المبادرون العرب ..
هل يتم حرق ورقتهم تحت عنوان الإرهاب ؟!
زهير سالم*
منذ أسابيع استنفر الشيخ يوسف القرضاوي مجاميع المسلمين في العالم لنصرة إخوانهم في سورية بالمال والنفس ..
منذ أيام كان الرئيس التونسي الحقوقي منصف المرزوقي يعلق على تشاغل المجتمع الدولي عن الوضع في سورية بقوله جاء دور الشعوب العربية ..
المعادلة الاستراتيجية على الأرض اليوم هي أن الشعب السوري يصارع منفردا بأدوات محدودة مثلث الشر : الروسي الإيراني الأسدي . ففي الوقت الذي تزج فيه كل من روسية وإيران بكل طاقاتهما في دعم النظام ، يقف الآخرون من الحدث موقف المتفرج . بل إن بعض من يدّعي صداقة الشعب السوري يذهب بهم الورع البارد مذاهبه فيتصرفون كقوى مدافعة عن الشيطان حتى وهم يستعيذون بالله منه .
يقول لك البعض من الذين تعودوا أن يجمعوا ( جوعا وكذبا ..) إن الشعب السوري غير محتاج لمساعدة بشرية على أي مستوى من المستويات . نعتقد أن هذا الكلام هو من الغرور الذي يجافي الواقع على حساب معاناة المواطنين .
يخوض لشعب السوري اليوم معركة خلاصه الوطني . وهذه المعركة هي بطبيعتها جزء من معركة خلاص الأمة ، على محور طنجة – جاكرتا ، وليس فقط من المحيط إلى الخليج . كل الذين يتحدثون عن انعكاسات سقوط النظام الدولية والإقليمية يعترفون ضمنيا بأبعاد معركة الشعب السوري الممتدة في الجيوسياسية ..
والشعب السوري يحارب أيضا على خط الدفاع الثاني للأمة العربية في وجه الغزو الصفوي الداهم ، بعد أن انتصر هذا الغزو في اجتياح خط الدفاع الأول في تدمير العراق العربي ، بتدخل مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا . العجيب أن الولايات المتحدة التي أنفقت المليارات وضحت بآلاف الأمريكيين لتسليم العراق إلى إيران ، تحت مسمى نشر الديمقراطية ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ، ترفض اليوم أن يكون لها أي دور في تحرير سورية من الاستبداد الصفوي. إن الشعب السوري الذي يدافع اليوم عن حياض الأمتين العربية والإسلامية في المعركة التي افتتحها الروس والإيرانيون على أرضه جدير عمليا بأن يجد من القوى على الساحة العربية والإسلامية المساندة التي تليق وبكافة الأساليب الممكنة ، وتحت كل العناوين التي تستنفر الطاقات وتوحد الجهود .
يتحكم في مواقف وقرارات الحكومات الرسمية منظومة من الارتباطات الدولية يجعل انتظار دور مباشر منها في نصرة الشعب السوري أمرا غير عملي .
والمجتمع الدولي الذي التزم سياسة خذلان الشعب السوري على كل المستويات حتى أنه عجز عجزا فاضحا عن إطعام الجائع ومعالجة الجريح ؛ يحاول إحكام دائرة الخذلان على هذا الشعب ، بقطع الطريق على أي محاولة شعبية عربية أو إسلامية لنصرة الشعب السوري تحت مسمى الورقة الدولية المحروقة ( الإرهاب ) . بالنسبة إلينا كسوريين نريد أن نعلن عن بشار الأسد ( الإرهابي الأول ) في هذا العالم . ونريد أن نؤكد أن الإرهابيين الحقيقيين على الأرض السورية هم عصابات بشار الأسد التي تستبيح كل شيء وتحز أعناق الأطفال بالسكاكين ، وتجز رؤوس الرجال والنساء بالسواطير .
وأمام كل المعلومات الموثقة عن انغماس الإيرانيين وتوابعهم في ذبح شعبنا وتدمير أرضنا فقد أصبح من ضرورات الموقف الاستراتيجي أن تجد هذه القوى معادلها العملي الاستراتيجي على الأرض من أبناء الأمتين العربية والإسلامية . إن من الحماقة أمام مشهد الأشلاء والدماء أن يرى أي عاقل في التحذيرات الأمريكية والأوربية لإيران والعراق من التدخل في الشأن السوري أي معنى عملي أو ينتظر منه أي مردود استراتيجي .
ولنعترف بالواقع الأليم إن عبء الثورة السورية بكل أبعادها أصبحت أكبر من طاقة حاملها الوطني السوري .
الثوار السوريون الأبطال يحاربون اليوم على جبهة دولية تتدخل فيها روسية بخبرائها وعتادها وسلاحها ..
ويحاربون على جبهة إقليمية تتدخل فيها إيران والعراق وحزب الله بالرجال وبالمال والعتاد والسلاح والخبراء ..
ويحاربون نظاما عاتيا يستبد بمقدرات الدولة السورية ويضربون أبناءها بعضهم ببعض .
ليس للمجتمع الدولي الذي أدار ظهره للشعب السوري كما نرى أن يفرض أي شروط بعد اليوم على شعب خرج يطالب بحقه في الحياة وفي الآدمية البشرية . المجتمع الدولي الذي تخلى عن توفير أبسط الحقوق التي يضمنها القانون الدولي والمواثيق الإنسانية للشعب السوري يجب عليه أن يكف عن فرض كل يوم المزيد من الشروط على الثورة السورية .
الساحة السورية اليوم بحاجة إلى المعادل الاستراتيجي لكل أشكال التدخل الروسي والإيراني وتوابعه .
الجرحى السوريون بالآلاف يحتاجون إلى استنفار الطاقات الإسلامية والعربية لعلاجهم ، وتوفير الدواء لهم ، وتنظيم الوصول إليهم في ظل تخلي المنظمات الدولية المعنية عن دورها .
المشردون السوريون – والشتاء على الأبواب – بحاجة إلى اللمسة الرحيمة من اليد العربية والإسلامية لاجئون في الخارج ، ومشردون في الداخل وآلة الحرب الروسية والإيرانية تخرب بلا وازع المزيد من بيوت الأبرياء ...
الجائعون في سورية ينتظرون الرغيف من اليد التي لا تذل ولا تمن ، ولا تراود إنسانا عن عقيدته مقابل لقمة يقتات بها . أرجو أن تصل هذه الرسالة إلى أصحابها ..
الأطفال في سورية .. النساء في سورية .. الحلقات الأضعف في المجتمع كلها تنادي على أمة القرآن ( وإذا استنفرتم فانفروا ..) (( انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً..))
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية