معاناة الناشئة المتعلمة من العواقب الوخيمة المترتبة عن الفشل الدراسي
من المعلوم أن أنظمة التعليم في كل دول العالم تعتمد في تعليم ناشئتها على أساليب تراعي التدرج حسب الأعمار من سن الطفولة إلى سن الشباب ، وهي تبني مناهج وبرامج ومقررات وفق هذا الاعتبار ، وتنزّلها عبر مراحل تعليمية أولية، وابتدائية، وإعدادية، وتأهيلية ، وعالية ، كما أنها تقرر أساليب تقويم لانتقال المتعلمين من مستوى إلى آخر ، ومن مرحلة تعليمية إلى أخرى حتى نهاية مشوار التحصيل والحصول على شواهد في نهاية كل مرحلة من المراحل من خلال امتحانات إشهادية، وتكون غالبا في نهاية كل سلك تعلمي، وتعتبر تلك الشواهد إقرارا بالنجاح والتفوق ، بينما يعتبر عدم الحصول عليها فشلا دراسيا قد يعزى لعدة عوامل ويكون المتعلمون هم ضحاياه في نهاية المطاف حين عن الدراسة دون بديل عنها .
والفشل في اللسان العربي عبارة يطلق على الخيبة حين لا يحقيق المأمول . ، ولهذا فالفشل الدراسي هو عدم النجاح المأمول عند المتعلمين والذي غالبا ما يعقبه انقطاع عن الدراسة أو ما يسمى تسربا ، وتكون له آثار نفسية في منتهى السوء على ضحايا الفشل الدراسي .
ومعلوم أنه عندما يقع الفشل الدراسي الذي ينتهي بانقطاع عن الدراسة مهما كانت المرحلة الدراسية التي يحصل فيها، تترتب عنه في كثير من الحالات عواقب وخيمة ضحاياها من الناشئة المتعلمة، نذكر منها ما يلي :
1 ـ حين يحصل الفشل الدراسي في المرحلة الابتدائية ، يصير المتعلم عرضة للضياع ،لأن ما يتعلمه في هذه المرحلة لا يكون كافيا لتأمين مستقبله ، ولا حتى كافيا لإبعاده عن دائرة التخلص من الجهل والأمية ، لأنه لا يعدو أن يكون مستواه مجرد بداية محو الأمية خصوصا في زماننا هذا الذي لا ينكر أحد فيه تدني مستوى المتعلمين في هذه المرحلة إلى حد مثير للقلق إلا إذا كان مكابرا أو غريبا عن قطاع التربية أو مضللا للرأي العام .
والناشئة الفاشلة دراسيا في هذا المستوى التعليمي تكون غالبا عرضة للاستغلال في شتى مجالات الحياة حين تلتمس بدائل عن الدراسة بحيث تحترف مضطرة حرفا أو مهنا قد لا تناسب أعمارها ، الشيء الذي يزيد من معاناتها النفسية وقد لفظتها المؤسسات التربوية ،وانصرفت منها بعقدة الفشل الدراسي التي تظل تلاحقها طيلة حياتها . فكم من طفل متسرب تعاوده مرارة الفشل في شتى مراحل عمره خصوصا حين تجمعه الصدف في كبره بأقرانه وهم في مراكز اجتماعية محترمة، بينما يمتهن هو مهنة أو حرفة متواضعة قد لا توفر له الحد الأدنى من العيش الذي يصون كرامته . وقد يكون مصيره الانحراف بدافع عقدة الانتقام ممن يعتبرهم سببا في فشله الدراسي وتسربه، سواء كانوا أولياء أمور أو كانوا مربين أو كانوا زملاء . وقد يصل به الانحراف إلى حد دخول السجون أو الإصلاحيات كما تسمى اليوم ، وقد يستقيم بعد ولوجها إن كان محظوظا ، وقد يزداد انحرافا وإجراما حتى يفارق الحياة وهو في أسوإ حال أو أسوإ مصير ، ولا خلاف في ذلك بين الذكور والإناث اللواتي تصير أغلبهن ربات بيوت قد يبتسم لبعضهن الحظ فيعشن عيشة رغد في عصم أزواج موسرين ، بينما تعيش غيرهن حياة بائسة ،وقد يكون مصير بعضهن الانحراف والضياع .
