الرئيسة مريم رجوي، امرأة ليست كباقي النساء
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في سورة القصص/ 51((وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))
من مميزات القائد الناجح ان يتأثر بمشاعر مواطنية فرحا او ترحا، وأن يتأثر مواطنوه به فرحا او ترحا، هي علاقة يمكن وصفها بالطردية، وهذه العلاقة عندما ترتقي الى مستوى المواطنة ستكون قمة في التعبير والعطاء، وتنتقل على أثرِها المشاعر من التأثير والتأثر الفردي الى قاسم مشترك بين الطرفين، ولحمة لا يمكن فكها مهما كانت شدة نار العدو، وستفشل مخطاطاته الخبيثة حتما. لكن هذه العلاقة الحميمة لا تتوفر عند جميع القادة، بل يمكن الجزم أن معظمهم يفتقرون اليها. مَن مِن القادة في العالم اليوم يحزن الشعب بحزنه، ويفرح بفرحه؟ ومَن منهم عندما تتلألأ دموعه على وجناته عندما يستذكر شهداء العقيدة في ساحة الوغى، تدفق دموع شعبه كسيول الثلج عندما تمسها حرارة الشمس؟
ومِن منهم يعترف بصراحة إن أي رجل أو امرأة في قافلة الشهداء قدما أكثر مما قدمه هو، بغض النظر عن مقدار وحجم تضحياته؟ الحقيقة هي: مهما قدم الحي من تضحيات لا يمكن مقارنته بمن نذر نفسه وقدمها طوعا في محراب الشهادة، الشهداء أولا، ويتبعهم الأحياء في معيار المواطنة الصميمية والعطاء الأكبر. ومَن مِن القادة عندما يبتسم تتفتح الأزهار ويفوح عبيرها، وتبتسم الشمس لإبتسامة شعبه؟ ومَن منهم عندما يقول (آه) يتردد صدى شعبه (يا ويلتاه) ويصل هدير صوته الى أعنان السماء؟
تقرب أو شارك في المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية في باريس بقيادة الرئيسة مريم رجوي وستلمس بنفسك هذه الحقيقة، ستعرف حقيقة النضال، وستتعرف على نساء ورجال يتطأطأ الرأس، وتحمر الوجوه خجلا من قوة صمودهم وكبر تضحياتهم، وقوة إرادتهم التي يفر من أمامهم الأعداء والضعفاء والمتربصون بهم، مجاهدون نذروا أنفسهم للكفاح وتحرير الشعب الإيراني من براثن النظام الدموي الذي أعاد الشعب الإيراني الى العصور البدائية، ومارس نهج الغاب في سياسته الداخلية والخارجية، وقدم للعالم من فنون القمع والطغيان أساليب يحسدها عليها أشهر السفاحون والطغاة في التأريخ.
في السابق عندما كنا نستشهد بالأنظمة الدموية والتفنن في أساليب التعذيب والقمع والإعتقال القسري والظلم بأشد أنواعه، يخطر على بالنا فورا سجن الباستيل، الآن يبدو هذا السجن متواضعا جدا عندما نتذكر سجن إيفين في ايران، وما إيفين نفسه إلا نموذجا متواضعا أيضا أمام المئات من السجون السرية للحرس الثوري الإيراني في محافظات ايران كلها، سجون دخول فقط، لأنه لا منفذ للخروج منها حيا مطلقا، وقام النظام الإبليسي بإعمام ظاهرة السجون السرية بإعتبارها نموذجا متقدما لما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية الى العراق وسوريا ودولتي حسن نصر الله والحوثي عبر عملائهم السفلة، وفضائح هذه السجون أمست مكشوفة للعيان بعد أن أزالت المنظمة الدولية الستار الحديدي عنها، فبانت صورة النظام المسخ الذي يتشدق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان لمنظمة مجاهدي خلق دورا فاعلا في إزالة ورقة التوت الأخيرة عن عورة النظام، وكان لها دور أكبر في مقارعة النظام عبر الوسائل السلمية المتبعة في العالم المتحضر.
في كل مؤتمر سنوي للمقاومة الإيرانية تكشف الرئيسة رجوي حقائق خطيرة عن دموية نظام الملالي، وتبشر العالم بأن النظام ينزلق الى الهاوية السحيقة تدريجيا، وفعلا أخذت هذه البشرى طريقها في الشروق، في الوقت الذي يأخذ نظام الملالي طريقه في الغروب، وما التظاهرات التي عمت جميع المحافظات الإيرانية ضد النظام إلا من دلائل هذه البشرى، ولا يمكن عزل دور المنظمة عن هذه التظاهرات، فمن يحاول أن يجعلها عفوية، إنما هو ينظر الى حذائه ولا ينظر إلى أمامه، عندما إندلعت شرارة التظاهرات في ايران أشارت السيدة رجوي بأن هذه الشراراة ستتحول قريبا الى لهيب حارق في عموم إيران، وفعلا خلال أيام قلائل إشتعلت كافة المحافظات الإيرانية بنيران الغضب والسخظ ضد النظام الإجرامي الحاكم، مما يعني أن لخطاب السيدة رجوي صدى كبيرا داخل إيران، ولا يقتصر هذا الأثر على الخارج كما يدعي الإعلاميون والكتاب المأجورون ممن يتقاضون رواتبا من ولاية الفقيه.
