أي إساءة أكبر
أن يتحول مشروع الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان
إلى عصا ترويض
زهير سالم*
الإدارة الأمريكية تعبر عن خيبة أملها من سير العملية الانتخابية في مصر. والخارجية الأمريكية كذلك تعبر عن فزعها من حجم المخالفات التي رافقت هذه الانتخابات وتحدثت عنها الأنباء وتقارير المراسلين والمتابعين!! هذه المحاولة لتسجيل الموقف بالخط على الهواء ليست أقل بؤسا ممن يزرع شجرة الحنظل ثم يستنكر مرارة ثمارها.
فالذين أخذوا على عاتقهم تقديم الدعم المطلق، والغطاء الكامل لما جمّلوه بعنوان ( أنظمة الاستقرار )، في مواجهة الإرادة الشعبية في أقطار العالم العربي التي توافقوا على التخويف منها تحت عناوين ( الأصولية ) أو ( التعصب ) أو ( الإرهاب)؛ يتباكون ظاهرا على النزاهة في عملية الانتخاب!!
ومهما ارتفع صوت التنديد أو الإدانة أو التعبير عن الخيبة أو الفزع فإن جميع هذه (الولولات) لا يمكن أن تغطي على إثم الاستراتيجية الدولية المتواطئة على كسر إرادة شعوب المنطقة، وانتهاك إنسانيتها، والتغطية على التجاوزات التي ترتكب بحقها.
لا تمتلك الإدارة الأمريكية وشركاؤها الدوليون القدرة على لتكيف مع عصر الويكيليكس حيث أصبح اللعب على المكشوف. وربما ما تزال هذه الإدارة عاجزة عن تصور نخب وقوى عربية جادة لا يمكن أن تعطي الولايات المتحدة الفرصة لتربط إلى عربتها حصانين.
وإنه لا إساءة أكبر لمشروع الديمقراطية، الذي هو في جوهره مشروع احترام إرادة الإنسان، من أن يتحول إلى عصا ترويض لا تُشهر إلا عندما يريد مسئول أمريكي أو أوربي أن يهدد حاكما عربيا أو أن يبتزه ..
وإنه لا إساءة أكبر لمبادئ حقوق الإنسان ألا تذكر هذه المبادئ إلا عندما يحاول أدعياء الدفاع عنها أن يوظفوها في سياقات الضغط على الأنظمة للحصول على المزيد من التنازلات لمصلحة صهيونية أو أمريكية..
إن أبسط ما يُنتظر أن تحترم هذه الدول عقول الناس من حولها، وأن تظهر بعض الوفاء لمبادئها. وإذا كانت العناوين تنبي عن المضامين، فإن من حقهم علينا أن نقول لهم إن مشروعكم ( لكسب العقول والقلوب ) يسير في الاتجاه المعاكس. وأن نخبرهم أنهم ما زالوا، يوما بعد يوم ، في عقول أبناء أمتنا وقلوبهم يرذلون..
وكلما تقدم أبناء هذه الأمة في آفاق المعرفة أكثر كلما اكتشفوا حجم الخواء الذي ينخر هذه البنى الحضارية والسياسية الضخمة التي طالما قيل لنا أنها تُحكم بالعلم وبالحكمة وبالقرار المدروس..
حين نقرأ التقارير التي يعدها من يجلسون في المقاعد الخلفية وما تنطلق منه من موقف اتهامي، وروح متعصبة، وما تُحشى به من تزييف وتزوير وأخطاء؛ ندرك أن القوم لا يريدون للإنسانية خيرا، وأن حكوماتهم التي تصدر عن آرائهم لن تسير في طريق الرشد..
وحين يفلح مستبد بإقناعهم أنه يخدمهم بإعلان الحرب على (الأصولية) بتزوير انتخابات، أو بسجن معارضين له ( معاندين لمشروعهم )؛ ندرك أن القوم أكثر سذاجة مما كنا نظن، وأنهم الأبعد عن التفكر في العواقب، وترتيب النتائج على المقدمات..
وحين يكون التجاوز على حقوق الإنسان وكسر إرادته ومصادرة الحرف والكلمة والتضييق على العقيدة والشعيرة طريقا لاكتساب الشرعية، والحصول على المدد؛ نعلم أن العلاقات الإنسانية ما تزال حبيسة القماقم والملتويات.
حين يحاول البعض إثبات علمانية نظامه بالحك على جرب الكراهية لدى القوم، يسجن مدونة محجبة هنا، ويطارد مادة إسلامية هناك، ثم نجد منهم من يهيم في بيدائه؛ نعلم أن عليهم في نومتهم ليلا طويلا. تسألني تراهم يُخدعون؟! وأقول لك بل هم يَخدعون. غصن من شجرة الخير ( التي هي بالنسبة إليهم شجرة الشر ) يُقطع ، هو منفعة زائدة بلا ثمن..
وهذا حصاد قرن مضى يقلبونه بين أيديهم أسود مربادا لم يقنعهم بإعادة النظر فيما قدّموا وأخروا. جهلا منهم يصدقون عملاءهم أن سياسة الإغلاق والإحكام والإقصاء هي الأجدى. جهلا منهم يظنون أن النار تُطفئ بالزيت. وأن الإقصاء يمكن أن يكون جسرا للقاء. لا ضير قرن آخر والزمن طويل.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية