فحم وذهب
ناديا مظفر سلطان
الفارق بين الإنسان العربي ونظيره الغربي "كقيمة " ، هائل ، رغم أنه "كتابة "ليس سوى نقطة !
ومع كل فجر وليد ، يطل خبر جديد ، يعزز لدى العالم هذا الفارق ، مؤكدا مقولة الشاعر السوري نزار القباني "فسبحان الذي سواه من ذهب ومن فحم رخيص نحن سوانا"
والتفجير في ولاية بوسطن الذي راح ضحيته ثلاثة مواطنين أمريكيين ، قد شغل أجهزة الإعلام ،وأقلام الكتاب ، واستأثر بجهود الدولة والشعب ، فهرع على أثره رئيس البلاد بصحبة سيدة البلاد ، إلى مكان الحدث... ولم ينقض أسبوع واحد ، حتى كان أحد "المشتبهين " صريعا ، والآخر مثخنا بالجراح ،محاطا بأشد العناية ، كي يلفظ اعترافه ، قبل أن يلفظ أنفاسه .
وهكذا ينتهى الحدث الجلل بانحناء الرئيس تعظيما للمواطن الأمريكي الذي أثبت عن جدارة أنه فعلا قد "سويّ من ذهب "..... حكومة ساهرة ،وشعبا مستنير.
أما هناك عبر البحار، فقد دفنت سوريا حتى اليوم ما يزيد عن مائة ألف من فلذات أكبادها ، شبابا في عمر الزهور، وطفولة لم تتفتح براعمها بعد .
فهل انتماء المواطن الأمريكي إلى عنصر الذهب حظ و قدر ، أم أنه إرادة واختيار ؟
والله سبحانه في كتابه العزيز يبرم الأمر أنه " وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"
والظلم الذي أحاط بالشعب السوري من العالم بأسره ظلم عظيم ، يزهق الأنفاس ، ويفتت الأكباد ، ولكن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة ، على المرء من وقع الحسام المهند".
والمعارضة السورية لا زالت تعاني من النزاع والصراع ، والانقسام والاختلاف ... لم يوحد صفها ولم يلم شملها ، هدف واحد لا ثاني له ألا وهو "القضاء على الأسد "، وأن التنازع على السلطة أمر سابق لأوانه ،ولا يحسمه سوى صندوق الاقتراع فيما بعد.
وصفحات الفيس بوك لازالت تدلي بأدق المعلومات عن جنود الجيش الحر و عتاده ومكانه ، دون اعتبار للتوجيه النبوي أن "الحرب خدعة "، وأن "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"
أما الفئة الثالثة من ذوي القربى التي ظلمت الثورة وأهلها، فهي المتفرجون من أهل "اللا انتماء "، ممن لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة ، مهمتهم نقد الثورة دون هدف ، ومتابعة ثغراتها دون غيرة على مصلحتها ، وتقصي عيوبها دون نية خير أو صلاح .
وتبقى الفئة الرابعة من المنحبكجية ، ومن والاهم ، ولا أعتقد أنهم بعد اليوم من ذوي قربى ، بل ليس بيننا وبينهم سوى دعاء موسى عليه السلام
" فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ".
و رحمة الله التي وسعت كل شيء ، قد أمدت العباد بفرصة لاستدراك ما فات وفي سورة الرعد
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
وآليات التغيير ممكنة ، والفرصة مفتوحة لاستدراك الأخطاء . ولكن الوعد الالهي بالتغيير يشترط تغيير النفوس.
وهكذا وعوضا عن أن يكون الفرد السوري من معارضة مفككة ، وجيشا ينقصه الدهاء وتعوزه الحكمة ، ونظَارة تفتقد لعنصر الانتماء ،عوضا عن أن يكون في كل ذلك ، فحما هشا رخيصا ، يزج في محرك سفينة النظام ، ويدفع بها لتواصل المسير في بحر الدماء المراقة ، يمكن له أن يرتفع إلى منزلة الماس باتحاد جزيئاته ، وتماسك ذراته ، في ناموس إلهي قد جعل من ذرات الكربون المتلاحمة ، ماسا ثمينا بهجة للناظرين ، وسلاحا قاسيا في نحر المعتدين .
أخيرا ،و لعله مما يلفت النظر هذا التزامن بين تفجير ماراثون بوسطن ،الذي أودى بحياة ثلاث اشخاص ، وبين انفجار مصنع الاسمدة في تكساس ، الذي اودى بحياة 14 شخصا واصابة 150 ،نتيجة إهمال وتقصير القائمين عليه .
إنه تزامن يجعلنا نعيد النظر في مقولة قديمة ، "ليس كل ما يلمع ذهبا ".