ولأبناءِ أُمَّتي حَرُّ شكوى
يالها من شماتةٍ أخجلتْهُم
مصطفانا الحبيبُ بشَّرَ فَلْتَصمدْ ... ... لخطبٍ كتائبُ الغرباءِ
هوامش :
(1) : الجونة : الإناء الذي يخزن فيه العطار الطيب
(2) : الرُّواء : حُسنُ المنظر
(3) : الإياء : الحُسن والجمال
(4) : بنت ذؤيب : حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب
( 5) : أفرع : علا مجدا ، وشرف مكانة
(6 ) : حُفولا : مجتمعين ، متكاتفين
(7) : ذُكاء ك من أسماء الشمس
(8) : الوفضة : جعبة السهام
(9) : جنف : ميل ، وبعد عن الحق
للرَّحيقِ المختومِ عُدْتُ ورائي = أتحرَّى أطايبَ الأشذاءِ
وأشمُّ الفوَّاحَ من ربعِ روضٍ = فيه أغلى تشبُّثي وثَوائي
وألمُّ الأشتات من تُرَّهاتي = والبغيضَ المذمومَ من أهوائي
ضقتُ ذرعًا بما رأيتُ منالزُّخرفِ ... = ... أوهى من همَّتي و مضائي
قد عرفتُ الأفذاذَ في موكبِ ... = ... المجدِ بتيجانِهم وبالنَّعماءِ
وقرأتُ التاريخَ ، والسِّيرَ المُثلى ... = ... وما في الزمانِ للفضلاءِ
من سُمُوٍّ ، ومن عُلُوٍّ و فضلٍ = ومكانٍ في عالَمِ الحكماءِ
أّتَوَخَّى مُشيعَ حبٍّ لقلبي = إذ براه النَّوى من اللأواءِ
قد وجدتُ الضَّرامَ يحيي حنينًا = في فؤادي الذي صَبَا و رُوائي
فحنايا أضالُعي ظامئاتٌ = في هجيرٍ ، مستمطراتٍ سمائي
أتهادى على المرابعِ أُصغي = من وراءِ الغيوبِ للأصداءِ
وأُولِّي وجهي إلى حيثُ لاحت = رفرفاتُ الأنوارِ في الظلماءِ
هوَ ذا مأربي ، وتاجُ طموحي = وهنا في مدارِه بُشَرائي
سِيرةٌ لم يُحِطْ بيانُ بليغٍ = ببهاها ولا فصيحُ الثَّناءِ
من عُلاها تحدَّرَ الخيرُ غضًّا = من فيوضِ النُّبوَّةِ الغرَّاءِ
وتسامتْ بها أواصرُ قومٍ = جمعتْهُم في أعذبِ الأفياءِ
كيف لا ! والحبيبُ أحمدُ مختارُ ... = ... الكريمِ الرحمنِ ذي الآلاءِ
ماتراءى امرؤٌ بأيِّ زمانٍ = مثلَ طه في الخَلقِ والنُّظراءِ
أبلجُ الوجهِ ، والوضاءةُ فيه = مثلُ بدرٍ في الليلةِ القمراءِ
أدعجُ العينينِ اللتينِ بِحُسْنٍ = جلَّ ربِّي حلاَّهما بالسَّناءِ
إنْ رأتْهُ العيونُ خالتْهُ شمسًا = طلعتْ في صباحِها الوضَّاءِ
فبنورِ الرضا استنارَ بهاءً= وجهُ خيرِ الورى ، وأنقى صفاءِ
أحسنُ الناسِ مطلعًا في وقارٍ = وجلالٍ و هيبةٍ و حياءِ
وعليه الصلاةُ أكملُهم خَلقًا ... = ... وخُلْقًا ، وسيِّدُ الفصحاءِ
وهو الأوفى ذِمَّةً قد تناهى = صدقُ مافي العهودِ للأوفياءِ
