تاريخ التهنئة

أدركنا العيد والزيارات تملأ البيوت بهجة، والقلوب سرورا، والموائد تمد، والأحاديث الودية تمتد إلى منتصف الليل...

ثم تفرقت بنا الدروب وأصبحت التهاني بالعيد عبر الرسائل البريدية، وقد تتأخر ولا تصل إلا بعد انقضاء العيد واقتراب العيد الآخر...

ثم لجأ الناس إلى الاتصالات الهاتفية، ولكن مع تفرق الأقارب والأصدقاء بات ذلك مكلفا جدا...

وقد يلجأ بعض الناس إلى برامج البث الباشر ليوصلوا صوتهم إلى من يحبون عبر الحدود والبحار...

ثم تطورت الأجهزة فلجأ الكثيرون إلى الرسائل الهاتفية، يكتبون من خلالها إلى أهلهم وأصدقائهم...

وهناك من يرسل التهاني عبر الإيميل إلى كل من لديه إيميل له دفعة واحدة...

ثم تطورت الأمور وجاء الوتس اب فأصبح الوسيلة المفضلة، والطريق الأسهل للمعايدة...

وكان المعايدون يكتبون رسائل متنوعة حسب درجة القرابة أو الصحبة والمعرفة...

ثم صاروا يكتبون صيغة واحدة إلى كل الأسماء المسجلة لديم من أهل ومعارف...

وقد يضيق وقتهم وخلقهم عن إنشاء رسالة فيأخذون نصا وصل إليهم ويعيدون إرساله وكفى الله المؤمنين القتال...

وقد يكون في هذا النص اسم المرسل الأول...ولا بأس فهذا خطأ مطبعي...

والأمور محمولة على مقاصدها...

ثم تطورت الأمور فصرنا نلجأ إلى صورة أو لوحة جاهزة ونعمم إرسالها...

وإذا وجدنا دافعا فقد نتصل عبر الفايبر وإن كان الخط رديئا...

وقد نكتفي بظهور اسمنا عند المتصل به للدلالة على أننا قمنا بالواجب...

ماذا بقي لنا من العيد يا ترى؟

وأي طعم لرسائل موحدة ترسل إلى المئات؟

في هذا العيد عزمت أن أسجل أسماء من خصني برسالة باسمي، أو اتصل اتصالا قاصدا...

ولن أخبركم بالنتيجة 

ربما دفعا للحسد أو الغبطة...

وربما دفعا للخجل...

وربما تسترا على العلاقات بين المسلمين...

وربما وربما وربما...

ولن أخبركم بجدول العيد

ولا بمن زرت أو زارني...

ولن أخبركم أننا صرنا نقنع أنفسنا بوصول رسالة أو صورة فذلك خير من لا شيء...

انقضى اليوم الأول وما زالت عيني على الهاتف...لعل فلانا ممن ربطت بيننا ذات يوم رابطة من علم أو تعليم أو عمل أو جوار..لعله يتصل أو يرسل صورة معايدة أو دعاء...

ولم يكن شيء من ذلك فقلت: ما زال في الوقت متسع وللعيد (بقية)...

ولكن يبدو أن هذه البقية لن تأتي...

وأن (صلة) ذلك الحديث انقطع بها الطريق في دروب الحياة الصعبة التي نحياها في غربتنا، أو اغترابنا، أو تغربنا....

ويا عيد كل عام وأنت بخير

وحسبك منا هذه الكلمات كل عام...

وإن غضبت فيمكنك ألا تأتي...

لأن إتيانك وعدمه أصبح لدى الكثرين سواء...

بل ربما كان مجيئك موقدا للأحزان، ومهيجا للآلام...

ولكن ما بالنا نلوم العيد ونحن العادون؟

نأسف يا عيد

وكل سنة وأنت طيب...

وسوم: العدد 675