أحاديث رمضان
( الحلقة الأولى ) : القرآن الكريم مأدبة الله عز وجل الشهية أطباقها
قد يعتبر البعض تشبيه القرآن الكريم بالمأدبة مما لا يناسب قدره العظيم ،ويعتبرون الحديث الذي ورد فيه هذا التشبيه وهو : " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم " ضعيفا في حال رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحيحا في حال وقفه على الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه.
وباعتبار تعريف التشبيه في البلاغة العربية إلحاق أمر المشبه بأمر المشبه به لوجه شبه بينهما أو بعبارة أخرى تقريب تعريف ما لا يعرف بما يعرف ، فلا بأس من تقريب ما في كتاب الله عز وجل من أفهام الناس بتشبيهه بالمأدبة التي ليس فيها ما تنقر منه النفوس ، ومن ثم ليس في تشبيه القرآن الكريم بها ما ينال من قدره العظيم ،وهو الذي وردت فيه سورة المائدة التي أنزلها الله تعالى من السماء معجزة مؤيدة لرسوله الكريم المسيح عليه السلام بعدما طلبها منه حواريوه ليأكلوا منها وتطمئن قلوبهم ، ويعلموا أن قد صدقهم فيما جاءهم به من عند ربه سبحانه وتعالى ، وكانت مأدبتهم .
ولمّا كانت المأدبة تقتضي تقديم الطعام ، وهذا الأخير يوضع في أطباق على موائد ، فإن تشبيه القرآن الكريم بالمأدبة هو تقريب ما هو معنوي مما يدرك بالعقل من الأفهام بواسطة المحسوس الذي يدرك بالذوق ، والمقصود بهذا التشبيه هو التعبير عن غنى كتاب الله عز وجل من حيث مضامينه، علما بأن الإنسان يدرك المعقول الذي لا يألفه من خلال إدراك المحسوس الذي يعرفه ويألفه .
والإنسان قد يدرك كون القرآن مأدبة أو مائدة الله عز وجل انطلاقا مما يعرفه من مآدب يقيمها هو أو يدعى إليها ، ويفهم من ذلك أن الله تعالى يقدم له في القرآن الكريم من الخيرات ما تشتهيه النفس تماما كما تشتهي ما يقدم في موائد المآدب .
وإذا كان الصائمون يعدّون موائد إفطارهم بما تشتهيه أنفسهم من أكل وشرب ، فإن الله تعالى قد أعد لهم في القرآن الكريم ما تشتهيه أرواحهم ، وعليه ليس في تشبيه كتاب الله عز وجل بالمأدبة ما يعد غير لائق بعظمة شأنه كما يعتقد البعض.
ولما كان شهر رمضان هو شهر استعراض كتاب الله عز وجل خلال صلاة التراويح ، فإن الصائمين نهاره والقائمين ليله، يصيبون من فضله وهم يستعرضون مضامينه ، وهي متنوعة تنوع أطباق المآدب ،ذلك أن فيه أخبارا ،وقصصا، وأمثالا ،أوامر، ونواه، ومواعظ ، ووعدا ،ووعيدا ،وأوصاف النعيم ،وأوصاف الجحيم ، والمغيب من الأحداث ، والمشهود منها ، ومع كل ذلك فيه ما يشتهى من معرفة الذات الإلهية المقدسة أسماء، وصفات ، وأفعال ، وما يشتهى من معرفة أوصاف أنبيائه ورسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وما يشتهى من معرفة أكرم خلقه من ملائكته الكرام ... وكل ما تصبو النفوس إلى معرفته مشتاقة .