مصطفانا الحبيبُ والطيبُ منه = لم يُفارقْ خُطاهُ في الأرجاءِ
ويداهُ كجونةٍ ملأتْها = كفُّ عطَّارٍ فاحَ بالأشذاءِ (1)
وابتساماتُه تفيضُ بعطفٍ = وحنانٍ حتَّى على البُعَداءِ
أقبلَ الفتحُ يومَ أقبلَ غالينا ... = ... فما من مثيلِه في الرُّواءِ (2)
والبرايا مستبشراتٌ بيومٍ = في مغاني الأفاضل النُّدماءِ
وبنو الجنِّ والملائكةُ الأطهارُ ... = ... أصغوا لعَذْبِ حُلْوِ النِّداءِ
فبه بشَّرَ الإلهُ بني الدنيا ... = ... لأمرٍ لم يَخْفَ في الآناءِ
تتثنَّى الأيامُ جذلى فهذا = رحمةُ اللهِ ، زهوُ كلِّ إياءِ (3)
وبه يُستَسقى الغمامُ ، ويحيا = بمثانيهِ ميِّتُ الأحياءِ
وبأيَّامِ يُتْمِه ابتهجتْ بنتُ ... = ... ذؤيبٍ في وحشةِ البيداءِ (4)
قد حباها الرحمنُ من فضلِه الثَّرِّ ... = ... فعادتْ في موكبِ السُّعداءِ
إذْ رأتْ من رعايةِ اللهِ ما لم = يأتِ يومًا ببالِ ذاتِ شقاءِ
فهو الخيرُ والنَّدى حيثُ وافى = في رحابِ الحجازِ والأبواءِ
ومشاها واليُتْمُ أفرعَ شأوًا = لم ينلْه أكابرُ النُّبلاءِ (5)
وعُلُوٌّ تباسقَ المجدُ فيه = بمثاني العقيدة السَّمحاءِ
وتسامى بخُلْقِه غيرَ فظٍّ = لم يجانبْ سجيَّةَ الرُّحماءِ
جاء للعالمين خيرَ بشيرٍ = بالمزايا الأثيرةِ الإطراءِ
ونذيرا للمعرضين حُفولا = من طغاةٍ في الناسِ أو سفهاءِ(6)
هلَّ بالوحيِ فانجلى عهدُ كفرٍ = وظلامٍ طوتْهُ كفُّ ذُكاءِ (7)
وأنارَ الوجودَ فانْكَفَأَ الشركُ ... = ... و ولَّتْ مكارهُ البلواءِ
وتوارى إبليسُ ، وارتعدَ الطاغوتُ ... = ... خوفًا من قبضةِ الحنفاءِ
وتعرَّتْ أُكذوبةُ المللِ الأخرى ... = ... وأخوتْ بهارجُ الآراءِ
نزلَ الوحيُ بالشريعةِ بيضاءَ ... = ... فباركْ بالشِّرعةِ البيضاءِ
وَانْهَ كلَّ الشعوبِ حتَّى تردَّ ... = ... الجِبتَ ردًّا على مدى الغبراءِ
فبغيرِ الإسلامِ تشقى البرايا = وتعيشُ العناءَ بعدَ العناءِ
قد تهاوتْ أحزابُهم ، وتلاشت = فِرقُ المفترين رغمَ الدهاءِ
وتنادى الأشرارُ غرَّهُمُ الوهمُ ... = ... لإفناءِ دعوةِ الأنبياءِ
واشمخروا بما لَهُم من عُتُوٍّ = ونفوذٍ طاغٍ ، ومن إغواءِ
لَهُمُ الويلُ لن ينالوا فلاحًا = أو يفرُّوا من عدلِ حُكمِ القضاء
هم أباحوا المحرماتِ ، ونالوا = من مقامِ النُّبوَّةِ العصماءِ
وأثاروا دسائسَ الفتنِ الكبرى ... = ... بدعوى من زورِهم والنساءِ
كذبَ المرجفون إنَّ دعاواهُم ... = ... هُراءٌ ، ونفثُها من هباءِ
