يوميات السيول السوداء (2)
أضحى معظم الشعب الأهوازي يعلم أن السيول التي اجتاحت القرى وباتت تهدد المدن ليس سببها الأمطار، وإنما السدود التي أنشئت على الأنهر.
السدود التي حجزت الماء عن الناس أعواما فامتلأت ... ففاضت.
يقول ساكنو القرى التي غمرتها السيول إن رائحة مياه السیول نتنة؛ وهذا يدل على أنها كانت راكدة لفترة طويلة وراء السدود!
اليوم أمست الحكومة تجول في الشوارع وتحذر الناس من خطر السيول والغرق، وتدعوهم إلى ترك منازلهم.
اجتاحت السيول لحد الآن أكثر من 400 قرية كما قال النشطاء، وهجرت أكثر من 400 ألف شخص ... والعدد مرشح للازدياد، هذا ما يؤكده رجال الحكومة وهم يشيرون إلى أن السيول لن تنتهي خلال شهر أو شهرين، هناك مليارات الأمتار المكعبة مخزنة خلف السدود!
أمس أعلنت الحكومة أن السيول ستجتاح الخفاجية، و دعت الناس بإخلاء المدينة!
تسكن مدينة الخفاجية آلاف العوائل، فإن نزحوا إلى أين يتجهون؟! ... وكيف يتركون بيوتهم؟! وعند من يودعون أثاث بيوتهم؟!
ولذا فإن الناس ترفض أن تترك بيوتها رغم أنها ترى المياه على أبواب المدينة!
وقد تجمع الناس في القرى والمدن المهددة بالغرق وهم يضعون التراب في الأكياس ليمنعوا تدفق المياه إلى قريتهم أو إلى بلدهم، وقد رأيت مقاطع الأفلام التي يبثها الناشطون من هناك؛ أطفال ونساء وشيوخ يعبئون التراب بالمساحي، طفل لا يستطيع أن يرفع المسحاة، لكنه حين يرى أمه تمسك الكيس، يأخذه العزم ويزيد من سرعة مسحاته، صوت زغاريد النساء العجائز وهنّ يشجعن الشباب وينشدن الأشعار الحماسية، يدفع الشاب أن يملأ الكيس في ثوان معدودة.
تتحزم المرأة بعباءتها وتمسك المسحاة وتعبئ الكيس بمساعدة طفلها ذي السادسة من عمره، الشيوخ يعملون أيضا وينشدون الأشعار الحماسية وهم يرددون بتحد:
(نموت ولا نترك أراضينا).
وقد رأيت ذوي الاحتياجات الخاصة وهم يدبون على أياديهم ويساعدون الناس في ملء الأكياس الترابية!
كل هذا يحصل في غياب المؤسسات الحكومية، وقد تحضر البلدية في قرى معينة وبآليات محدودة جدا.
وقد يطغى الماء تارة ويكسر الساتر وتتدفق المياه نحو البيوت، وعندها يرسل الشباب رسائل غوث ونخوة لأخوتهم في المناطق الأخرى، فيهب رجال القرى المجاورة أو المدن القريبة يتكاتفون فيمنعون المياه من الوصول إلى البيوت.
وهناك من طوى أكثر من 100 كيلو متر ليقف مرابطا مع أخوته الذين يحرسون السواتر ليلا وينامون فوقها.
وقد رأيت رسائل غير قليلة تحث الشباب للحضور وتنخاهم:
(ها أخوتي ها... طارت روفة قرية الجليزي).
(ها الأبطال ها ... وصل السيل إلى بيوت حي العين).
وسوم: العدد 821