2 ـ وحين يحصل الفشل الدراسي في المرحلة الإعدادية ، لا يختلف مصير المتعلمين في هذه المرحلة عن مصير المتعلمين في المرحلة الابتدائية حيث يكون تحصيلهم الدراسي متواضعا أبضا يجعل منهم أشباه متعلمين ، لا يتجاوز مستواهم الدراسي اقتحام عتبة الأمية . ومن هؤلاء أيضا من يلتمس حين انقطاعه عن الدراسة حلا في خوض غمار المهن والحرف وهم الأغلبية ، فينتقلون من مهنة أو حرفة إلى أخرى حتى يستقر بهم الأمر في إحداها ، ويقضون بقية أعمارهم فيها ، لا تفارقهم مرارة عقدة الفشل الدراسي خصوصا عندما يقارنون أنفسهم بزملائهم الذين ايتسم لهم حظ النجاح الدراسي ، وأكملوا دراستهم حتى حققوا مبتغاهم ، وتبوءوا ما شاءوا من المراكز الاجتماعية المحترمة . ومنهم من يتحولون بعد فشلهم من المؤسسات التربوية العمومية أو الخصوصية إلى مراكز التكوين حاملين معهم عقدة الفشل ، وما كانوا عليه من تراخ وخمول وكسل حالمين بتجاوزعقدة أو لعنة الفشل التي تتعمق عند أغلبهم ، فيتسربون من مراكز التكوين أيضا كما تسربوا من المؤسسات التربوية ، ويلتمسون حرفا أو مهنا قد تكون لها صلة بما قدم لهم من نزر التكوين في تلك المراكز المهنية ولمّا يتمكنوا منه التمكن الصحيح ، علما بأن نسب من يغادرونها بشواهد تقل بكثير عمن يغادرونها دون شواهد . ومن لم تستقم أمورهم من هذه الشريحة المراهقة مراهقة مزمنة يكون ضحية التسكع المؤدي إلى كل أنواع الانحراف بما في ذلك خوض تجارب الإجرام وولوج الإصلاحيات والخروج منها إما باستقامة أو بغرق في أوحال الانحراف حتى يلقوا مصائر مؤسفة ومحزنة . وقد يكون بعضهم ضحايا مغامرات الهجرة خارج الوطن عن طريق ركوب أهوال البحر في قوارب الموت طمعا في بلوغ هدف الاستقرار شمال المتوسط والحصول على فرص أعمال مهما كانت من شانها أن تمكنهم من تجاوز عقدة الفشل الدراسي ، وقد يلقى بعضهم مصيرا مشئوما . وقد يقضي بعضهم بقية أعمارهم رهن البطالة يحلمون بالهجرة وبالحياة الوردية في المهجر ، وهم بذلك كمن يشيدون قصورا من رمال تبتلعها أمواج البحر على الشواطىء. وقد يتجه بعضهم إلى ولوج المدارس القرآنية لحفظ كتاب الله تعالى رغبة في الحصول على مهمة أئمة أو مؤذنين من شأنها أن تمكنهم من الظفر بمساكن تؤويهم بجوار مساجد ، وبجعائل بالرغم من تواضعها قد تحفظ ماء الوجوه ، وتصون قدرا من الكرامة. ومن هؤلاء من تطاردهم لعنة الفشل حتى في المدارس القرآنية ، فيتسربون منها أيضا كما تسربوا من المؤسسات التربوية أو من مراكز التكوين خالية وُفُصهم من الحفظ ، فيقبل بعضهم على المتواضع من الحرف أو المهن ، ومنهم أيضا من يفكر في ركوب البحر معرضا نفسه للهلاك المحقق في قوارب الموت ، ومنهم من يمتهن الدجل والشعوذة ، ومنهم يتحول إلى ناسك أو بالأحرى مدع للنسك ، وقد يجد ضالته في الزوايا أو عند جماعات دينية ربما أفضى الانتماء إلى بعضها إلى ما لا تحمد عقباه ، وهو مصير قد لا ينجو منه حتى من لم يرتادوا المدارس القرآنية من الفاشلين دراسيا . وقد لا ينجو من الانحراف والإجرام حتى الفاشلين المتسربين من المدارس القرآنية، ويكون مصير الجميع في نهاية المطاف الضياع ، وتكون النهاية مؤلمة ومؤسفة .
3 ـ وقد لا يختلف مصير الفاشلين في المرحلة التأهيلية عن مصير الفاشلين في المرحلة الإعدادية حين يصير حصولهم على شهادة الباكلوريا أمرا معجزا ومرمى بعيد المنال. وحتى لا نكرر مآل هؤلاء ، ولا ما يتهددهم من عواقب وخيمة تمت الإشارة إليها ، نركز على تبرير بعضهم فشله الدراسي بإظهار الورع والتدين لذويهم والذي سرعان ما يتحول تطرف وغلو بسبب الاحتكاك بجهات مصدرة للغلو والتطرف ،وهم بذلك يحاولون تجاوز عقدة الفشل الدراسي من خلال تعويضه ببطولة دينية متوهمة خصوصا وأن وذويهم يفضلون ميلهم إلى التدين خوفا عليهم من الانجرار نحو الانحراف ، والحقيقة أن غلوهم في تدينهم لا يخلو من عواقبه قد تكون أدهى من انحرافهم خصوصا حين يتبنون أسلوب السخط على كل ما في الواقع المعيش ، ومن ثم تتسرب إليهم عقيدة تكفير وتفسيق وتجريم الغير التي قد تنتهي بهم إلى التفكير فيما لا تحمد عقباه .
