وجيز التفسير 1084
وجيز التفسير:
(وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ
عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم) يونس- ٨٨
لن أذهب في تفسير الآية وهو مبسوط في موضعه، من كتب التفسير.
سأحذّر فقط من أن نظن أن اللام في قوله: ليضلوا عن سبيلك هي لام التعليل، التي يطلق عليها المفسرون "لام كي" والأمر ليس كذلك الله لم ينعم النعمة على الخلق ليطغوا، وإنما الطغيان مكان الشكر يكون عاقبة النعمة عند الطغاة والمستكبرين. وهذه اللام تسمى في لغة العرب، لام العاقبة، وقد يفعل الإنسان أمرا لأمر ،ثم تكون عاقبته أخرى؛ مثل قوله (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) فهم لم يلتقطوه لهذا السبب، ولا على هذه النية، وإنما التقطوه ليكون ولدا وقرة عين. فاعرف مثل هذا حيثما مرّ بك، فله في كتاب الله مواضع.
واستنبط قوم من الآية جواز الدعاء على الإنسان الكافر بأن لا يؤمن، لقوله (فَلَا يُؤْمِنُوا) أي واجعل عاقبتهم أنهم لا يؤمنون وهو دعاء بعكس مطلب الداعية الذي جاء يحرص على إيمان الناس ويدعو إليه ويحض عليه.…
وهذه القضية ربما لا تزال تثور بين الناس، فبعضهم يدعو الله أن لا يهدي فلانا للإسلام ولا للإيمان، وأن لا يرزقه توبة، وأن لا يشرح صدره لهدى..
ويعللون ذلك بما شاؤوا، ثم، بدعاء سيدنا نوح عليه السلام: (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ...) الآية..
وأجاز ذلك الدعاء فريقٌ من المفسرين عملا بظاهر الآية.
وقال المحققون: إن هذا الدعاء "بالحرمان من الإيمان والشد على القلب فلا يؤمن صاحبه، ولا يتذكر ولا يرجع" لا يجوز ..
وكانت لهم في تعليل ذلك أقوال منها:
أن ما دعا به سيدنا نوح وسيدنا موسى عليه السلام، هو من شرع من قبلنا، ولم يعمل به نبينا، فهو عندما عُرض عليه أن يُطبق على من آذاه الأخشبان، ودمه يسيل على عقبيه؛ لم ينقطع رجاؤه منهم، صلوا عليه وسلموا تسليما وزيدوا آله وصحبه أجمعين صلاة وتسليما..
وقال آخرون: وهذه دعوات أنبياء، صدرت عن أنبياء، جاءهم الإذن بها، تعليما، فسيدنا نوح جاءه الوحي بقوله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
فبعد هذه الإعلام، والتأكد من انقطاع الرجاء من ذلك الجيل من الكفار؛ جاز الدعاء. وعليه خرج الأمر في دعاء سيدنا موسى على آل فرعون: فدعا عليهم (فَلَا يُؤْمِنُوا)
وأرجو أن نميز بين الدعاء بقوله: (اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ)، وبين الدعاء بقوله: (وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا)..
فالأول من قبيل الدعاء على الكافرين بالهلاك، والآخر من قبيل مصادرة أصل مطلب الداعية، وهو الحرمان من الهداية، وإغلاق باب التوبة الذي فتحه الله لسائر عباده وعبيده حتى يغرغروا، وإلزامهم الاستمرار في طريق الغواية والضلال. لدواعي هي أوهى من خيوط العنكبوت. وكأن الداعي يقطع الطريق على مطلبه يأسا. وفي مثل هذا كان حِجاج العلماء.
بعث الله الرسول والنبي ومن ثم كلف الداعية، ليأخذ بحجز الناس- كل الناس- فينقذهم من النار؛ فإذا هو ينقلب عليهم بدعائه فيدفعهم ليرديهم فيها!!
ثم ميز المفسرون في مثل هذا الدعاء..
وقال سوادهم: إنه إن جاز فلا يجوز على معين، فهذا الدعاء صيغة من صيغ اللعن، فهو لا يجوز في المعينين إلا فيمن ورد فيه نص. ويجوز في عمومات أهل الشرك والكفر والظلم..
بل كان مما تفقهتُ به من كتب حجة الإسلام الإمام الغزالي عليه رحمة الله تعالى: أن اللعن في شريعة الإسلام، ليس نسكا ولا عبادة ولا قُربة، يتقرب به إلى الله تعالى. يقول حجة الإسلام رحمه الله تعالى وهذا نص عبارته "ولو أن مسلما عاش ومات ولم يلعن إبليس؛ لما سأله الله تعالى: لِمَ لَمْ تلعنه؟؟" انتهى كلام الغزالي.
وهذا خلاف مذهب الرافضة، الذين جعلوا لعن الصحابة، رضي الله عن صحابة رسول الله؛ من أساس عقائدهم وشعائرهم فيظلون يرددون "اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرجهم، والعن ظالميهم"
ويتفنون في تقليب هذه العبارة؛ كما تتابعون.
إذن اللعن عموما، والدعاء على الظالمين والطغاة عموما ليس للمسلم الداعية ملازما..
وعندما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على رعل وذكوان..
نزل عليه وحي ربه (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)
فإذا كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء، فأينا يظن أنه مالك أمرَ الناس، وأنه يفوجهم هذا إلى جنة وهذا إلى نار؟؟ ويظن نفسه مؤهلا أن يغلق في وجوههم دار السلام دعاهم الله إليها (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ..) قالوا: وحذف اسمَ المدعو فكأنه قال: الله يدعو كلَّ أحد أو كل إنسان أو كل مكلف إلى دار السلام. الله يدعوه ويأتي لكع بن لكع فيغلق الباب في وجهه.
وكل هذا ونحن نتحدث عن كافر أصلي، حسب تعريف الفقهاء. فكيف بمن كان له في الاسلام والدان وأربعة جدود!!
ومما جرى على ألسنة العامة في مجتمعنا المخلط الدعاء على بعضهم: اللهم لا تمته إلا على دين الكفر!! أو على دين اليهود والنصارى!! أو اعقد لسانه عن النطق بالشهادة..
ومما قرأت في حاشية ابن عابدين رحمه الله، أنه عدّ مثل هذا الدعاء من المكفرات، وقال بنصه "وكأنه أراد- بهذا الدعاء- أن يُكفر بالله أو أن يُعصى الله!!"
اللهم دلّ جميع خلقك عليك، واهد قلوبهم برحمتك إليك، وألحق عبدك الضعيف زهير بقوم منهم ليس يشقى بهم جليسهم.
وسوم: العدد 1084