الذين يبررون العدوان الإسرائيلي

الذين يبررون العدوان الإسرائيلي

عصام العطار

إنّ بعضَ المسؤولين الغربيين، الأمريكيين والأوروبيين، وبعضَ العرب التابعين والمارقين ، الذين يبرّرون العدوان الإسرائيليّ الغاشم على غزة ، ويؤيّدونه ، ويقفون عقبة في طريق إدانته أو إيقافه رغم ما يزرعه من الموت والدمار، وينتهكه ويدوسه من القانون الدوليّ وحُرْمَةِ الإنسانِ وحقوق الإنسان .. يَنْقُصُهم العلمُ والوعي بحقائق الأمور ، أو ينقصهم الإنصافُ والضميرُ والإحساسُ الإنسانيّ والمروءةُ والشجاعةُ وأشباه ذلك من الخلق الكريم.

وكيف يكون عندهم ضمير وإحساس ومروءة وهم يرون في كلّ ساعة من الساعات ، أو لحظة من اللحظات ، ضحايا العدوان الإسرائيليّ في غزة يُقْصَفون بحراً وجوّاً وبرّاً بالزوارق الحربيّة ، وبأنواع الطائراتِ والقنابلِ والمدافعِ والرشاشات ، وكيف تُهدّم بيوتهم فوق رؤوسهم ، وتُضرب مدارسهم ومساجدُهم والمشافي وسيارات الإسعاف .. ويُدفن أطفالُهم ونساؤهم ورجالُهم تحت الأنقاض ، أو تتناثر جُثثهم في الطرقات ، وكيف لا يجدون الماء والغذاء والإسعاف والدواء إلاّ ما لا يغني ولا يسمن من جوع

أسرٌ كثيرة هُدِّمت منازلُها وشُرِّدت

أسرٌ بكاملها مُحيت مَحْواً فلم يبق منها أحد ، أو ذهب الأبوان وأكثرُ الأطفال وبقيَ مَنْ بَقي يتيماً دونَ مُعيل ، أو ذهب الأطفالُ وبقيَ الآباء والأمهات لحياة بائسة بائسة ، ومعاناة لا تدانيها معاناة ، وبعض المسؤولين الغربيين الكبار الذين يُلْقون على الدنيا كلِّها في كلّ مناسبةٍ ، ودونَ أيِّ مناسبةٍ ، دروسَ العدالةِ والإنسانيةِ وحقوقِ الإنسان .. لا يريدون لهذه المذبحة الرهيبة أن تقف ، والمأساة المروِّعة أن تنتهي إلاَّ أن تُسْحَقَ غزّةُ سحقاً ، وتقبلَ الخضوعَ والخنوعَ وحياةً أليمةً ذليلةً أهونُ منها الموت

ومن هم أهل غَزّةَ هؤلاءِ الذين يُحاصرون ويُخْنَقون ويُدَمَّرون ويُقَتَّلون بسرعة أو ببطء مِنْ أيامِ النكبةِ الأولى ؛ بَلْ من أيّامِ الانتدابِ البريطانيّ المتآمرِ المشؤوم ؟

أكثرُ من ثلاثة أرباعهم هُمْ من اللاجئين الذين طردهم الصهاينةُ المغتصبون من مدنهم وقراهم سَنَةَ 1948م ، واغتصبوا أرضَهم وبيوتَهم وما يملكون من حُطَام ، وألجأوهم إلى غزّة قَهْراً وقَسْراً بأبشعِ وسائلِ القتلِ والعنفِ والإرهاب

وها هي ذي إسرائيل تقوم الآن - تحتَ سمعِ العالم وبصره - بذبحهم ذبحاً ذَرِيعاً في مجزرة من أبشعِ مَجازرِ التاريخ ، وها هُمْ أولاءِ « أساتذةُ !! » الحريةِ والعدالةِ وحقوقِ الإنسانِ يُؤازرونهم ويشاركونهم على درجاتٍ مختلفاتٍ في ذبح الحريةِ والعدالةِ والإنسانِ وحقوقِ الإنسان !!

ويحتجّون في تبريرِ العدوانِ الإسرائيليّ على غَزّةَ وفي تغطيتهِ ومُؤازرته ، بأنّ غزةَ تُطلق على أرضها القديمةِ التي يحتلُّها الآنَ الإسرائيليون صواريخَ يَصاب بها إسرائيليون أبرياء

تعالوا نمتحن هذه الحجة

تقول دراسات وإحصاءات أنّهُ منذُ الانسحابِ الإسرائيليّ من غزة سنةَ ألفينِ وخمسة ( 2005م ) قَتَلَت صواريخُ القسّام ( 20 ) عشرين إسرائيلياً ، وقتلت صواريخُ إسرائيل وقنابلُها وطائراتُها ( 2000 ) ألفين من الفلسطينيين ، فضلاً عن ما هدّمتْ من البيوت وأوقعتْ من الأضرار ، وأصابتْ من النساء والأطفال

مائةٌ من الفلسطينيين مقابلَ إسرائيليٍّ واحد

هذه هي نسبةُ الضحايا بين الطرفين ، والإسرائيليون هم الذين كانوا يبدأون في أكثر الأحوال ، وصواريخُ القسام الابتدائية لم تكن في الغالب غيرَ مُجَرّدِ ردّ

لا نقول هذا استهانة بأيّ دم برئ لأيّ إنسان كائناً ما كان ، ولكن يجب أن تَتّضِحَ الحقيقةُ في هذا الموضوع الذي يُستغلّ أسوأَ استغلال

إنّني أدعو أحرارَ العالم جميعاً ، ومحبّي الحرية والعدالة والسلام ، إلى إنقاذِ غزّة ، وحمايةِ غزّة ، وإنصافِ الفلسطينيين جميعاً في وطنهم وفي الشّتات ، فالسلام لا يقوم أبداً على الظلم . السلام لا يقوم إلاّ على العدل . حياةُ البشر جميعاً في مختلف جوانبها لا تقوم إلاّ على العدل ، وشرائع السماء والأرض إنما كانت أوّلَ ما كانت لإقامةِ العدل

) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط ... (  [ الحديد : 25 ]

يا أحرار العالم من كلّ دين أو بلد أو شعب

إنّ نضالنا وتضامننا لإنقاذ غزة وأهل غزة من جرائم الإبادة والقتل الوحشيّ هو في ذات الوقت تضامنٌ ونضال من أجل الإنسان وحماية الإنسان ومستقبل الإنسان ومستقبل قيمه العليا في كلّ مكان على الأرض

وسننتصر في نضالنا المشترك إن شاء الله ، وسينتصر بانتصارنا الإنسانُ وقِيمُ الإنسان وحقوقُ الإنسان

              

* زعيم إسلامي سوري.