4 ـ أما الفشل في مرحلة التعليم العالي ، فإن وقعه يكون أشد على شريحة المتعلمين بعدما تجاوزوا عقدة الحصول على الباكلوريا ، ولاح لهم في الأفق بريق الحصول على شواهد جامعية أدنها الإجازة وأعلاها الدكتوراه أو ما يعادلها إلا أن الحظ قد يتعثر بهم ، فيقضون سنين من عز شبابهم في الجامعات والمعاهد العليا يعانون من عقدة الفشل الدراسي ، فيضطرهم انصرام تلك السنين إلى التسرب مجبرين بحكم عامل السن ، والبحث عما يناسب مستوياتهم من وظائف أو أعمال وهي على قلتها عزيزة المنال في بلادنا ، فيزيدهم طول انتظار الظفر بها يأسا على يأس يكرس لديهم الشعور بمرارة الفشل ، ويفضي ببعضهم إلى الحلم بالهجرة أيضا مع تعذر وسائلها وأسبابها ، ويضيع العمر في الرهان عليها خصوصا وأن هؤلاء تكون لديهم أحلام ببناء أعشاش الزوجية والتفكير في حياة الاستقرارحتى يبلغ اليأس منهم أقصى مبلغ ، ويكون المصير هو الضياع ، وما لا تحمد عقاباه من انحراف أو من انزواء وانغلاق أواكتئاب أو غلو وتطرف ديني أو انخراط فيما لا يجر عليهم سوى الوبال ، وتكون النهاية مؤسفة ومؤلمة بالنسبة للبعض ذكورا وإناثا على حد سواء ، ويكون السبب الحقيقي هو الفشل الدراسي في مرحلة هي في غاية الأهمية والحساسة لأنها تفضي مباشرة إلى سوق الشغل التي لا يمكن ولوجها إلا بشواهد عليا مع حظ عظيم في بلادنا العزيزة .
وقد يتكرر نفس مصير الفاشلين دراسيا في المرحلتين الإعدادية والتأهيلية عند الفاشلين في مرحلة التعليم العالي، ويكون مصيرهم شبيها بما تمت الإشارة إليه آنفا . والمحظوظون منهم من رضوا بوظائف دون ما كانوا يأملون في قطاع عمومي أو خاص وهم يجترون مرارة الفشل الدراسي خصوصا حين يقارنون أنفسهم بأقرانهم الذين حالفهم الحظ والسعد ، ونجوا من لعنة الفشل الدراسي .
وخلاصة القول أن الفشل الدراسي في بلادنا لا زال آفة لا تشغل بال المسؤولين ، ولا تخضع لدراسات جادة من أجل التخلص منها نهائيا ، والحد من عواقبها الوخيمة والتي تتسبب في مآس مدمرة تقض مضاجع الأسر المغربية التي تراهن كل الرهان على الدراسة طوق النجاة الوحيد من أجل تأمين مستقبل أبنائها وبناتها. ومن المقلق أن وسائل التواصل الاجتماعي تداولت قبل أيام قليلة موضوعا تناول مشكل عدد المتسربين في بلادنا ذكورا وإناثا، والذين تتراوح أعمارهم بين السابع عشرة والرابعة والعشرين ، والذي قد بلغ رقما مخيفا وهم في حالة بطالة ، وهم بمثابة قنبلة موقوتة قد يكلف انحرافهم ودخولهم السجون أو الإصلاحيات خزينة الدولة أضعاف ما يكلفها تمدرسهم في المؤسسات التربوية. فإذا صح هذا الخبر، فالطامة كبرى، والسبب هو الفشل الدراسي الذي يجب القضاء عليه قضاء مبرما ، وبلا هوادة ، ودون تأخير أو تسويف . وكل حزب لا يستطيع حل هذه المعضلة ، فعليه أن يظل بعيدا عن مضمار سباق الانتخابات المقبلة من الوصول إلى مركز صنع القرار ،لأنه سيواجه المتاعب التي لا قبل له بها .
وسوم: العدد 1092