الإخوان المسلمون والطائفية
الإخوان المسلمون والطائفية
خالد الأحمد
تعريف: الطائفة كما جاء في المعجم الوسيط هي الجماعة والفرقة جاء في التنزيل "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"، وطائفة: جماعة من الناس يجمعهم مذهب أو رأي يمتازون بـه، والطائفية: التعصب لطائفة معينة، وتفضيل زيد على عمرو بسبب الطائفية لا غير. وأحب أن أزيد على هذا التعريف بأن تكون هذه الجماعة أقلية، كما هو الحال عند الأقباط في مصر، والعلويين في سورية، فكل منهم أقلية في بلده فالأقباط لا يشكلون أكثر من 8 في المائة من سكان مصر المسلمين، والعلويون في سورية لا يزيدون عن 12 في المائة، في حين يشكل مذهب السنة 70 في المائة على الأقل. والطائفية كسلوك معناها أن نكره زيداً من المواطنين لأنه قبطي (مثلاً) فقط، فزيد مواطن يؤدي واجباته ويطالب بحقوقه بشكل مشروع، ولكننا نحرمه هذه الحقوق لأنه قبطي، أو علوي، أو سني، هذا سلوك طائفي منبوذ، يدل على التخلف والرجعية، (أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد آلمـه أن يرى شيخاً كبيراً (يهودياً) يسأل الناس ويتسول، فحمل الخليفة الكيس عن الشيخ اليهودي وأخذه معه إلى بيت المال وقال لخازنه: انظر هذا وأمثاله فأسقط عنه الجزية، وعين له كفايته من بيت المال، والله ما أنصفناه، أكلنا شبابه وتخلينا عنه في شيبته، كما أن موقف عمر مع عمر وبن العاص من أجل القبطي عندما أمر عمر بن الخطاب ابن القبطي أن يضرب ابن عمرو بن العاص، وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحراراً)
والمسلمون لا يضطهدون أحداً من أجل دينـه، فقد أمرهم الله عز وجل بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعلمهم أنـه "لا إكـراه في الديـن"، وقد عاش اليهود مع المسلمين في المدينة المنورة، كما عاش أهل الكتاب في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، وكفل لهم الإسلام حقوقهم، حتى أن المؤرخين يعتبرون العصر الذهبي الذي عاشه اليهود بأقل اضطهاد في تاريخهم كله؛ كان في الأندلـس المسـلمة.
الإخوان المسلمون في مصر:
وفي عصرنا الحاضر أثبت إخواننا في مصر هذا المعنى "لا إكراه في الدين"؛ في تعاملهم مع الأقباط، ومما يذكر أن الأمـن المصري أرسل مذكرة لفضيلة الشيخ محمد حامد أبو النصر يرحمه الله، المرشد العام السابق للإخوان المسلمين يومذاك، يطلب منه المثول أمام المحكمة في يوم معين؛ بتهمة التحريض ضـد الحكومة، فتقدم عدد من المحامين يسجلون أسماءهم في المحكمة للدفاع عن فضيلة المرشد العام بعضهم من الأقباط؛ أعلنوا استعدادهم للدفاع عن فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين لقناعتهم أنه لا يرتكب ما رمتـه بـه النيابـة. فالعقلاء من الأقباط في مصر اقتنعوا أن الإخوان المسلمين جماعة إسلامية وطنية، تسعى من أجل خير مصر.
وتشكلت لديهم قناعة أنهم لن يُظلموا لو طبق الإخوان الشريعة الإسلامية في مصر.
الإخوان المسلمون في سورية:
في انتخابات عام 1962م في سورية، كانت قائمة الانتخاب في حماة تتطلب أن يكون منها مرشح مسيحي، فدخل هذا المرشح المسيحي الأستاذ أديب نصور في قائمة تضم الإخوان المسلمين، وصار يحضر معهم المهرجانات الانتخابية. وصار "الاشتراكيون"، وهم المنافسون للإخوان المسلمين في حماة، صاروا يتندرون على الإخوان فيقولون: "الحاج أديب نصور".
ووقف الإخوان المسلمون مع الشعب السوري الذي وقف ضد الطائفية المقيتة التي فرضها نظام البعث، ومن ثم النظام السابق في سورية.
