النظام المصري ... يدير الحرب على حماس
صلاح حميدة
بعدما وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، توقع الشاعر العراقي أحمد مطر حينها أن الأنظمة العربية ستلحق بالنظام المصري، ولن يعود هو عن فعله، حيث قال في قصيدته فر الثور من الحظيرة :-
وبعد عام حصلت حادثة مثيرة
لم يعد الثور
بل ذهبت وراءه الحظيرة
وقد حدث ما قاله الشاعر؛ بأن لحقت دول الجامعة العربية بالنظام المصري الذي أصبح عراباً لما يسمى بالسلام ومسيرته المستمرة، فلم يقتصر دور النظام الرسمي العربي على تطويع الفلسطينيين حتى يتنازلوا عن حقوقهم بل حارب كل مقاومة منهم للاحتلال وبقي حارساً أميناً على أمن المحتلين.
ثم جاءت حركة حماس، بعدما أحكم النظام العربي سيطرته على منظمة التحرير الفلسطينية، وبدأ معها رحلة التنازلات والمفاوضات، حيث لم يستوعب النظام الرسمي العربي ظاهرة حماس، ولكنه سعى في البداية إلى تطويعها واحتوائها، وبعد مدة بدأ بنبذها ومحاربتها ولكنه لم يقطع الحبال معها نهائياً، بعد الانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية والتي كان النظام الرسمي العربي يرفضها منذ البداية وعمل النظام المصري تحديدا على توحيد قائمتي حركة فتح في مواجهة حماس في الانتخابات، أذهلت حماس النظام الرسمي العربي بفوزها الكبير، فمن العرب من بادر إلى عدائها بسفور، والبعض الآخر سعى إلى التعامل معها عن طريق المخابرات‘ والغالبية ظلت على الحياد، فيما تعاطفت القلة القليلة مع حماس.
بقي النظام المصري متصدراً وفاعلاً في الشأن الفلسطيني؛ فقد سعى من خلال بعثته الأمنية في قطاع غزة إلى حرب حماس دون قطع كل الحبال معها، وتجسدت هذه الحرب في عدة محاور، أهم هذه المحاور كان تجميع كل القوى وحشدها في مواجهة حماس، وبرز هذا الدور قبيل الانتخابات وأثناء كل جولات الحوار الداخلي الفلسطيني في القاهرة، فالنظام المصري يعتبر أنه صاحب رسالة فيما يسمى بعملية السلام، ولذلك فهو يسعى على الدوام لدعم وتقوية الأطراف التي تلتقي معه سياسياً ومحاربة من يخالفه.
تجسدت رسالة النظام المصري في دوره الكبير في إقحام قضية وقف المقاومة في كل اتفاق داخلي فلسطيني، وحرص على وقف المقاومة الفلسطينية من خلال دعمه للقوى المعادية لها بالتدريب والتسليح، ومن خلال إدخال الدعم اللوجستي وغيره لهذه الاطراف، إضافة إلى اعتقاله لكوادر من المقاومة الفلسطينية والتحقيق معهم حول قضايا لا تهم إلا الاحتلال، واستهزاء رموز النظام بالمقاومة الفلسطينية ونعتها بالكاريكاتورية والمضحكة، وحربهم على من يهرب السلاح للفلسطينيين.
بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية وفي اجتماع لوفد من حماس مع الوفد الأمني المصري، قال أحد كبار الضباط المصريين لوفد حماس بصريح العبارة:-
( لا تحلموا بدخول منظمة التحرير الفلسطينية، فلن نكرر الخطأ مرتين)؟!، هنا تبرز محورية الدور المصري في الحرب على حماس لمنعها من وضع ثقلها الانتخابي في منظمة التحرير وإفساد كل الجهود التي تمت لتطويع المنظمة منذ كامب ديفيد حتى الآن، إضافة إلى العمل على الانقلاب علي حماس وإفشال تجربتها، وكل التفصيلات التي تحدث حتى اليوم يفسرها هذا الحديث الذي جرى منذ ما يقارب السنتين.
في لقاء مطول مع عضو الكنيست الصهيوني ورئيس حزب ياحد يوسي بيلين ، قال بصراحة، إنه وفي زيارة له للقاهرة مع وفد من حزبه اجتمعوا مع مدير المخابرات المصرية، وطلب منهم مدير المخابرات المصرية أن يقلصوا كمية الوقود التي تضخ إلى قطاع غزة حتى تبقي الفلسطينيين بين الحياة والموت، فقال له يوسي بيلين :-
( لقد جربنا معهم كل الوسائل ولم ينفع ذلك )، ولكن مدير المخابرات المصرية أصر على ذلك، وهذا كان بعد أسر الجندي جلعاد شاليط؟!.
وقطع الوقود والغذاء والدواء الآن عن غزة يدلل أن الصهاينة أخذوا بمشورة مدير المخابرات المصرية.