والمسلم وهو بين يدي ربه سبحانه وتعالى يستعرض كتابه الكريم في صلاة القيام يكون بمثابة مدعو إلى مأدبته الروحية التي تتغذى روحه من أطايبها ، فإذا ما استوقفته على سبيل المثال لا الحصر أوصاف نعيم الجنة، تاقت روحه إليها واشتاقتها ، وفكر فيما تدرك به ،وما به يوصل إليها من قول وعمل ، فإنه سيبذل كل ما في وسعه من أجل الظفر بما شوقته إليه أوصاف القرآن الكريم التي تفوق كل ما قد يطير به خياله المجنح ، وهو ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
إن المستعرض أوصاف نعيم الجنة في كتاب الله عز وجل، يحس وكأنه في مأدبة دعاه إليها خالقه ، وهو يقدم له فيها ما لذ وطاب مما يشتهى من لذيذ المأكل والمشرب ،ومن فسيح المقام ورفيهه ، ووارف ظله ، وعذوبة وجريان سلسبيله ، ومن جميل الملبس و ثمين الحلي ، ومن شيق الرفقة والصحبة ، ولذيذ
العشرة ... إلى غير ذلك من باهر الأوصاف ،وهكذا يكون كتاب الله عز وجل بالنسبة له مأدبة يعده بها ويعدّها له حقيقة وليس خيالا.
وعلينا أن نستحضر هذه المأدبة الربانية في ليالي هذا الشهر الفضيل ، ونحن نستعرض الآي الواصفة لنعيم الجنة عسى أن يكون تشويق الله تعالى الوارد فيها حافزا لنا على المسارعة والمسابقة إليها كما حفزنا إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله جل في علاه : (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )) .
****************************
أحاديث رمضان : ( الحلقة الثانية ) (( يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم ))
من المعلوم أن المسلم في إقباله على مأدبة الله عز وجل في شهر الصيام إن كان متدبرا، فسيجد فيها ما يدفع حيرته المتعلقة بحقيقته الوجودية ، وهو ما يغنيه عن كل التأويلات الفلسفية الوضعية الخاصة بقصة وجوده على سطح الكوكب الأزق التي قد تجعله يعيش في حيرة من أمره إذا لم يوفقه خالقه إلى حقيقة وجوده .
وفي مأدبة الله عز وجل يجد بداية ونهاية حقيقته الوجودية حيث كان خلقه الأول من طين منفوخ فيه من روح خالقه جل جلاله، ثم انتقل من مرحلة الخلق الطينية بقدرته سبحان وتعالى إلى مرحلة الخلق من الماء المهين وقد فصل في أمرها جل شأنه تفصيلا فقال : (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين )) .
ولقد اقتضت إرادة الله تعالى أن تكون تلك النشأة جميلة حسنة لأنها من صنع أحسن الخالقين حيث جمعت بين الخلق وهو إبداع على غير مثال ووفق مقدار مقصود ، وبين تسوية وهي خلو الخلق من أي الاختلال ، وبين تعديل وهو تناسب في الخلق مصداقا لقوله تعالى في سياق الامتنان على الإنسان المغرور أو المغرر به : (( يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدّلك في أي صورة ما شاء ركبك )) .
ولقد كانت الغاية من هذه النشأة الجميلة الحسنة للإنسان أن يكون مكرمّا عند خالقه سبحانه وتعالى مصداقا لقوله تعالى : (( ولقد كرمنا بني آدم كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) ، وأول التكريم هو تلك النشأة الجميلة الحسنة للإنسان خلقا ،وتسوية، وتعديلا والتي جعلته يفضل كثيرا ممن خلق الله تعالى من المخلوقات، وهيأته ليحمل في البحر والبحر حيث يرزق من الطيبات .
وبعد هذا يجد المتدبر في مأدبة الله تعالى سر الغاية من خلقه وتكريمه، وهي أن يعبد من خلقه ،وسواه ،وعدله ،وكرمه، وفضله ،ورزقه من الطيبات مستوفيا بذلك سابغ نعمه عليه ، وهي أن يشكر تلك النعم بإقرارالعبودية للمنعم جل شأنه مصداقا لقوله عز من قائل : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )) .
ويواجه الله تعالى الإنسان المخلوق ،المكرم ،والمفضل، والمنعم عليه بالنعم السابغة ، والمتمرد على عبوديته وعبادته بقوله جل وعلا : (( يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم )) ثم يذكر له نعمة الخلق، والتسوية، والتعديل، وما يترتب عنها من نعم لا تعد ولا تحصى مصداقا لقوله تعالى : (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) .