ففي كتاب الصراع على السلطة في سورية للسفير الهولندي في القاهرة سابقاً، نيكولاس فان دام (ص 58 وما بعدها بتصرف من الطبعة الثانية) يقول: "في 8/3/1963م أطاح انقلاب عسكري بنظام الانفصال، وما لبث أن زاد عدد أعضاء الأقليات (العلويين والدروز والإسماعليين) في سلك الضباط السوريين مرة أخرى على حساب السنيين، وكان معظم العسكريين الذين تم استدعاؤهم بهذه الطريقة ينتمون إلى العلويين والدروز والإسماعيليين، وقد تم استبدال نحو نصف عدد الضباط المسرحين وعددهم حوالي 700 ضابط؛ استبدلوا بعلويين، وجاء أوج احتكار البعثيين (العلويين) للسلطة بعد انقلاب جاسم علوان في 18/7/1963م، حيث أزيح الضباط الناصريون - ومعظمهم سنيون - من الجيش. وفي 23/2/1966م أطيح بالرفيق محمد أمين الحافظ بانقلاب عسكري قاده سليم حاطوم وعزة جديد، وسـرح على أثر ذلك ما بقي من الضباط السـنيين البعثيين من الجيش".
وكل من عاش فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات في سورية يعرف أن الكليات العسكرية صارت حكراً لأبناء طائفة بعينها، وما يؤكد ذلك أن دورة طلاب الضباط في مدرســة المدفعية عام 1979م كان عددها حوالي 300 طالب ضابط، منهم 270 من طائفة واحدة، و30 من بقية الفئات.
وعندما كان خريج الجامعة في سورية يعين في الوظيفة براتب 400 ليرة سورية، كان العسكري من الطائفة ذاتها يتطوع في سرايا الدفاع أو الوحدات الخاصة براتب يصل 1000 ليرة سورية، لا يحمل من الشهادات سـوى أنه ينتمي لهذه الطائفة. أدى هذا التعصب الطائفي، واضطهاد الشعب عامة (..) إلى إضرابات شعبية عامة احتجاجاً على هذه السياسة والتمييز الطائفي منها:
1- مسجد السلطان عام 1964م: لاحظ الشــيخ مروان حديد يرحمه الله، التعصب الطائفي واضحاً ومبكراً منذ عام 1964م، لذلك اعتصم مع مجموعة من الطلاب في مسجد السلطان بحماة، ودعا المواطنين إلى الإضراب لإسـقاط النظام الطائفي، وأراد مروان أن يقوم بعمل سياسي وهو الإضراب والمظاهرات، ولكن الحكومة قاومته بعنف غير متخيل، قاومته بالدبابات (ت 54) ذات المدفع "100 ملم"، وهدمت المسجد والمئذنة، وقتلت العشرات من أبناء حماة.
2 -مظاهرات الأموي (1965م): حيث لاحظ المسلمون في دمشق التعصب الطائفي الواضح في عمل الحكومة، وأرادوا مقاومتها سياسياً، فدخلت الدبابات إلى المسجد الأموي، واعتقلت المواطنين المتظاهرين وعاقبتهم بأشد العقوبات.
3- معركة الدستور: وفي عام 1973م قام أهالي حماة وحمص وإدلب ضد النظام، وكانت أحداث الدستور التي قادها العلماء المسلمون وعلى رأسهم الشيخ سعيد حوى يرحمه الله.
4- وفي عام 1980م: نظمت نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين، في كل من حلب وإدلب وحماة وحمص ودير الزور؛ نظمت اضراباً عاماً، وطالبت هذه القيادات بإلغاء قانون الطوارئ، وتحقيق العدالة والمساواة بين كافة أبناء الشعب.
فواجهت الحكومة ذلك بحل النقابات، واعتقال قادتها، وقتلت عدداً من وجهاء مدينة حماة منهم الدكتور عمر الشيشكلي يرحمه الله (ناصري) ولأنه طبيب عيون قلعوا لـه عينيـه، والدكتور عبد الجبار قندقجي يرحمه الله (اشتراكي) والتاجر أحمد قصاباشي يرحمه الله.