يحرص النظام المصري على تهميش حماس سياسياً ولا يعترف بفوزها بالانتخابات ولا بتمثيلها للشعب الفلسطيني ، فيلتقي مع ممثلي الحكومة المعينة والخاسرين في الانتخابات على المستوى السياسي، ويلتقي مع ممثلي حماس الفائزين في الانتخابات على المستوى المخابراتي، وهناك من يقول أن هذا النظام يعتبر أن حماس امتداد للاخوان المسلمين الذين يناصبهم العداء ، ولذلك يرفض انجاح تجربتهم مهما كان الثمن حتى لو مات كل سكان قطاع غزة، خوفاً من تأثيرات نجاح تجربة حماس على الوضع الداخلي للنظام الغارق في الفساد.
في قضية الجندي شاليط وقضية التهدئة، لمست قوى المقاومة الفلسطينية الانحياز الرسمي المصري لصالح وجهة النظر الصهيونية، وكيف أنه سعى على الدوام لابتزازهم واخضاعهم وتخفيض سقف شروطهم لصالح الصهاينة، وهناك من يرى أن النظام المصري حريص على عدم تحقيق حماس أي انجاز شعبي حتى ولو كان ذلك باخراج الاسرى من مقابر الأحياء، لأن هذا النظام يرى أن السياسة مقدمة على الحقوق الوطنية وعلى المشاعر الإنسانية للفلسطينيين.
يرى العديد من المحللين أن إفشال حماس للانقلاب عليها من القوى الدولية والاقليمية والمحلية بما فيها النظام المصري، وضع خط النهاية للعلاقة بين حركة حماس والنظام المصري؛ فقد شعر هذا النظام أنه فقد ورقة مهمة، ولذلك سحب بعثتيه الأمنية والدبلوماسية في القطاع، ولكن كان في النظام من له رأي على الإبقاء على شعرة معاوية مع حماس لاعتبارات أمن اسرائيل: (التهدئةوالجندي الاسير شاليط)، وأملاً بتطويع حماس حتى تعترف باسرائيل تحت وطأة الحصار والتجويع وضربات الاحتلال وطعن الإخوة في الظهر.
فاجأت حماس النظام المصري ومن يقف خلفه بصبرها على المحن، ورفض الشعب الفلسطيني في غزة التجاوب مع الضغوط ليطلب من حماس الاعتراف بحق إسرائيل بأرضه وبحقها في منعه من العودة إليها، وكان ذلك جلياً في تعاطي حركة حماس مع فخ مشروع حوار القاهرة، الذي هو بجوهره يدفع حماس إما للاعتراف باسرائيل أو إلغاء نفسها بنفسها من خلال التنازل للأقلية عن فوزها، وتسليم رقبتها لهم ليجربوا سكاكينهم عليها، أو من خلال إبادتها عسكرياً وحصاراً وجوعاً ومرضاً.
في هذه المرحلة خلع النظام المصري القناع وكشف عن أنيابه التي كانت تشعر حماس بوخزها، وقرر النظام إعلان الحرب عليها علانية وبدون مقدمات وقطع كل الحبال، ومنع كل أشكال التضامن مع الغزيين على الأراضي المصرية، وقطع علاقات التنسيق مع الحركة حول الأمور الحياتية، من خلال قضايا المعبر ودخول وعبور الناس وأخذ يتعاطى معها على أنها ليس ذات صلة، وتجلى ذلك بدوره في قضية الحجاج في القطاع، وقاد حملة دبلوماسية عربية لإدانتها وإحلال دمها من خلال ضغطه على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخي، وثارت ثائرته عندما أفسد عدد من الدول العربية عليه هذا الاندفاع، فقام بتوجيه عدد من ( كتاب التدخل السريع)، ليهاجموا حماس والدول العربية التي تفهمت وجهة نظرها، من باب أن حماس في محور تلك الدول التي تتدخل في الشأن الفلسطيني، وكأن التدخل في الشأن الفلسطيني حكر على النظام المصري ومن يتفق معه سياسياً، ومحرم على المخالفين.
يعتقد بعض المراقبين للشأن الفلسطيني، أن الصبر الرسمي العربي متمثلاً بالنظام المصري قد نفد، وأن التعبير الحقيقي عن ذلك هو واقع الحال الآن في غزة، ويرى هؤلاء أيضاً أن حركة حماس وبما أنها تحمل هم القضية والشعب مطالبة بقرار استراتيجي تجاه النظام المصري، ويعتبر هؤلاء أن حماس مطالبة بنقل ملفات شاليط والتهدئة من يد مصر والدفع بها إلى طرف آخر قد يكون الأردن مثلاً، والذي يرى هؤلاء أنه معني بلعب هذا الدور، وقد يكون ذلك طريقاً لمدخل بحري لنقل البضائع والأشخاص إلى القطاع من خلال ميناء العقبة مثلاً، ويرى هؤلاء أن على حماس أن تتعامل مع قضية معبر رفح بأنها غير ذات صلة كما يتعامل معها النظام المصري، وتترك الحدود المصرية الفلسطينية للجماهير لتفعل ما تريد، واذا كان النظام المصري يريد التعامل مع الشعب الفلسطيني على المعبر بدون واسطة من الحكومة التي تحظى بدعم المجلس التشريعي فله ذلك، ولتدفع حماس عنها عبء محاولة تدبير أمور الشعب الحياتية وتلقيها للمصريين، وبذلك تريح نفسها من عناء مقايضة التهدئة بفتح المعابر.