من له إطلاع على العلاقات الدولية سيجد أن علاقات السيدة رجوي الدولية هي أكثر وأقوى من علاقات روحاني وظريف مع العالم الخارجي، وأن العالم الذي أغلق أذانه عن سماع ترهات ولاية الفقيه وإسطوانته المشروخة، فتح إذنيه صاغيا لسماع خطابات السيدة رجوي، والأمر واضح وبسيط لمن يتابع المشهد السياسي في إيران، فأكاذيب النظام بشأن محاربة الإرهاب، وإشاعة الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان ودعم الحريات الأساسية، ورفاهية الشعب الإيراني، وإحترام سيادة الدول لم تعد تنطلي على العالم، هي خُدع والاعيب صبيانية لا تُعصى معرفتها وكشفها من قبل الجهلاء وليس الأذكياء فحسب، فقد حول نظام الملالي إيران من جنة الله في الأرض، الى جهنم لا تميز بين مواطن وآخر، جميعهم حطبا لإستمرارها.
منذ تسلم المقبور الخميني الحكم في ايران قادما من فرنسا (وهي من عواصم الإستكبار العالمي حسب توصيفات النظام) لم تعرف المنطقة الأمن والسلام والإستقرار، ولن نشهد الإستقرار بوجود هذا النظام الدموي، الذي زرع الفتنة الطائفية داخل إيران وخارجها مبتدئا بدول الجوار ومن ثم مدٌ ونشر حقده وشروره على معظم دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، عبر سفاراته المسمومة، وهي أوكار لثعابين الحرس الثوري، وعبر عملائه السفلة في تلك الدول، ومن خلال شراء الذمم، والتلحف بلحاف التشيع، وهو منه براء.
عاش العالم تجارب نظام الحكم في إيران فوجد ان المحافظين والإصلاحين أشبه بالتوأم، كلاهما فشل فشلا ذريعا في إدارة الدولة، فشلا معا في تحسين العلاقات مع العالم الخارجي، وفشلا في تبني علاقات جيدة مع دول الجوار، وفشلا في رفع مستوى الرفاه والتنمية للشعب الإيراني، وفشلا في إشاعة وإحترام الحريات الأساسية وتعزيز حقوق الإنسان، حلقات متواصلة لمسلسل الفشل من الخميني الى الخامنئي، أما سبب هذا التوافق السلبي ما بين المحافظين والإصلاحيين فيرجع سببه الى أن المرشد الأعلى هو الذي يفرض سياساته على رؤساء الحكومة بغض النظر عن توجههم كمحافظين أو كإصلاحيين، وهذه الصلاحية الإستبدادية المقيتة منحها الدستور الإيراني للولي الفقيه.
لكن ما الذي قدمه نظام الملالي للشعب الإيراني؟
وما الذي قدمه هذا النظام للعالم الخارجي؟
بلا أدنى شك لا يوجد نظام بدون إنجازات يقدمها لشعبه، لذا من أهم إنجازات النظام، تفاقم ظاهرة البطالة سيما بين خريجي الجامعات، التدهور في قطاعي الزراعة والصناعة، الحصار الإقتصادي الذي يدفع ثمنه الشعب فقط، التضخم الإقتصادي الذي يثقل على صدور الإيرانيين، إنتشار الجهل والأمية، ارتفاع نسبة البغاء السري والعلني (المتعة)، إنتشار المخدرات بشكل غير مسبوق وإرتفاع عدد المدمنين سيما بين الشباب، هجرة الملايين من الإيرانيين كلاجئين في دول العالم، إرتفاع خط الفقر الى مستوى متدنِ جدا، تدهور الأوضاع الصحية والخدمية، تقلص السياحة لداخل ايران، التفكك الأسري وتفسخ العلاقات الإجتماعية بسبب الفقر والمخدرات والبطالة، إنتشار الفساد والرشاوي في الدوائر الحكومية، ملأ السجون بالمعتقلين، كتم الأفواه عموما، وختق أصوات الصحفيين خصوصا، حرمان الشعب من الأطلاع على ما يجري في العالم بمنع الأنترنيت والستلايت، مراقبة خطوط الهاتف للإيرانيين عموما، سفك دماء الإيرانيين خارج وطنهم بحجة الدفاع عن القبور، تبديد ثروة البلاد بدعم الميليشيات من صنيعة النظام في العراق وسوريا ولبنان واليمن، علاوة على تمويل الخلايا النائمة في دول الخليج وافريقيا، وأخيرا شكوى الشعب سيما في منطقة الأحواز من قلة مياه الشرب، إن الحكومة التي تعجز عن توفير ماء الشرب لمواطنيها من العار عليها أن تتحدث عن التسلح النووي.