5- وفي عام 1982م: قصف (السلطة) مدينة حماة بالمدفعية وراجمات الصواريخ، وقتلت ما بين 30 و50 ألف مواطن معظمهم من النساء والأطفال، واعتقلت كل الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و40 عاماً وأودعتهم في المعتقلات، أفرجت عن كثير منهم بعد أسابيع قليلة، وبقي بعضهم عشر سنوات في السجون، حيث أفرج عن الدفعة الأولى، بينما ما زال في السجن مئات من سجناء الإخوان حتى هذا العام (2005)
نتائج السياسة الطائفية في سورية:
دخلت سورية الألفية الثالثة بعد حكم ثلاثة أربعة عقود من الطائفية، حيث يقول الدكتور عارف دليلة خبير الاقتصاد السوري: ما بين 2 إلى 5 في المائة من الشعب السوري يملكون 80 في المائة من الثروة في سورية، بينما يعيش جميع الموظفين السوريين - حتى خريجي الجامعات - تحت خط الفقر، فما بالك بالعاطلين عن العمل؟ وفي نشرة دليل التنمية البشرية الذي يصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة كانت سورية تحتل المرتبة 81 من 174 في عام 1998م فهبطت خلال عام واحد إلى المرتبة 111 عام 1999، وعدد سكان سورية 16 مليون، والناتج القومي 16 مليار دولار، والناتج القومي اللبناني يصل إلى هذا الرقم على قلة سكان لبنان (وهم خمس سكان سورية)، ويكون الدخل الفردي للمواطن السوري (نظرياً) 1000 دولار، وقلت نظرياً لأن الدخل الذي يصل الفرد السوري حقيقة هو التالي: مدرس راتبه خمسة آلاف ليرة شهرياً وعدد أفراد اسرته 7 فقط، أي أن دخله السـنوي 60 ألف ليرة، نصيب الفرد من أسرته حوالي 8500 ليرة وتعادل 170 دولار. أما الخدمات التي تقدمها الدولة فهي التعليم فقط.
ويضيف التقرير إن 16 في المائة من المواطنين العاملين دخلهم 3 آلاف ليرة شهرياً وتعادل 60 دولار، و52 في المائة يتراوح دخلها بين 3 آلاف و5 آلاف، أي أن 68 في المائة من العاملين في الشعب السوري دخله أقل من 5 آلاف ليرة شهرياً تعادل 100 دولار فقط. ويصل راتب القاضي إلى 200 دولار، بينما راتب المدرس 120 دولار بعد أحدث التعديلات الأخيرة في التسعينات. وربما وصل الآن في عام 2004 إلى 200 دولار للمدرس القديم الذي وصل أبواب التقاعد، مع تعويض العائلة لأسرة لا تقل عن ثمانية أفراد. بينما تؤكد الأخبار أن حاجة مثل هذه الأسرة الكبيرة 9 أفراد لا تقل عن 25 ألف ليرة سورية كل شهر، أي 500 دولار شهرياً.
والسبب الأول للانهيار الاقتصادي هو الطائفية التي أدت إلى الفساد الذي انتشر في مؤسسات الدولة والقطاع العام، وانتشار الرشـوة بشكل علني ومرعب، حيث أن دخل 10 في المائة أكثر من دخل 80 في المائة، أي أن دخل الفرد الواحد من هؤلاء القياصرة أكثر من دخل عشرة آلاف مواطن من أبناء الشعب (..).
كما أضاف التقرير أن ديون سورية حالياً 22 مليار دولار وتبلغ خدمات الديون مليار دولار كل عام. وبلغت نسبة البطالة 30 في المائة من القوى العاملة وهي 40 في المائة فقط من الشعب، لأن 60 في المائة من الشعب السوري دون سن العشرين وبالتالي لم يدخلوا سوق العمل بعد. ووصل عدد هؤلاء العاطلين عن العمل (حسب بعض التقديرات) إلى 3 مليون سوري، كما وصل عدد العمال السوريين في لبنان 1.3 مليون عامل بعضهم جامعيون يمارسون الأعمال الزراعية اليدوية ليعيلوا أطفالهم الجياع في سورية (انظر القدس العربي 2/2/2000)
ويقول (أحمد جديد (شقيق صلاح جديد) ويعيش في بريطانيا: 40000 سجين سوري في العهد الماضي، ويقول رياض القداح (سوري في ألمانيا): 6.5 مليون مواطن سوري مهاجرون يعيشون خارج وطنهم، وهم ثلث عدد السكان السوريين، معظمهم مهاجر بسبب الفقر والبطالة، وبعضهم بسبب آرائه التي لا تتفق مع آراء السلطة الحاكمة.
