( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوّان كفور)
حديث الجمعة :
يكثر في كتاب الله عز وجل ذكر أحوال عباده المؤمنين سواء منها ما تعلق بحياتهم الدنيا أو ما تعلق بآخرتهم . وكل أحوالهم تبعث على السرور والطمأنينة حتى في الشدة بأساء وضراء ، وهو ما يزيدهم إيمانهم بربهم قوة ، ويزيدهم ثباتا على صراطه المستقيم ، وهديه القويم ،وهم في كل الأحوال فائزون .
ومما ذكر الله تعالى من أحوال عباده المؤمنين في محكم التنزيل أنه وعدهم بالدفاع عنهم في قوله عز من قائل : (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوّان كفور )) ، وواضح من سياق هذه الآية الكريمة أن دفاع الله عز وجل عن عباده المؤمنين هو من جزاء الدنيا ،لأن دفاعه سبحانه وتعالى هو دفاع في الحياة الدنيا التي هي دار سعي ،وعمل، وصدام ،وصراع ، وتدافع مع الكافرين ، وهو بمثابة بشارة لهم تبشرهم بمعية الله تعالى في دنياهم، وبنعيم الآخرة الدائم .
ولا شك أن الله تعالى إنما أراد طمأنة عباده المؤمنين الذي قد يتساءلون في أنفسهم عن مصيرهم في الدنيا ، وهم يواجهون أعداءهم الكافرين ، و ويسألون هل يُنتصر لهم فيها وهم يستبطئون النصرإذا ما طال انتظارهم له حين يتأخرعنهم ، لهذا جاء وعده سبحانه وتعالى بالدفاع عنهم وبنصرهم على أعدائهم بعثا للأمل في نفوسهم ، وهو الذي لا يخلف الوعد.
والدفاع الذي وعد به الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة هو نصرهم على أعدائهم الكافرين ،وقد جاء مسبوقا بحرف توكيد " إنّ" ، وفي كتب التفسير أن صيغة لفظة " يدافع " تدل على قوة دفع أو صدّ الكافرين عنهم ، وقد ورد مثله في قوله تعالى : (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )) .
وهذا الدفاع أوهذا النصر الذي وعد به الله تعالى عباده المؤمنين هو جزاء دنيوي لهم على صدق إيمانهم حتى لا يقتصر فهمهم على ما يوعدون به في الآخرة فقط . ولقد أخبر الله تعالى عن رسله صلواته وسلامه عليهم أجمعين أنه كان دائما يدافع عنهم وينصرهم بعد شدة ، وهم قلة أو ذلة ، كما جعل دفاعه عن عباده المؤمنين وعدا ناجزا إلى قيام الساعة .
ولقد جاء مباشرة بعد ذكر وعد الله تعالى المؤكد بالدفاع عن عباده المؤمنين وعيد مؤكد أيضا للكافرين في قوله تعالى " (( إن الله لا يحب كل خوان كفور )) ، وقد وصف الكافرين بشدة الخيانة كما تدل على ذلك لفظة " خوّان" ، وبشدة الكفر كما تدل على ذلك لفظة " كفور " ، لأنهم خانوا عهد الله تعالى يوم خلقهم بأن يوحّده دون كفر أو شرك كما جاء في قوله تعالى : (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )) .
وليس من قبيل الصدفة أن جاء وعيد الكافرين بعد وعد المؤمنين بل الذي اقتضى ذلك هو دفاع الله تعالى عن المؤمنين الذين يحبهم ، وهو دفع للكافرين ودحر لهم ،لأنه يمقتهم. وخيانة الكافرين لا تقتصر على خيانة عهد الله تعالى فحسب بل هم يخونون عهود الخلق أيضا خصوصا المؤمنين بمحاربتهم والعدوان عليهم بسبب إيمانهم .
وقد يتعدد ويتنوع دفاع الله تعالى عن عباده المؤمنين ، ويأخذ أشكالا وأساليب شتى حسب الظروف حتى أنه قد يجعل سبحانه وتعالى أحيانا العدو وليا حميما مصداقا لقوله عز من قائل مخاطبا نبيه عليه الصلاة والسلام ، ومن خلاله يخاطب كل المؤمنين في كل عصر ومصر حتى تقوم الساعة : (( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم )) ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلاقاها إلا ذو حظ عظيم )) هكذا كما دل الاسم الموصول الذي جاء بصيغة الجمع .
مناسبة حديث هذه الجمعة اقتضاه حال إخواننا المستضعفين في فلسطين ، وتحديدا في قطاع غزة ، وقد اشتد العدوان والحصارعليهم ، واستحر القتل فيهم ،وازداد وضعهم سوءا بتجويعهم ، وهو ما يجعل كثيرا من المؤمنين يستبطئون دفاع الله عنهم ، وقد طالهم ظلم اليهود ،وربما تسرب اليأس إلى نفوس بعضهم ، لهذا وجب التذكير بوعد الله الناجز، وهو دفاعه عن عباده المؤمنين ، وكذا التنبيه إلى أنه لا يجب أن يتسرب إلى نفوس المؤمنين شك في حصول الدفاع منه سبحانه وتعالى مهما طال الوقت، واشتد الخطب والبلاء ،لأن الله تعالى إنما يمحص بذلك إيمان من يبتليهم مصداقا لقوله تعالى : (( ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم )) .
ولقد كثر في المسلمين اليوم من استبطأ دفاع الله عز وجل عن المرابطين في أرض الإسراء والمعراج إلى درجة يراودهم فيها الشك في وعده الناجز سبحانه وتعالى ، وذلك لرقة دينهم ،إلا أن من صح إيمانهم وثبتوا عليه ، فإنهم مستيقنون من حصول هذا الدفاع لا محالة ، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه عموم المسلمين خصوصا وأن فيهم من يخذلون عن نصرة المؤمنين ، ويشيعون الفشل واليأس في النفوس من حصول دفاع الله عز وجل ، ويبغونهم الفتنة وهم يحسبون على الإسلام مع شديد الأسى والأسف .
اللهم إنا نسألك أن تعجل لإخواننا في غزة وعموم فلسطين بوعد الناجز ، واجعل دفاعك عنهم يا رب العالمين نصرا مبينا لهم على أعدائهم يفرحون به ، ويفرح به عموم المؤمنين في كل مكان . اللهم عليك بالصهاينة المجرمين أعدائك أعداء الدين ، فإنهم لا يعجزونك ، وعليك اللهم بمن يوالونهم و يؤيدهم من الكافرين والخائنين من المنافقين .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1085