لا يمكن أن يتحمل الإسلام مسؤولية من خرجوا باسمه تحديا للحجر
لا يمكن أن يتحمل الإسلام مسؤولية من خرجوا باسمه تحديا للحجر لمنع انتشار جائحة كورونا ، ولا يمثلون إلا أنفسهم وليسوا أوصياء على الشعب المغربي
لقد صدم الرأي العام الوطني بعد تداول فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي نقلت خروج جموع حاشدة بذريعة الضراعة والتوجه إلى الله عز وجل لرفع البلاء الذي حل بالناس بسبب جائحة كورونا ،علما بأن أهل العلم والدراية بالدين في المجلس العلمي الأعلى قد استفتاهم ولي الأمر أمير المؤمنين فأفتوا بدرء مفسدة هذه الجائحة من خلال إغلاق بيوت الله عز وجل بسبب علة عدوى الوباء الفاتك بناء على خبرة أهل العلم والاختصاص في مجال الطب . ونفس الإجراء طبق على كل الأماكن التي يجتمع فيها الناس من مقاه ومطاعم وأسواق ... وغيرها لنفس العلة .
وكان هذا محل إجماع المغاربة شعبا وقيادة ،إلا أن الجموع التي خرجت بذريعة الدعاء ، قد تعمدت الخروج عن هذا الإجماع معرضة نفسها لخطر العدوى ، ومهددة سلامة وصحة غيرها عن عمد وسبق إصرار متجاهلة ومتعالية على أهل الاختصاص من علماء الدين وخبراء الطب، الشيء الذي يعني أنها صدر في ما أقدمت عليه بتهور عن جهل سواء تعلق الأمر بالدين أو تعلق بالطب .
ومعلوم أن جميع المغاربة على علم تام بالإجراء الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يحل الوباء بالناس ،وهو عدم نشر عدواه بالخروج من أرضه أو الدخول إليها ، وهو ما يسمى الحجر أو العزل الذي لم تجد دول العالم على اختلاف عقائدها بديلا عنه ،وقد ثبتت نجاعته في محاصرة عدوى جائحة كورونا . ولا يمكن لطائفة من الناس أن تزايد على عموم الشعب المسلم ، وتظن غرورا منها أنها أعلم من الجميع ، أو أنها تملك الوصاية على الدين والتحدث باسمه . ولقد كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح البخاري والمتعلق بجوابه عن سؤال عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وباء الطاعون كافيا وشافيا لمنع هؤلاء من التجمهر وتعريض أنفسهم وغيرهم لعدوى وباء فتاك، خصوصا وهم يقرءون القرآن الكريم وفيه آيات تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي من طاعته سبحانه وتعالى مصداقا لقوله جل وعلا : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا )) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن يعصني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني " وفي رواية " ومن أطاع أميري ... ومن عصى أميري ".
فالجموع التي خرجت ، وهي تعلم أن رسول الله صلى الله وسلم عليه قد نهى عن نقل عدوى الأوبة ، كما تعلم أنها مطالبة بنص القرآن الكريم والحديث الشريف بطاعته صلى الله عليه وسلم ، قد تعمدت تجاهل أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمر الأمير .
ولقد ذكر الأمام القرطبي رحمه الله في تفسيره أن قوله تعالى : (( ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا )) قد نسخ بأية السبف ،وأمره بقتال من خالف الله ورسوله .
إن الإسلام لا يتحمل مسؤولة الجموع التي خرجت تهورا ، وخروجها هو خروج عن هديه ، وهي لا تمثل إلا نفسها ، والشعب المغربي المسلم بريء مما أقدمت عليه .
ولا يمكن أن يركب هذا التهور العلمانيون للنيل من دين الله عز وجل خصوصا وأن بعضهم يعجبه الصيد في الماء العكر ، ويموه على الطعن في الإسلام بانتقاد بعض المحسوبين عليه من الجاهلين به جهلا فظيعا .
فلو أن تلك الجموع وسعتها بيوتها ، وتواصوا بقيام الليل فيها أفذاذا ، وبالضراعة إلى الله عز وجل بعيدا عن مظاهر الرياء ، لكان سعيهم موافقا لدين الله عز وجل، وهو القائل سبحانه وتعالى : (( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ...))الآية ، وقد قال أهل العلم من المفسرين في تفسيرها أن تقوموا لله بالنصح وترك الهوى.
وليس من النصح في شيء أن يفتي أهل العلم بالدين بناء على نصح أهل الخبرة بالطب بتجنب أسباب العدوى التي منها التجمهر ، فيقدم عليه البعض ضاربين النصح الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض الحائط حيث قال : " الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ، قال : لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم " .
أولم يخطر ببال من خرجوا عن إجماع عامة المسلمين بتجنب التجمهر صيانة للأرواح من الهلاك بالعدوى أن من استدرجوهم باسم الدين لمخالفة شرعه وهم لا يعلمون مخالفتهم له إن هلكوا بالوباء ، فسيحاسبون على ذلك أمام الله عز وجل يوم القيامة لأنهم لم يقوموا بواجب النص لهم ؟
وأخيرا نذكّر الجموع التي خرجت لرفع أصواتها بالدعاء لكشف البلاء بالحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله حيث قال : " لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس على واد ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم ، وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال لي : يا عبد الله بن قيس، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة ، قلت : بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي ،قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ".
ونأمل أن تتوب إلى خالقها الجموع الخارجة عن إجماع الأمة ، المخالفة لهدي الله عز وجل وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وألا تعود إلى ما أقدمت عليه من تعريض حياتها وحياة غيرها للهلاك ، ونسأل الله عز وجل رفع البلاء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وسوم: العدد 869