تورط كبار المسؤولين في الفساد:
تقول صحيفة "القدس العربي" (9/6/2000): والخطير في ظاهرة الفساد هو حجمها الكبير، وتورط كبار المسؤولين فيها، وقد حكم أخيراً على اللواء بشير النجار المدير السابق للمخابرات العامة بالسجن 15 عاماً مع تغريمه مليار ليرة سورية، كما اتهم بالفساد محمود الزعبي رئيس مجلس الوزراء لمدة ثلاثة عشر عاماً، وسليم ياسين نائب رئيس مجلس الوزراء.
وتقول دراسة للدكتور بشير زين العابدين منشورة في مجلة السنة: "اثنتا عشرة مؤسسة أمنية في سورية، يتراوح عدد أفرادها بين 200 ألف و300 ألف فرد أي بمعـدل "مخبر" واحد لكل 60 مواطناً )بما فيهم الأطفال الصغار وأفراد الأمن أنفسهم)
ويستخدم هؤلاء 17 ألف سيارة، ويذهب ثلث الميزانية العسكرية التي تشكل بدورها 60 في المائة من الميزانية العامة كما هو معلن، والواقع أنها 80 في المائة، ثلث هذه الميزانية العسكرية يذهب للمؤسسات الأمنية، أي ما يعادل 750 مليون دولار سنوياً. هذا عدا عن الرشاوى والأتاوات التي يحصلها ضباط وضباط صف المؤسسات الأمنية من أبناء الشعب، في جميع مجالات الحياة، حيث أصبح الفلاحون يردون خلافاتهم حول الأراضي الزراعية، وحصص المياه وما شاكل ذلك إلى المخابرات العسكرية؛ التي صارت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة عند المواطنين كي تحصل على الرشاوى والأتاوات.
أما تورط الكبار جداً فلا يخفى على أحد، وسنذكر الآن بعض أملاك رفعت الأسد الذي كان موظفاً في الجمارك عام 1963م راتبه لا يزيد عن 200 ليرة سورية، وقد وصل رفعت الأسـد إلى منصب نائب الرئيس السوري السابق، كما جاء في دراسة الدكتور بشير زين العابدين المتخصص في تاريخ سورية الحديث (مجلة السنة العدد 100) يقول هذه بعض ممتلكات رفعت الأسد:
كازينو ضخم في مالطـا، فندق كبير خمس نجوم في مارسيلليا بفرنسا، مصنع اسمنت في بيروت، دار نشـر في باريـس، إمبراطورية إعلام في لندن، مجمع سكني في اسبانيا كلف بناؤه 60 مليون دولار، ويعتبر رفعت الأسد من كبار المساهمين في تمويل مشروع نفق بحر المانش، (حسب ما يورد زين العابدين).
ومما عرفه كل من يسمع نشرات الأخبار أن رفعت الأسـد يملك طائرة خاصة (وربما أكثر من طائرة)، وقد أقلته طائرته الخاصة من جدة بعد العمرة في رمضان 1421هـ، وتوقفت في مصر، في طريقها إلى أوروبا.
هذه بعض ممتلكات رفعت الأسد موظف الجمارك عام 1963م عندما قفز البعثيون إلى سلطة الحكم.
ولو أردنا الحديث عن غيره لطال بنا الكلام، ففي سورية مئات مثل رفعت، ومن كبار البعثيين الانتهازيين (..).
واليوم يتفق جميع المثقفين السوريين في بيان الـ 99 وبيان الـ 1000 على نبذ الطائفية، الذي عبروا عنه بـ تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الذي ينص عليه الدستور السوري، بين جميع المواطنين، وعدم التفريق بين المواطنين بسبب الدين أو العرق.
ولا بد من الاصلاح السياسي - وهو نبذ الطائفية - قبل الإصلاح الاقتصادي لتدارك حالة الانهيار التي يعيشها الشعب في سورية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
والإخوان المسلمون لم يرفعوا شعار الطائفية يوماً، انصياعاً لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، وقد عاشوا مع غيرهم في سورية خلال الخمسينات، في مجلس النواب وغيره من مؤسسات الدولة، يحترمون الرأي الآخر، ويتفاهمون بالحوار، منقادين لربهم عز وجل، "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن.."، بل هم الفئة الأولى التي قالت للطائفية: "لا وألف لا"، فلاقت من الاضطهاد ما لا يخطر على قلب بشر.