وفي مأدبة الله تعالى يجد الإنسان حين يكفر نعمه خالقه سبحانه، وحين يغره بربه ما يغره وقد كرّمه وفضله صفات سلبية له وهي كالآتي :
ـ الضعف مصداقا لقوله تعالى : (( وخلق الإنسان ضعيفا )).
ـ الظلم والجهل مصداقا لقوله تعالى : (( إنه كان ظلوما جهولا )) .
ـ العجلة مصداقا لقوله تعالى : (( وكان الإنسان عجولا )) .
ـ اليأس والقنوط مصداقا لقوله تعالى : (( وإن مسه الشر فيؤوس قنوط )).
ـ الهلع والجزع والمنع أو البخل مصداقا لقوله تعالى : (( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا )) .
ـ التقتير مصداقا لقول تعالى : (( وكان الإنسان قتورا )) .
ـ المجادلة مصداقا لقوله تعالى : (( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا )) .
والملاحظ أن هذه الصفات السلبية جاء معظمها باستثناء المجادلة التي عبارتها هي الأخرى المبالغة على وزن " فعول " الدال على المبالغة من اسم الفاعل ، والذي يفيد أيضا الصفة المشبهة الدلالة على لزوم الوصف ، وأقبح بها من صفات منفردة ومجتمعة في الإنسان الذي خلقه، وسواه، وعدله ربه ،وكرمه، وفضله على كثير ممن خلق ، ورزقه من الطيبات ، لكنه غرّه ما غرّه بمولاه عز وجل، فتنكب شكر نعمه السابغة ، وكفرها ،وجحدها بل استعان بها على معصيته، وحق أن يقول عنه ربه سبحانه وتعالى : (( قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسّره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لمّا يقض ما أمره فلينظر الإنسان إلى طعانه إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فانبتنا فيها حبّا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا ولأنعامكم )) ، كل هذه النعم السابغة يكفرها ويجحدها الإنسان وهو ينعم بها بل يتقلب فيها كيف يشاء ، ويبذرها تبذيرا، ولا يشكرها، فما أكفره ، وما أحجده ، وما أظلمه، وما أجهله مع أنه مخلوق ضعيف جزوع، هلوع ،يؤوس قنوط ...
فهل سنقبل في شهر القرآن على مأدبة الرحمان متدبرين ما فيها كي نتخلص من الذي غرّنا بربنا الكريم أم أننا سنمضي في غفلتنا فتمر بنا الأيام المعدودة دون أن نتزوّد بما أراد لنا خالقنا من زاد ، وخير الزاد التقوى مصداقا لقوله تعالى : (( وتزودّوا فإن خير الزاد التقوى)) ، ويا خسارة من أقبلت عليه مأدبة الله عز وجل في هذه الأيام المعدودات ولم يتزود .
****************************
حديث رمضان ( الحلقة الثالثة ) (( يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))
مما يصادفه النازل في ضيافة الرحمان جل شأنه في هذا الشهر الفضيل ، والجالس إلى مائدته في لياليه ،ما يتعلق بما ينغص عليه وجوده كما بيناه في الحلقة السابقة حين تحدثنا عن طبيعة خلقه، وعن الغاية من وجوده في هذه الحياة الدنيا كما أخبره بذلك خالقه سبحانه وتعالى الخبر اليقين الذي لم تصل إلى حقيقته الفلسفات الوضعية ،والأخبار التاريخية البشرية .
وأخطر ما يواجهه الإنسان خلال مروره بتجربة الحياة فوق سطح هذا الكوكب هو مخلوق شرير كان هو السبب في هبوط أب البشرية آدم وزوجه عليهما السلام من الجنة وهي مقام خلد إلى مقام زوال في الأرض بعدما غرر بهما ، وقاسمهما على أن مخالفتهما أمر ربهما بالأكل من الشجرة الممنوعة وراءه مكاسب وهمية وكاذبة زينها لهما كما أخبر بذلك رب العزة جل جلاله بقوله : (( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين )).
