الحراك الفلسطيني

الحراك الفلسطيني

د. كمال رشيد رحمه الله

إذا كان انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة انتصارا فلسطينيا فهو انتصار للمقاومة الفلسطينية وليس انتصارا للسياسية .

ولو كان انتصارا وترتيبا سياسيا لما كان هذا الخوف وهذه الاحتياطات والترتيبات ونشر الآلاف من الجنود الإسرائيليين ,

ولما احتاج اخذ الضمانات والعهود من السلطة الفلسطينية ومن الوسطاء المصريين والأمريكان أن لا يغدر رجال المقاومة بالجيش الإسرائيلي وهو ينسحب .

ومع انه إنجاز قسري للحكومة الإسرائيلية سبقه انسحاب قسري من جنوب لبنان , إلا أن المشهد يختلف , فالانسحاب من لبنان جاء تحت سدول الظلم , جاء خلسة وخيفة , وكان انسحابا دليلا نهائيا دون ذيول أو تبعات .

أما الانسحاب من غزة فيبدو انه ليس كله خيرا , ويبدو انه انسحاب وفك مستوطنات يقابله تكريس احتلال واقامة مستوطنات في مواقع اخرى .

وهو انسحاب بشروط وضمانات وهو يجعل غزة تحت الغزو واعادة الاحتلال في كل وقت , ويجعلها في وضع عسكري مهزوز يمكن الجيش الإسرائيلي من التهديد بالعودة متى اراد .

وفي المشهد العام يبدو هذا الانسحاب بمثابة اداة انتشار , إذ سيعقبه التركيز على الضفة الغربية واحكام السيطرة عليها , فلا احد يتحدث عن انسحابات من الضفة , وهو إن كان فانه سيكون على الهيئة التي تبقي المعاناه والمضايقة في الحياه اليومية , كذلك الانسحاب الذي يتم من اريحا .

في أجواء الانسحاب الإسرائيلي من غزة تستمر عملية بناء الجدار الفاصل في مدن الضفة العربية وقرارها , وهو كالحية الرقطاء التي تتلوى , وهل يتشكل على الهيئة التي تخدم الجيش الإسرائيلي , ويلتهم آلاف الكيلومترات من الأرض الفلسطينية .

فلتنسحب إسرائيل من غزة بشكل غير نهائي وليستمر بناء ذلك الجدار الذي يلتهم الأرض , ويجعلها أمرا واقعيا .

السلطة الفلسطينية فرحة جدا بهذا الانسحاب وليس هناك حديث عن المستوطنات الجديدة , ولا عن الجدار الذي يتلوى . و لا ندري إن كان يعكر صفو هذا الانسحاب ذلك الجو الجديد الذي فلسطين النكبة ، فلسطين 48 ، بعد مقتل أربعة شهداء على أيدي مكلفين اسرائيلين .

لقد تحركت فلسطين 48 من جديد ، مسيرات و جنازات و إضرابات و احتجاجات ، و كأن أجواء غزة انتقلت إلى أم النور ( أم الفحم ) و ما حولها .

أربعون ألف فلسطيني يجمعهم استنكار الجريمة والقتل في الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن الانسحاب . جرائمها لا تتوقف حتى في ساعات الصفو , حتى مع الانسحاب .

لا تدري أن كان مجلس الأمن والإدارة الأمريكية والدول العربية قد استنكرت هذه الجريمة , أم أن الاستنكار – ومن بوش شخصيا – يكون عندما يكون الفاعل فلسطينيا .

ولا ندري هل انقسم العرب عربين والفلسطينيون قسمين , أم أن الجسم واحد , والجرح واحد , وان الدم لن يكون ماء , وان الدين لن يكون هباء .