كلمة في مخرجات مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة
تكرم أحد الأصدقاء ممن شارك في مؤتمر القاهرة ، فأرسل إلي الوثيقتين اللتين صدرتا عن المؤتمر ، بتاريخ التاسع من حزيران 2015 ، ألا وهما : " خارطة الطريق للحل السياسي التفاوضي " و " مشروع الميثاق الوطني " . قرأتهما ووقفت على مضمونهما المتعلق سواء بما قاله نص هاتين الوثيقتين أو بما لم يقله ، أو قاله بصورة ملتبسة تسمح بأكثر من تفسير . وباعتباري واحدا من المواطنين السوريين المعارضين المعنيين بما ورد في هتين الوثيقتين ، فقد وجدت أن من واجبي أن أقول كلمة مختصرة تعبر عن وجهة نظري في هذا الموضوع والتي ربما يرغب بسماعها بعض الأصدقاء ، وهي التالية :
يعكس مؤتمر القاهرة - حسبب ما ورد في وثيقتيه المشار إليهما أعلاه - من جهة ، حالة العطالة و الاستعصاء التي وصلت إليها عملية شد الحبل ، بين ثورة آذار الوطنية الديموقراطية ، وديكتاتورية نظام الأقلية الطائفية الديكتاتوري ، من حيث عجز كل من الطرفين عن هزم الطرف الآخر والانتصار عليه ، بدلالة ما وصلت إليه الأوضاع في سوريا بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الثورة . ومن جهة أخرى ، الصراع التاريخي بين تيارين وطنيين شهدت فصله الأول مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية بعيد الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن المنصرم ، وفصوله التالية في المرحلة الاستقلالية اللاحقة ، ألا وهما : التيار الديني الإسلامي المتاأثر بالماضي ، والتيار العلماني المتأثر بالحداثة .
أما السبب / الأسباب الأساسية لهذا العجز / الاستعصاء فتعود – بنظر الكاتب - إلى أن هذا الصراع كان منذ يومه الأول ( حادثة أطفال درعا ) صراعا بين الحق والباطل ، باطل مدجج بمختلف أنواع الأسلحة الأوروأمريكية الحديثة ، ولا سيما المتطورة منها ( الطيران ، الصواريخ ، الإعلام ... الخ ) ، وهو ما يمثله النظام ، وحق لا يملك سوى الحنجرة الناطقة ، والكلمة الطيبة ( واحد واحد واحد ، الشعب السوري واحد ) واليد المبسوطة للنظام للحوار وللسلام وللديموقراطية ، وهو ما تمثله ثورة 18آذار 2011 الشعبية المجيدة .
إن كافة الأسلحة النوعية المتطورة والتي باتت تصنع أو تمنع الإنتصار أو الهزيمة إنما هي واقعيّاً صناعة محتكرة من قبل دول الفيتو الخمس في مجلس الأمن ( الإستثناء لايبطل القاعدة ) الأمر الذي سمح لهذه الدول أن تكون هي الخصم والحكم في كافة الصراعات العالمية ، ومن بينها الصراع المستمر الدائر في سوريا منذ أذار 2011 وحتى اليوم . إن هذا يعني ـ تطبيقياً ـ أن العامل الخارجي بات هو العامل الحاسم في إنهاء الصراع في سوريا بين النظام الطائفي والمعارضة الوطنية في هذا الإتجاه أو ذاك . ولا سيما بعد أن بدأ التوافق الأمريكي الروسي يأخذ طريقه الضيقة والملتوية إلى جنيف مروراً بالقاهرة والرياض ودمشق وطهران . حيث يمسك السيد أوباما ( الولايات المتحدة الأمريكية ) بعصا الصراع الدائر في سوريا بين النظام والمعارضة من منتصفها ، ويقوم بإعادتها بواسطة أسلحته المتطورة كلما مالت في هذا الاتجاه أو ذاك ،الى وضعها المستقيم السابق ، وذلك بهدف استمرار هذا الصراع الدموي بين الطرفين أطول مدة ممكنة بما ينهكهما ويضعفهما معا ، ويجعل صنيعتهم إسرائيل المحتلة لفلسطين والجولان في أمن وأمان ، حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد ، وانتقال السلطة إلى المعارضة .
