له ما بعده
بسام الهلسه
*هذا يوم ليس كباقي الايام. سيكون له ما بعده, وسيُحفظ في الذاكرة كأحد الايام الفارقة والفاصلة في الصراع الطويل من اجل حرية فلسطين. واليوم الذي اعنيه, هو الساعات الاولى من يوم الاثنين, الحادي والثلاثين من شهر ايارـ مايو, الذي ارتكبت فيه قوات الاحتلال الصهيوني جريمتها بحق المتضامنين مع شعب غزة المحاصر في قافلة سفن الحرية.
ليس هو أمس الذاهب إذاً, ولا اول أمس ايضا. سيكون اليوم, وغداً, وبعد غد, وما بعده.. وسيستمر الى اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين, فيحتفل شعبها ويستعيد بتقدير وإكبار ذكرى المُضحين والمُضحيات من اجلها على مَر الايام والوقائع. سواء كانوا فلسطينيين, او عرباً, او مسلمين, او اجانب.
وآنذاك,ستجمعُ رفاتهم ورفاتهن ويحاطُ بما يليق بالشهداء من تكريم. وستسجل في وثائق الشرف العالي اسماؤهم واسماؤهن, وتطلق كعناوين للاحياء والشوارع والمنشآت. وستدرس وتتلى على مسامع الاجيال الآتية مآتيهم ومآتيهن التي مهدت دروب الحرية.
وحينها, سيكون ثمة وقتٌ لذويهم ورفاقهم واصدقائهم لتذكر احلامهم وآلامهم واشيائهم الخاصة والحميمة.. وسيكون ثمة وقتٌ للحزن ـ وربما البكاءـ على فقدهم.
نقول: حينها, لانه لا وقت للحزن والبكاء الآن. فالآن هو أوان احتدام المعركة مع الغاصبين القتلة. وفي المعارك ينشغل المشاركون فيها بخوضها لكسب النصر..
* * *
لهذا اليوم ما بعده, مثلما كان له ما قبله, منذ ان وطئت اقدام الغزاة الانجليز ارض فلسطين في نهاية الحرب العالمية الاولى, ووهبوها للصهاينة لتكون "غيتو" لهم, وقاعدة للاستعمار في قلب العرب.
وما بعده بدأ مساره الآن, بالمزيد من افتضاح الكيان الصهيوني كدولة اجرامية. ليس بحق الفلسطينيين فحسب, ولا بحق العرب فقط, بل بحق الانسانية التي ترفض الظلم وتتضامن مع المظلومين.
* * *
لن يظل الفلسطينيون بعد اليوم "ملفاً" بيد مبعوث استعماري اميركي يعمل على تطويعهم لرغبات وارادة غاصبيهم, فقد عادت قضيتهم لتتصدر افئدة العالم.
ولن يظلوا اسرى محاصرين لا يكترث لهم. يستغيثون, فيطبق عليهم اعداؤهم و"اشقاؤهم" المجاورين.
رحلتهم الشجاعة والنبيلة الى الحرية لن تنكسر ما داموا صابرين.
والدم الزكي الذي سال على سفن كسر الحصار لن يتبخر, ولن تتشربه مياه البحر العجوز"المتوسط" الذي سيشهد على ما جرى ويدين المجرمين.
وبقدر ما نُحيي الامة التركية التي استعادت روحها, فاننا لا ننتظر من عربان "الاعتلال" التابعين سوى المزيد من الخذلان ما داموا يضبطون انفاسهم على مقاس ووقع الخطى الاميركية. وستحاسبهم الامة وشعوبها المقهورة التي اوغلوا في الاستهتار بها, وسيكون مصيرهم مخزياً كافعالهم.
فليستمروا في غيِهم وانحطاطهم الذي ادمنوا عليه, فالهاوية ليست بعيدة, وهي في انتظارهم بلهفة.
اما شرفاء الامة, واصحاب الضمائر الحية في العالم الذين استجابوا لنداء الكرامة الانسانية, فسيمضون في طريقهم..طريق المقاومة المصممة, المتواصلة حتى الظفر بالحرية وبالعدالة. مهما طالت هذه الطريق, ومهما تخضبت بالدماء.
فالحرية, والعدالة, لا تفتح ابوابها للايدي المرتعشة, المهزوزة, المتخاذلة, التي تمتد لمصافحة الغاصبين واستجدائهم..وانما تفتحها الايدي القوية الباسلة التي تدُقها بقوة, واصرار, وعزم.
* * *
هذا يوم له ما بعده..
هذا يومٌ وضاءٌ من ايام الحرية والعدالة.