طبيب الأجساد والأرواح
عبد الرحمن الحياني
أجل يا رمضان .. أنت طبيب الأجساد والأرواح والنفوس ، أنت طبيب الأجساد .. فيك تتخلص الأجساد من السموم التي تناوشتها طيلة أيام العام ، وآن لها أن تتخلص منها .
وفيك تتخلص الأجساد من الأمراض التي كان السبب الرئيس فيها إدخال الطعام على الطعام وآن لها تستريح من آثار التخمة .
وفيك تتخلص الأجساد من الأمراض التي كان السبب الرئيس فيها الجوع والحرمان ، فتأخذ ما حرمت منه من طعام طيلة أيام العام ، فتغدو منعمة في هذا الشهر الفضيل بما جاد به المحسنون عن طيب نفس ورضى .
وفيك تنتظم شؤون الجهاز الهضمي .. فيأخذ قسطاً من الراحة ، بعد أن دأب وجدَّ واجتهد في خدمة الجسم ، وآن له أن يرتاح من عناء العمل الدائب ، والجهد المتواصل ، وينعم بشيء من الراحة والسكينة ، وآن للمعدة أن ترمم نفسها .
أجل يا رمضان أنت طبيب الأرواح .. ففيك تسمو الأرواح بعد أن تحررت من ربقة الشهوة إلى الطعام والشراب والجسد ، فسمت إلى عليين , لتصافح الملائكة المقربين ، وتسلك مسلكها في العبادة والطاعة لله سبحانه وتعالى ، متعالية على جبلتها الطينية لبعض الوقت ، مستشعرة حلاوة الصبر والطاعة ، ولا عجب بعد ذلك من أن تراها تعكف على تلاوة القرآن وذكر الرحمن في كل وقت وآن من آناء ليلك أو نهارك .
وفيك تسمو النفوس عما جبلت عليه من الشح المقيت ، والبخل الذميم ، فتغدو كريمة خيرة، تبذل مما أفاء الله عليها ، فتتذكر ـ في مدرسة الجوع ـ البطون التي خوت طيلة أيام العام، وتتذكر تلك النفوس التي ربما حقدت على من نسيها طيلة أيام العام بسبب ذلك الحرمان والجوع
أجل يا رمضان .. أنت مدرسة وأي مدرسة ! أنت مدرسة تهذب الطبائع والأخلاق وتسمو بالنفوس والأرواح ، وتعيد ترتيب العلاقات بين أفراد المجتمع ، ليكونوا عناصر فاعلة يؤثرون ويتأثرون بكل إيجابية ، بعيداً عن أوزار السلبية التي تكتنفهم فتشهدهم إلى الوراء وتمنعهم من البذل والعطاء ، والتواصل البناء .
أجل يا رمضان .. أنت معلم التقوى .. ولا عجب بعد ذلك من أن ندرك الحكمة من أن تكون مفروضاً على أمة محمد- r - والأمم الموحدة السابقة :
} يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون{ ..
فيا سعادة من فهم الدرس ، ووعى المهمة ، ولا غرابة كذلك من أن تكون أجور العبادات الأخرى الحسنة بعشرة أمثالها إلا أنت يا رمضان ، فالأجر فيك مختلف لأنه موكول إلى رب العزة تبارك وتعالى :
] كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به [
فأنعم بجزاء يكون الله سبحانه وتعالى وليه .
ولا عجب بعد ذلك من أن تكون عقبى الصائمين القائمين فيك عتق من النيران بعد المرور بمرحلتي الرحمة والمغفرة ..
فهنيئاً لنا بك يا رمضان .. هنيئاً للصائمين القائمين ..هنيئاً للطائعين لرب العالمين ،
هنيئاً لمن صام يومك وقام ليلك إيماناً واحتساباً ، وابتغى من الله الأجر والثواب .