفارغة.
أما فيما يتعلق بالجيش الحر وقيادة الأركان، فلقد أصبحت أسيرة الوعود الخارجية لها بالتسليح النوعي، والذي أصبح دونه شروط تعجيزية كبيرة ليس أقلها محاربة جبهة النصرة و"دولة الشام والعراق" وكل الفصائل الجهادية التي تتهمها تلك القوى بأنها إرهابية.
هل يمكن أن تنتصر الثورة في تلك الظروف؟
التاريخ يقول أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن الشعب إذا ثار وانتفض فلا شك أنه منتصر، ولكن ودون أن نستسلم للعواطف وللمقولات الجاهزة وللكلام الجميل عن الثورة والثوار والتضحيات، فإن انتصار أي ثورة يحتاج إلى مقومات أساسية وعلى رأسها معرفة العدو من الصديق، ثم العودة إلى ثوابت تلك الثورة والتمسك بها في كل الأحوال.
في هذا المجال فلا بد من التأكيد على الأمور الثابتة التالية:
1ـ أمريكا وأوربا (وأخص بريطانيا وفرنسا) قوى معادية بالأساس، فهي التي قضت على مشروع النهضة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الأن. هي التي خلقت إسرائيل في قلب الوطن العربي وأمدتها بكل أسباب القوة العسكرية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية التي تجعلها متفوقة على كل الأقطار العربية مجتمعة. أمريكا دمرت العراق جيشا وشعبا وسلمته على طبق من ذهب لإيران. أمريكا وأوربا وبعد أن حاربوا فكرة القومية العربية وأي تيار قومي وحدوي هاهم الآن يخوضون حربا شعواء على كل تيار إسلامي معتدل كان أم متطرف، فتهمة الإرهاب جاهزة دوما.
2 ـ لا يهم أمريكا وأوربا أن تتحقق الديمقراطية في أي بلد عربي، بل لا يريدونها أصلا، كل ما يهمهم هم تأمين تدفق النفط واحتلال أباره وتأمين طرق نقله إضافة لتأمين وحماية إسرائيل من خلال إضعاف كل الدول العربية وإلهائها بحروب داخلية طائفية وعرقية ومذهبية.
3ـ دول الخليج النفطية هي دول تابعة للغرب ولأمريكا بشكل خاص، وليس لها سياسة عربية مستقلة تجاه أي قضية، ابتداء من قضية فلسطين إلى الوضع السوري الحالي، وانتظار الفرج عن طريقها مجرد أوهام.
4 ـ ليس هناك بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا وأوربا من جهة أخرى أي عداء تاريخي، وليس هناك مبرر لهذا العداء والحاصل أن هناك تنافس على مراكز النفوذ وعلى اقتسام المصالح على حساب أبناء المنطقة العربية، وما قضية الخلاف على المشروع النووي الإيراني سوى تأكيد لما نقول، فالمعروف أن إسرائيل قصفت المفاعل النووي الذي كانت فرنسا قد باعته للعراق منذ الأيام الأولى لوصوله ولم تنتظر موافقة أحد ولم تفاوض لسنوات مع العراق عن طريق الغرب فكيف نفهم تلك المماطلة مع إيران؟ هناك اتفاق على ابتزاز دول الخليج ولا يوجد أي تهديد لإسرائيل، وكلنا يتذكر "إيران كيت" حين سلحت إسرائيل إيران ضد العراق.
5 ـ لا يوجد صديق للشعب السوري وثورته إلا الشعب السوري، وكل ماعداه كلام ومناورات سياسية وحروب بالوكالة، وما انتظار المساعدات العسكرية من الخارج إلا كمن ينتظر أن يوضع القيد في يديه ويقاد إلى المقصلة لأن تلك المساعدات مرهونة بخوض معارك جانبية لها أول وليس لها آخر.
إني أرى أن العودة إلى المنطلقات الأولى للثورة كثورة شعبية مدنية من أجل الحرية والكرامة، وإيجاد قيادات للثورة من الداخل والاعتماد على مساهمات السوريين الوطنيين الشرفاء في الخارج ومساعداتهم، ورفض الارتباط بأي قوة إقليمية عربية كانت أم أجنبية، ورفض الاقتتال الداخلي وتوحيد الصفوف لإيجاد تيار سياسي وطني ديمقراطي يعيد صياغة أوليات الثورة ويرسم الطريق واضحا نحو تحقيق أهدافها كفيل بإخراج سورية وثورة شعبها من الدوامة التي تدور بها.