والرزايا التي تفورُ وهذي ... = ... النازلاتُ الشَّديدةُ الضَّرَّاءِ
هي شُؤمُ الذنوبِ مابرحتْ تغشى ... = ... طمأنينةَ الورى والهناءِ
= من بنيها العصاةِ في الآناءِ
أسمعَتْهُم إذ غالها العبثُ الأعمى ... = ... ضلالا من وِلْدِها الأشقياءِ
قد تصدَّوا للبيِّناتِ ، وعاثوا = بالبهاءِ المنضودِ في اللألاءِ
فأصابتْ بالكَرْبِ غائلةُ الدهرِ ... = ... حِماهم ، والثُّكلِ والإدجاءِ
فأفاؤوا لوفضةِ المجدِ لكنْ = وجدوها على يبابِ التنائي (8)
= لو أصاخوا لصادقِ الأنباءِ
غيرَ أنَّ استهتارَهم مادعاهم = لسِوى النأيِ عن كريمِ السَّناءِ
واستخفَّتْهُم زهرةُ العيشِ زورًا = فجفتْهم هناءةُ الغرَّاءِ
ما أتاحتْ حضارةُ العصرِ ... = ... للناسِ سوى حسرةٍ ، وأنَّةِ داءِ
وانهيارٍ للباسقاتِ من الخيرِ ... = ... ووخزِ الكآبةِ الربداءِ
فجزاءُ التَّفلُّتِ الأرعنِ اليومَ ... = ... شكاوى من وطأةِ الأرزاءِ
نسيَ اللهَ جيلُ ليلٍ بغيضٍ = باتَ يُدعَى بالليلة الحمراءِ
في مُجونٍ له وفي جنفٍ عن = فطرةِ اللهِ في غليظِ الغباءِ (9)
حاربوها بالموبقاتِ ، فنالوا = ضنكَ عيشٍ ، وذاك بعضُ الجزاءِ
بينَ أحداقِهم ثقيلُ شجونٍ = من غبارِ المصيبةِ الرعناءِ
وتعالى لهيبُ ثورةِ شعبٍ = ذاقَ مرَّ المعيشةِ الهوجاءِ
فالرزايا تُطيلُ سهدَ الليالي = وتثيرُ الأحقادَ في الأحناءِ
فتشظَّى المخبوءُ بعدَ خمود = فوقَ أهلِ الأهواءِ والكبرياءِ
حيثُ ضجَّتْ شعوبُنا لاتبالي = بفنونِ التعذيبِ والإفناءِ
كبَّرتْ فاستجابتِ الهممُ النائمةُ ... = ... اليومَ رغمَ طولِ البلاءِ
ليعودَ الربيعُ بين روابيها ... = ... نديًّا يحلو بعينِ الرائي
عادَ يُحيي إيمانَها بالمعزِّ ... = ... المستجيبِ الدعاءَ في الظلماءِ
عادَ والمسلمون هاهم أعادوا = مالدينِ الإسلامِ من لألاءِ
ومن الفخرِ بالحبيبِ تراءى = بين هذي الجموعِ عَذْبَ النِّداءِ
وتجلَّى الرحمنُ بالفتحِ يُزجي = لرؤى المتقينَ نورَ اهتداءِ
لن يخافَ الشبابُ من لججِ الموتِ ... = ... بظلِّ الشهادةِ الزهراءِ
هي جنَّاتُ رحمةٍ ، ونعيمٍ = للشهيدِ السَّبَّاقِ عندَ اللقاءِ
ويعودُ الربيعُ ، فَلْيَخْسَأِ القيظُ ... = ... بصيفٍ ، والبردُ بردُ الشتاءِ
وَلْتُوَلِّ الرياحُ تعصفُ بالبأسِ ... = ... بأيدي الخريفِ عبرَ الفضاءِ
عادَ شذوُ الربيعِ ، فَلْتَهْنَأِ الدنيا ... = ... بحكمِ الشريعةِ الغراءِ