إن الدور السياسي والاقتصادي والعسكري المشبوه الذي يلعبه كل من النظام الإيراني وحزب الله اللبناني ( حالش ) ونظام مابعد 2003 العراقي وداعش في سوريا ، وذلك بموافقة ضمنية من دول الفيتو الكبرى الخمس ، ولا سيما موافقة اكبر دولتين في هذا الخماسي النووي ( روسيا وأمريكا ) كما سبق أن أشرنا ، إنما يصب جميعه في طاحونة نظام عائلة الأسد ، ويطيل في عمره ، وبالتالي في عمر هذا الصراع الدموي ، الذي تشهده سوريا منذ عام 2011 وحتى اليوم ، والذي جعل من بطن سمك القرش الملاذ الوحيد الآمن لأطفال العرب السنة السوريين ، الهاربين من جحيم بشار الأسد وشبيحته في الداخل والخارج .
وإذا كان شبيحة الداخل معروفين لدى الجميع ، فإن شبيحة الخارج لمن يريد أن يعرف أكثر هم ـ بنظر الكاتب ـ الدول الكبرى صانعة وبائعة مختلف أنواع السلاح المسؤول عن حفلة الشواء ( الغرل / Grill ) البشري التي يقيمها على شرفهم ملالي طهران ودمشق ولبنان ، وبالتالي المسؤول عن التغريبة السورية ( على حد تعبيرعنوان مقال قرأته هذا اليوم ) التي تبدأ بقوارب الغش والكذب الخشبية ، وتنتهي في بطن سمك القرش في أعماق البحر الأبيض المتوسط .
في قراءتي الخاصة لكل من خارطة الطريق وميثاق الشرف الوطني ، كمخرجين أساسيين من مخرجات تجمع / مؤتمر المعارضة الموسع في القاهرة ( حزيران 2015 ) ، وجدتني - كمتابع لمعظم أدبيات ثورة آذار 2011 - أمام وثيقتين هما أقرب إلى " البايلا الإسبانية " المعروفة ، من حيث محاولة كل من هاتين الوثيقتين إرضاء " كافة الأطراف " المتباينة الرؤى المشاركة في هذا التجمع من خلال حشد مجموعة من الأفكار المتعارضة والمكررة والملتبسة التي يمكن أن يجد ها المرؤ متناثرة هنا وهناك في كافة الأدبيات والبيانات التي صدرت عن أطراف المعارضة السورية الداخلية والخارجية المختلفة منذ آذار2011 وحتى لقاء حزيرا ن 2015 ، ولاسيما منها وثائق مؤتمر القاهرة الذي عقد بإشراف جامعة الدول العربية في شهر تموز 2012 . حيث أشارت وثيقة مشروع الميثاق الوطني ( 2015 ) صراحة إلى ذلك بقولها : " ثانيا مشروع الميثاق الوطني السوري المعتمد على ميثاق القاهرة 2012 ، والذي سيكون في حال إقراره من مؤتمرنا هذا ، مرجعا للمبادئ الدستورية للمرحلة الانتقالية .......الخ".
واقع الحال أن مؤتمرالقاهرة 2015 ، لا يعدو أن يكون تكرارا وإعادة إنتاج جديد لمؤتمر القاهرة 2012 ، مع إضافتين جديدتين هما، تعويم هيئة التنسيق بأشخاصها وأطروحاتها المعروفة ( والتي أتفق شخصياً مع بعضها ) ، وتعويم انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي في تموز 2013 ، وهو ماأعتبره خروجا على كل أهداف ومبادئ وقيم ثورة آذار 2011 وبالتالي خروجا عن أهداف ومبادئ وقيم علمي الأخلاق والسياسة . ولهذا فأنا لاأتفق مع الخلفيات التي تكمن وراء اختيار مدينة القاهرة كمكان لانعقادمؤتمر للمعارضة السورية ، في القاهرة ، في مثل هذه الظروف الرمادية التي تمر بها جمهورية مصر العربية ، مع كل الأحترام والمحبة والتقدير للشعب المصري الشقيق ولمدينة القاهرة العظيمة ، عاصمة الوطن العربي.
وسوم: العدد 623