تورا بورا: مقبرة جديدة للأمة المجيدة

د. عبد السلام البسيوني

ومن الخيبات في رمضان

مساء الاثنين، الموافق أول العشر الأواخر من رمضان المبارك، من سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وألف، من الهجرة المعظمة، الموافق للسابع من جانيوري، عام واحد وألفين، يقول المستعين بالله:

 مما دها بلاد العجم في رمضان، ما حدث في تورا بورا من بلاد الأفغان، المسماة أفغانستان وأفغانستان هذه من بلاد العجم - أو العلوج - تقع على طريق الحرير، وفيها ممر خيبر الشهير، وهي قبائل وأعراق: فمنهم البشتون والبلوش، والهزارة والكوتش، والطاجيك والأوزبك، والتركمان والقيرغِز، وبعض أهلها أشداء على أنفسهم، متعاونون مع أعدائهم، ومنها خرج الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، إمام أهل السنة والفقه، والشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا البلخي المتفلسف، والجغرافي أبو القاسم إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري، المعروف بالكرخي، ومولانا جلال الدين الرومي"مولوي" البلخي، وأبو معشر البلخي الفلكي الدجال، الذي يؤمن بالنجوم والأنواء، والعفاريت والأحجبة، وعبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي، المتوفَّى سنة 481 هـ - والهروي نسبة إلى هراة، التي تنطقها الصحافة الجاهلة هيرات – ومنها القاضي أبو سعيد الهروي، والإمام أبو طاهر الدباس إمام الحنفية بما وراء النهر، والصوفي الشاطح شهاب الدين أبو الفتوح يحيى السهروردي، والخطاط الجميل مير أحمد صبري الهروي الذي خط اسمي بنستعليقه البهير، وغيرهم من المشاهير.

 وتورا بورا هذه - وتعني بالعربية الغبار الأسود - سلسلة من الجبال الوعرة، شرقي أفغانستان تتبع ولاية ننكرهار، وقد حدثت فيها أواخر سنة 2001م وحتى يناير 2002م معركة تورا بورا المشهودة بين جحافل قوات الإرهاب العالمي المسمى بالتحالف الدولي يدعمهم العملاء المتواطئون، آكلو الكتف من الأفغان، وبين مقاتلي طالبان، وتحوي مغاور وكهوفاً، وسككاً ودروباً، لا يسلكها إلا كل خبير، ولا ينجو من وعوراتها إلا كل ماهر عفريت!

ومساء الاثنين الموافق أول العشر الأواخر من رمضان المبارك من سنة 1422 من الهجرة المعظمة ضرب الروم تورا بورا، من بلاد الأفغان. وأكد مصدر قريب من الحاكم السابق لقندهار المسمى الحاج وردة (حاجي جل)، أن القوات المناوئة للطالبان، الذين أعلنوا رغبتهم في تحكيم الشريعة - على طريقتهم - قد انسحبت من مطار القندهار، للاحتماء من غارات حلفائهم المسمين بالماريتر - وأحياناً يسمون برجال البحرية الأمريكان - على مواقع طالبان.

وأكد أحمد كرزاي، شقيق حميد كرزاي القائد البشتوني المعادي للطالبان، والذي صار فيما بعد رئيساً لبلاد الأفغان، أبو قرعة زنة، والذي لم يستطع أن يجعل لنفسة شنة ولا رنة، ووصف بأنه واحد من أشيك عشرة رجال في العالم، رغم كونه أصلع الرأس – يا أقرع يا بو زنة يا عبده – تماماً كما فعلوا مع السادات، وهذا من أعجب الترهات، والذي تقاتل قواته إلى جانب قوات جل آغا، أنه لم يتم الاستيلاء على المطار؛ لكنه أكد أن قوات كرزاي غنمت أثناء المواجهات مع قوات طالبان أسلحة وخياماً.

وأكد أحمد كرزاي أن قوات أخيه الرئيس المقبل - والذي لا يزال (علة) على قلب الأفغان - الذين كانوا يتمركزون في ولاية أورزغان شمالي قندهار استولوا على مدينة شاه والي كوت الواقعة على بعد 35 كيلاً شمالي قندهار – والكيل هذا، أو الكيلو متر بلغة العجم/ يساوي ألف ذراع زفتاوي. ونقلت مصادر عن طالبان قولها إنها صدت الهجوم، وجرحت عشرات من رجال القبائل، وأسرت اثنين، كما استولت على ست مركبات.

وتتركز جهود العلوج – على حد قول الصحاف ملك الإعلام البعثي - وقبائل البشتون المعادية للطالبان في الأيام الأخيرة على الاستيلاء على مطار قندهار، الذي يأملون السيطرة عليه؛ للتمكن من تنفيذ هجوم نهائي على معقل طالبان الديني والسياسي.

وقد عززت بلاد اليانكي وجودها في قاعدتها جنوبي غربي مدينة قندهار، وضاعفت انتشار عدد مروحياتها القتالية، مريدة إسقاط ابن لادن الأسطوري الذي رسموه داخل قلعة مدججة بالصواريخ البالستية، والأسلحة الجرثومية، والقنابل الخرافية، وكأنه رامبو الزمان، أو طرزان ابن طرزان، ويزعمون أنهم لا يعرفون مكانه، ويعجزون أن يمسكوه أو يعتقلوا أعوانه؛ ذريعة منهم لاستمرار الدمار، وتخريب العامر من الديار، وسرقة ما تبقى من التاريخ والمستقبل والتحف والآثار!

وسوم: العدد 674