إنّي تعلمت منكِ الحُب فأي جاهلية تُريدون
والدعوة لحديبية جديدة
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
عندما تُلفظ كلمة الجاهلية سُرعان ما يتبادر إلى ذهنك تلك الجاهلية التي سُمّيت بالجاهلية الأولى ، وهي ما قبل مبعث النبي محمد صلّى الله عليه وسلم ، إلى عهد إبراهيم عليه السلام أو ما قبله، هذه الجاهلية التي استبغضها أصحاب الذوق الرفيع من الرعيل الأول وكُل الأنبياء وأتباعهم ، وتغنّى بها بعض الحمقى رغم سوءها ، ولكن كما يقولون لكل شيء سببا ، وسبب البغض هو لما في تلك الجاهلية من الصفات المذمومة كالتعصب الأعمى للعرق والنسب والمُفاخرة الممجوجة والمُباهاة .. بل وأعظم الصفات قُبحاً وفُحشاً هو الشرك بالله سبحانه ، ومع ذلك فليست كُل الجاهلية فيها سوء ، فهناك من الصفات الحسنة الكثير ، وهو ما تغنّى به البعض الأحمق الذي تغافل عن السيئات وقال كُله خير، ومع ذلك فإنه يُسعدني أن أذكر بعض الممدوحات لتلك الجاهلية التي أقرها الإسلام كما هي أو هذّب بعضها ، ومنها العادات التي تدعو إلى البطولة والشهامة والفداء كإغاثة الملهوف ونُصرة المظلوم وإكرام الضيف وإجارة الضعيف وتقبيح الغدر والأعمال الخسيسة والمُخلّة بالمروءة ، ومع كُل ما ذكرته من هذه الصفات الحميدة ، فهي – الجاهلية – بقيت مُستقبحة لما فيها من الصفات المذمومة التي تُبطل الحميدة منها ، فما بالنا اليوم بجاهلية لاتعترف بأي قيمة وهي الأسوأ مما كانت عليه الأمور في السابق ، فلا إيفاء بالعهود ولا الوعود ولا نُصرة لضعيف ، ولا إكرام للضيف في كثير من البلدان ، بل صار أبناء قومنا لا يُراعون بأبناء شعبنا إلاً ولا ذمّة ، بل وصلت بهم الأمور الى السحق والإلغاء ومُحاولة الإذلال والمحي عن الوجود تحت غطاءات عديدة ، وصارت لحوم أحرارنا مُستباحة الى درجة مادون الحيوانية في التعامل ، ولم يكفيهم ما نهشوه وما استقطعوه من أعمار خيرة شباب الوطن ، بل هم سائرون الى جاهلية لم تعرفها الطبيعة البشرية ، ولم تألف لها مثيلاً ، فهل يظنون أنّهم سيقدرون على تحمّل أعباء مايفعلون ، وما ستقوله الأجيال عنهم إن هم استمروا على هذا النهج المشؤوم
ومنذ أيام أرسل أحد الأحبّة من أبناء مدينتي حلب صوراً لمدينتنا الشهباء أثارت فيّ الشجون وحرّكت بي الذكريات ، وأثارت بي من جديد طعم المرارة والغربة ورحلة المنافي والعذاب ، وكان فيها صوراً لأماكن أثرية لها ذكريات في القلب وللأيام الخوالي ، أعادت بي الذكرى إلى عقود مضت وذكريات الطفولة والأهل والأحباب والأصدقاء ، حيثُ كُنّا نُقضّي أجمل الساعات في تلك الأماكن أو حولها ، كالحديقة العامّة التي يقسمها نهر قويق من مُنتصفها ، وشارع بارون والفندق السياحي وساحة سعد الله الجابري وقلعة حلب الشهيرة وباب الفرج وجامع العادلية وجامع الجملية وحمّام النحاسين وخان الجمرك وصورة جامع الرحمن ، الذي شاركت في بناءه حجراً حجراً ولم أشهد افتتاحه ، وصور جديدة لم تكن على زماني ولم أستطع تخيّل مكانها ، ومُرفق مع الرسالة لقصيدة حركت في نفسي الكثير من الأحزان وآلام الغربة والفراق للأحبّة وأشعرتني بالمعنى العميق لمدينة حلب والمدن والقُرى السورية الأُخرى ، بل بكل ذرّة من تُراب الوطن، والتي مطلعها تقول : " إِنِّيْ تَعَلَّمْتُ مِنْكِ الْحُبَّ يَاْ حَلَبُ ..يا حماة يا درعا يا حمص يا شام يا ادلب يا دير الزور بل يا عفرين أو اللاذقية وبانياس والقامشلي والحسكة ، وتنطبق على كُل المدن والقرى السورية ، وعلى كل قلوب أبناء الوطن الهاربين من بطش النظام وظُلمه ، والمُخرجين من أرضهم وديارهم بغير الحق ، ومما لا شكّ فيه ستكون مُزيّلة في أسفل المقالة ، المُعنونة بالحبّ والجاهلية التي نعيش ، ليكون قدر مئات الآلاف المؤلفة من السورين في الضياع والشتات والمنافي في ظلّ جاهلية القرن الواحد والعشرين الأكثر ظُلماُ وإجحافاً بالبشرية على الرغم من الادعاء بالمدنية والحقوق وهي بعيدة عن كُل هذا وذاك