والمتدبر في خبر هذا المخلوق الشرير واللعين من خلال آيات مبثوثة في مائدة الله عز وجل القرآنية ، يستحضر تهديده الخطير لوجود الإنسان في عاجل دنياه ، وفي آجل أخراه ، وبين هما علاقة جدلية إذ يتوقف أمر الثانية على الأولى بالضرورة .
وإذا كان إرادة الله تعالى هي أن يعود الإنسان إلى حيث كان قبل الهبوط إلى الأرض بعد خطيئته ، فإن الشيطان الرجيم والذي عوقب بالطرد من رحمة الله تعالى ، وبمغادرة الجنة إلى الجحيم الأبدي قد أقسم بعزة خالقه ألا يدخلها وحده إلا وقد حشر معه إليها خلق كثير من بني آدم من خلال إعادة الكرة بما فعله مع أبويهم من قبل من إغراء كاذب ، لهذا جاء التحذير الإلهي لهم بألا تنطلي عليهم حيلته مرة أخرى كما انطلت على أبويهم مصداقا لقوله تعالى : (( يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما ما سوءاتهما )) ، والتأمل فيه هذا التحذير الإلهي من فتنة الشيطان ـ والفتنة عبارة عن زيغ وميل عن الصواب ،وهي شر ما يبتلى به الإنسان في دينه ـ أن وسيلة الفتّان لعنه الله ، هي وساوسه التي يهدف من ورائها إلى الانتقام ممن كان سببا في طرده من رحمة الله عز وجل ،وخلوده في الجحيم ، وهو بسبب عداوته لبني آدم يذهب بعيدا كما فعل مع أبويهم في إهانتهم وإذلالهم حين يستجيبون لإغرائه الكاذب، فتنكشف سوءاتهم كما انكشفت سوءات أبويهم ، وانكشاف السوءة فيه ما فيه من القبح، والشناعة، والفظاعة ، وإن أقبح حال يكون عليه الإنسان حين ينزع عنه لباسه . ومعلوم أن الله تعالى قد قدم قبل هذا التحذير الحديث عما خص به الإنسان من لباس صيانة لكرامته ، فقال جل شأنه : (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون )) ، ففي هذه الآية تذكير للخلق بما أنعم به عليهم خالقهم سبحانه وتعالى من نعمة اللباس، وهو ستر للعورة المغلظة تحقيقا للتكريم الذي خصهم به تفضيلا لهم على كثير ممن خلق ، وزيادة في التكريم جعل لهم ريشا أو رياشا، وهو ما فوق الستر من زينة تليق بالتكريم . ومعلوم أن اللباس والريش مما يوافق الفطرة السوية ، ولا يستطيع أحد أن يزعم عكس ذلك، لأن العري وانكشاف السوءة معرة تأنف منها الفطرة السوية التي لا يخالفها إلا من صدق عليه ظن إبليس ، وهانت عليه كرامته ، ونتحدى من كانت له ذرة من كرامة أن يخالف هذه الفطرة ، ويمتهن كرامته .
والتأمل فيما أنزل الله تعالى من لباس على بني آدم ، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بالإنزال هو ما أودع الله تعالى في الإنسان من إلهام لستر عورته بالتماس ما يحقق له ذلك مما خلق له من ملبوسات ، يجعلنا ننتبه إلى ثلاثة أنواع من اللبوس ، ساتر للسوءة ، ومجمل للجسد ، ولباس معنوي هو لباس التقوى، وهو الأفضل ، وأفضليته أنه هو ما يحمل على التزام الإنسان اللباس المادي والريش. وهنا يجب ألا ننسى أن إبليس اللعين حين ينزع عن الإنسان لباسه ، فإنه يجرده من الأنواع الثلاثة ، وأخطر ما ينزع منها عنه لباس التقوى الذي حين ينزع عنه يكون وسيلة إلى نزع اللباس المادي والريش ، لهذا لا يُرى العراة من الناس إلا من نزع لباس تقواهم ،وهو ما يركز عليه الشيطان الرجيم لأنه لا ينزع عن الإنسان لباسه المادي وريشه إلا بعد أن ينزع عنه لباس تقواه .