أما إنجازات النظام على الصعيد العالمي، فأهمها، إشتداد الحصار الإقتصادي على النظام، سيما بعد العقوبات الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي على النظام. تعثر الملف النووي بإنسحاب امريكا من الإتفاق النووي، وضياع مئات المليارات من الدولارات التي صرفها النظام على التسليح النووي. هروب الإستثمارات الأجنبية من داخل إيران ومنها شركات عملاقة كبيرة مثل (جنرال الكتريك) و(شيل النفطية)، وإنسحاب الدول الأوربية من الإتفاقيات المبرمة مع الحكومة الإيرانية مثل إتفاقها بشأن اسطول من الطائرات المدنية. الإنهيار الإقتصادي وتدهور العملة المحلية مما ساهم في إرتفاع الأسعار. فقدان هيبة الدولة وعدم احترام جواز السفر الإيراني، والتحسب من الإيرانيين عندما يسافرون الى دول العالم لأنهم موضع شك، علاوة على الحظر القادم الذي سيفرضه الرئيس الأمريكي على الأمريكان والأوربيين من السفر الى إيران. تشويه صورة إيران في الخارج بإعتبارها محورا للشر، ونظام يرعى الإرهاب الدولي، ويهدد الأمن والإستقرار في المنطقة والعالم. إساءة العلاقات مع دول الجوار والتدخل في شؤونها الداخلية، والتصريحات التي تنال من سيادة وكرامة هذه الدول كالتهديدات المتكررة بإحتلال البحرين والسعودية والسيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن، تهديد السلم والأمن الدوليين وعدم إحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. التمسك بتصدير ما يسمى بالثورة الإيرانية لدول العالم بما يتعارض وسيادة الدول والقانون الدولي. وتصدرها قائمة الدول الفاسدة، تشويه صورة الإسلام عند الغرب بإشاعة التطرف والتخلف مما أدى الى كراهيته ومحاربته، وتحول سفارات النظام الى مراكز للتجسس وأوكار للإرهاب، وأخيرا تحول إيران الى دولة منبوذة من قبل المجتمع الدولي.
لذا كانت الشعارات التي طرحها المتظاهرون تتناغم تماما مع معاناتهم اليومية من سياسات النظام داخليا وخارجيا، ففي الوقت الذي يحرم النظام الشعب من ثرواته الهائلة، فإنه يبددها بسخاءعلى ميليشياته في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخلايا النائمة هنا وهناك. لذا كان تصريح السيدة رجوي بإستمرار الإنتفاضة واقعا ملموسا، في الوقت الذي كان النظام القمعي وأقزامه يروجون بإنتهاء العاصفة الشعبية، وإن الشعب الإيراني يصطف مع الحكومة، مجرد هراء يردده أبواق النظام.
النقاط الإثنى عشر التي أثارتها الرئيسة رجوي في المؤتمرات السابقة هي الحل الوحيد والناجع لمشكلة الشعب الإيراني، فزوال هذا النظام الوحشي هي أول خطوة في الإتجاه الصحيح ليس لصالح الشعب الإيراني فحسب، وإنما لشعوب المنطقة التي إنكوت بنار هذا النظام البغيض، ومن ثم العالم بأسره. إن السلام والأمن رهين إفول ولاية الفقيه، وما طرحته السيدة رجوي في مؤتمر المعارضة هذا العام 2018 يمثل رؤية متكاملة في كيفية التعامل مع نظام الملالي وإنهائه، وتحرير إيران من قبضة الولي الفقيه والإنفتاح على العالم الخارجي، وإزالة نفايات هذا النظام في الداخل والخارج.
إن جميع الأنظار متوجهة إلى إيران جديدة، جديدة بكل ما في هذه الكلمة من تعابير إيجابية، إيران الحب والسلام والتآخي، ايران الرفاه والرخاء، ايران الحريات وحقوق الإنسان، إيران الشعب وليس الولي الفقيه. ومشروع الرئيسة رجوي هو المشروع الأمثل لبناء ايران جديدة، سيما ان السيدة رجوي فتحت يديها مرحبة بكل أحزاب المعارضة الإيرانية للإنضواء تحت خيمة مقارعة النظام الحاكم وإنهائه، وكل الدلائل تؤكد ان السيدة رجوي على حق، وهي البديل الوحيد لنظام الملالي. إيران تقودها السيدة رجوي تحظى بمقبولية الجميع داخل إيران وخارجها. بل يمكن القول بصراحة ان الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوربية أخذت تتبنى رؤى السيدة رجوي وتنفذها حول الشأن الإيراني، بغية شد الخناق على ولاية الفقيه وإنهائه، ومن المتوقع ان يضع الرئيس ترامب الحرس الثوري الإيراني وملحقاته في دول الجوار على قائمة الإرهاب الدولي، ويجمد أرصدته في الخارج، وهذا ما كانت تؤكد عليه الرئيسة رجوي، والقادم من الأيام سنشهد المزيد من العقوبات الدولية التي تتناغم مع طروحات الرئيسة رجوي.
وسوم: العدد 779