في نفس الوقت كان يُعقد اجتماع لقيادات فروع الجبهة الوطنية التقدمية والقيادات السياسية لأحزاب الجبهة الخشبية للبحث في الأوضاع السياسية والاقتصادية - دون ان يكون بيدها أي قُدرة على تحقيق شيء -لتحقيق الوحدة الوطنية على ما قالوا ، وتطوير الأداء الوطني وتفعيل الحوار المسئول لتعزيز الحياة الديمقراطية والتقدم الاجتماعي ومسيرة الإصلاح والبناء والكثير من هذا الخرط الذي لم نرى أي مصداقية لأي كلمة من هذه الأهداف ، لأن البحث في الحياة السياسية لا يقتصر على شريحة واحدة من شرائح الشعب ، ولا على اتجاه واحد ورؤية واحدة ، بل لابُد أن تتمثل كل القوى الوطنية في الحوار الوطني لمُعالجة الأوضاع الصعبة والظروف السيئة والحالة الاقتصادية التعيسة التي تمر بها بلادنا ، والوحدة الوطنية لا تتحقق بزج الشُرفاء والمُفكرين وأصحاب الرأي في غياهب السجون ، وتطوير الأداء الوطني لا يتحقق بتكميم الأفواه وعبر المُلاحقات ومنع الناس التعبير عن رأيها ، وتعزيز الحياة الديمقراطية لا تتم بمنع الأحزاب ومنع السلطة الرقابية الرابعة والإعلام الحر لكشف الفساد والمُفسدين ، والتقدم الاجتماعي ومسيرة الإصلاح والبناء لا تكون ومئات الآلاف من المواطنين الأمخاخ والمُفكرين والمهنيين وذوي الخبرة خارج حدود الوطن في المنافي والمهاجر دون استطاعتهم العودة إلى بلدهم الأم سورية ، ويمنعهم عن ذلك قوانين جائرة لازال يُعمل بها منذ عقود
وأخيراً : ولاعتبار استمرار انعقاد مؤتمر قيادات فروع الجبهة الوطنية التقدمية والقيادات السياسية لأحزاب الجبهة لثلاثة أيام ، وردتني خاطرة إلى هذا المؤتمر لدراستها والبحث فيها ، مُستقاة من عمق التاريخ العربي والإسلامي ، وقعت أحداث فكرتها من أيّام الجاهلية الأولى بين مختلفين إلى درجة الإيمان والكفر ، وهي اتفاقية الحُديبية ،التي أسفرت عن اتفاق هُدنة يدخل فيه الطرفان بالتزام هدنة يلتزم به الجميع بمواثيق ، مُمهداً لنقاشات وحوارات قادمة بعيدة عن أي تشنج وتراشق بالألفاظ ، تمهيداً لتضع الحرب الإعلامية أوزارها والحيف بأبناء الوطن ، وتُحل من خلالها جميع الملفات الإنسانية بتروي وتأني وتفهم وعقلانية ، لتجري فيما بعد تفاهمات وحوارات مُستقبليه تُقرّب وجهات النظر ، وتُبعد شبح الاقتتال والخصام نأخذ فيها جميعنا قسطاً من الراحة ، على أن تُفتح البلاد إلى أهلها من كل حدب وصوب ، تمهيداً للوصول إلى اتفاق مع القوم ، من باب عسى ولعلّ تُصلح الكلمة ما أفسده الزمن ، ولنا من تاريخنا العبرات فاعتبروا يا أُولي اللباب، واليكم قصيدة الحب والشوق
قصيدة الحب والشوق
إِنِّيْ تَعَلَّمْتُ مِنْكِ الْحُبَّ يَاْ حَلَبُ ..... (ياحماة يادرعا ياحمص ياشام يا ادلب يادير الزور بل ياعفرين أو اللاذقية وبانياس والقامشلي وكل المدن السورية )
إِنِّـيْ تَـعَلَّمْتُ مِنْكِ الْحُبَّ يَاْ حَلَبُ فَـأَنْـتِ لِـلْحُبِّ يَاْ شَهْبَاْءُ مَدْرَسَةٌ شَـكَّتْ سِهَاْمُكِ فِيْ قَلْبِيْ؛ وَعَذَّبَنِيْ كَـأَنَّـهُ بُـلْبُلٌ فِي الصَّدْرِ مُحْتَجَزٌ مِـنْ نَـظْـرَةٍ رُبَّـمَاْ كَاْنَتْ مُفَاْجَأَةً فَـذُبْـتُ شَـوْقـاً إِلَىْ لُقْيَاْكِ ثَاْنِيَةً فَـبَـحْـرُ حُبِّكِ أَغْرَاْنِيْ، وَعَلَّمَنِيْ: وَ أَنْـتِ فِـي الرُّتْبَةِ الْعَلْيَاْءِ مُشْرِقَةٌ | كَـمَـاْ تَـعَلَّمَ مِنْكِ الرُّوْمُ، فِيْهَا الْجَمَاْلُ؛ وَفِيْهَا الذَّوْقُ؛ وَالأَدَبُ شَوْقٌ، وَقَلْبٌ مِنَ الأَشْوَاْقِ يَضْطَرِبُ وَحَـوْلَهُ يُحْشَدُ الإِغْرَاْءُ؛ وَالطَّرَبُ لَـمَّـا الْـتَقَيْنَاْ؛ وَلَمْ يُبْلَغْ لَنَاْ أَرَبُ! لأَسْـتَـقِـرَّ بِـبَـحْـرٍ حُبُّهُ لَجِبُ أَنَّ الْـجَـمَـاْلَ شَـمَاْلِيٌّ لَهُ رُتَبُ كَـالشَّمْسِ تَبْدُوْ لَنَاْ حِيْناً؛ وَتَحْتَجِبُ | وَالْعَرَبُ