وكي لا يقع الإنسان في إذلال الشيطان الرجيم له، حذر الله تعالى في مواطن كثيرة من الذكر الحكيم الإنسان من خبثه ومكره نذكر من ذلك قوله تعالى : (( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )) ويكفي أن يتوارى عدو الإنسان هو وقبيله عنه فلا يراهم ليكونوا ذلك خطرا عليه بحيث يصبح فريسة سهلة في مرمى سهامهم وأحابيلهم .
ومن تحذير الله تعالى الناس من كيد الشيطان أيضا حكاية عنه لعنه الله قوله وهو يتوعدهم بالتضليل : (( قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثم لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين )) ، وكفى بعدو متوار عن الأنظار أن يأتي الإنسان من أمامه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله أن يشتد خطره عليه . وما يراهن عليه هذا العدو هو ألا يشكر الإنسان نعم الله تعالى السابغة عليه بل يكفرها ويجحدها ، وكفرانها وجحودها هو أن يستعين بها على معصية المنعم سبحانه بالخضوع لإغراء عدوه إبليس فيما يزين له من معاص وانحرافات عن صراط ربه المستقيم .
ومن تحذيره سبحانه وتعالى أيضا من كيد الشيطان قوله تعالى : (( وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون )) ، ففي هذه الآية الكريمة تنبيه إلى استخدام إبليس وقبيله عناصر من البشر كمرتزقة عندهم يشاركونهم في استهداف بشر مثلهم، وأقبح ببني البشر أن يصير بعضهم مرتزقة عند إبليس وعملاء له يستخدمهم ضد بني جلدتهم ، وهذه أشنع عمالة وخيانة على الإطلاق يرتكبها عملاء إبليس من بني البشر ، وهو يحقق بواسطتهم ما لا يستطيع تحقيقه هو وقبيله من تضليل وإذلال الناس ، أو ليست ثقافة العري وهي خلع اللباس عن الإنسان تمرر عبر عملاء إبليس من البشر ، وهي أسهل طريقة بالنسبة لإبليس لإذلالهم وإهانتهم ؟
ومن إمعان إبليس في إذلال البشر الواقع في حبائله أنه يتنكر لهم يوم الحساب بما فيهم من كانوا عملاءه كما جاء في قوله تعالى : (( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم ، وما أنتم بمصرخيّ إن كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم )) ، هكذا يتبرأ عدو الإنسان إبليس اللعين أولا من عملائه الذين استخدمهم ،وثانيا ممن كانوا ضحاياه ، ويقيم عليهم الحجة بأنهم استجابوا له لمّا دعاهم مع أنه لم يكن له عليهم سلطان ، لهذا عليهم لوم أنفسهم عوض لومه ، وأنهم لا يغاثون جميعا وهم يصطرخون في نار جهنم مستغيثين ولا يغاثون وهم في العذاب المهين وساء مصيرا .
وأخيرا نقول إن من يقبل على مائدة الله تعالى في ليالي هذا الشهر الفضيل، وهو قائم بين يديه وقد ألهم التدبّر في كتاب الله عز وجل حري به أن يكون انتباهه إلى أخطر ما يهدد وجوده ما يتهدده به عدوه إبليس اللعين ، وأن يجعل تهديده دائما نصب عينيه في كل أحواله ، وهو يخوض غمار هذه الحياة الدنيا ، وهي امتحانه وابتلاؤه الذي يخوضه للعبور من حياة الزوال إلى حياة الخلد التي تكون النهاية فيها عبارة عن جزاء عمّا اقترفه في عاجله ، ويكون إما نعيما مقيما ، أو جحيما مقيما، والعياذ بالله منه .
وسوم: العدد 1025