نعم لجنيف في سياق.. لا لجنيف في فراغ..
في تقدير الموقف :
زهير سالم*
لعبة المؤتمرات تمضي لغايتها . منذ الفريق الدابي وحتى لقاء ( كيري – لافروف ) الأخير لم تنجز الدبلوماسية الدولية شيئا على الأرض السورية ؛ ولا حتى الحصول على إذن بإسعاف الجرحى أو تسهيل توزيع حليب الأطفال .
واضح في إطار التجاذبات السياسية بين روسية والولايات المتحدة أن الولايات المتحدة ليس لديها أي ثابت تدافع عنه في مستقبل السوريين . ترى الإدارة الأمريكية في الثورة السورية صداعا عارضا تريد التخلص منه بأبسط وأسرع المسكنات .
بل ربما ترى في هذه الثورة ورقة غير مكلفة يمكن أن يتم المقايضة عليها ، كما يوسف الصديق ، مع كل من روسية وملفاتها الاستراتيجية ، وإيران وملفها النووي .
يقف المجتمع الدولي مشدوها أمام تنازلات كيري المفتوحة بلا حدود أمام متطلبات لا فروف واشتراطاته ، وإعطائه الفرصة دائما للشعور بالزهو والانتصار . كما يعجز المحللون عن تفهم سر لا مبالاة الولايات المتحدة والناتو معه من تدفق البوارج والأسلحة الروسية إلى حجر بشار . يبدو أن هذه الأسلحة التي تذبح أطفال سورية لم تعد تقلق ولا تثير حفيظة أحد . كما يعجب الشعب السوري من صمت الغرب عن غزو قوات حزب الله وإيران للأرض السورية ، الأمر الذي يجعل الحديث عن القانون الدولي سخافة ، وادعاء البعض إعلان الحرب على الإرهاب خرافة ..
اليوم والمعارضة السورية مدعوة للذهاب إلى مؤتمر جنيف . عليها الذهاب بلا شروط كما يقول المنتصر لافروف . ومقابل لهجة لافروف المستفزة تنهال على المعارضة نصائح الآخرين ممن ظنتهم أو أرادتهم أنصارا ، ينصحونها بالاستجابة والمداهنة دون أن يخطر في عقل هؤلاء الناصحين الإجابة على سؤال : لماذا كانت هذه الثورة ؟ ولماذا كانت هذه الدماء ؟
من الحق على القوى السياسية السورية وهي تحاول اليوم البحث عن موقف من الدعوة ومن المؤتمر أن تحاول هي الأخرى أن تجيب على هذه السؤال وأن تعيد تقدير موقفها على هذا الأساس . لماذا كانت الثورة ؟ وإلام تسعي وما هو الطريق الأيسر ؟
لقد كانت أولويات الثورة وأهدافها واضحة في أذهان الذين فجروها من أول يوم . والأصل أن التضحيات والدماء تعزز هذه الأولويات وهذه الأهداف : ولقد كان على رأس تلك الأولويات :
- بناء سورية دولة مدنية ديمقراطية حديثة على قاعدة المجتمع المدني الموحد . وهذه الأولوية يجب أن تبقى أولوية وأن تتعزز في العقول والقلوب ولا يجوز أن تتقدم عليها اولوية .
- ولا يجوز أن تكون دماء الشهداء وآلام السوريين ورقة مزاودة بيد فريق ليلعب عليها ليدحر هدف الثورة وأولويتها الأولى. فلا أحد تهون عليه قطرة دم ، ولا دمعة طفل ، ولا آهة أم أو أب . ولكن لا يجوز أن يكون ثمن وقف هذا قبول العودة إلى بيت الطاعة أو القبول ببقاء الطاغية الجزار ..
- وكما يحتل الحرص على دماء الأحياء مكانه على سلم الأولويات فإن الوفاء لدماء الشهداء ولتضحيات المضحين يجب أن يحتل مكانته على الأجندة نفسها .
- إن حرصنا على الصالح أو على القابل للإصلاح من مؤسسات الدولة السورية لا يعني الإغضاء على الفاسد منها ، وبشكل خاص : مؤسستي الأمن والجيش ..
وعلى مستوى الدعوة الناجزة إلى مؤتمر جنيف ، وإلى البحث عن المخرج السياسي الذي يوفر على الوطن والمواطنين جميعا وكلمة جميعا في سياقها مهمة المزيد من الآلام فإن من الحق على قوى المعارضة أن تقول نعم بحقها لمؤتمر يثمر للوطن والمواطنين جميعا الخلاص . وأن نقول لا كبيرة لكوميديا سخيفة يكون لافروف وصالحي وبشار مخرجيها السيئيين ..
سنقول نعم لمؤتمر جنيف لو بني على الأسس التي حملها على أجندته يوما الفريق الدابي ثم ثنى عليها كوفي عنان والجنرال مود والتي بدونها تصبح الدعوة إلى الحوار أو إلى المفاوضات في فراغ مضيعة للوقت قوامها سفك المزيد من الدماء .
يمكن للقوى السياسية السورية أن تقول نعم للمفاوضات ليس فقط لو تحدد هدفها بإعادة بناء الدولة وإقصاء الجزار ؛ بل لو تمت الدعوة إليها في ظلال ..
- الانسحاب الفوري لقوات حسن نصر الله وإيران من الأرض السورية ..
- أن تتوقف عصابات الأسد فورا عن كل أشكال إطلاق النار .
- أن تسحب جميع الأسلحة الثقيلة إلى ثكناتها ..
- الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين .
السماح لجميع وسائل الإعلام بلا قيد الدخول لسورية كنوع من الرقابة الشفافة على الواقع ..
السماح بوصول جميع المنظمات الإغاثية الإنسانية والقيام بواجباتها على الأرض السورية دون تدخل من احد ..
إن تمهيد الأرض للمفاوضات المطلوبة بالمبادرة الفورية إلى تنفيذ هذه الطلبات سيجعل من الدعوة إلى مؤتمر جنيف دعوة إلى التأسيس لسورية الحديثة بدون مجرمين وليس دعوة للتفاوض على إطلاق سراح المعتقلين وتقنين وصول حليب الأطفال ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية