هوامش:
(1)الرَّواحل : ما يصلحُ للأسفارِ والأحمال .
(2)مُجَمْجِمُ : هو مَن يخفي الحقيقة ويكتمها ، حقدا وحسدا .
(3)انتفى : انتفى : ابتعد، طرد ، تساقط ، انتفى الخبر : لم يثبت .
(4)نترنَّمُ : الترنُّم بالشدو الشعور بالعذوبة الحسنة .
أزفَ الرحيلُ لقومِ شَوْقٍ يَمَّمُوا = دارَ الحبيبِ وللرواحِلِ قدَّمُوا(1)
ورأيْتُ بِشْرَ القومِ يعلو وجهَهم = وبحبِّهم عند المسيرِ ترنَّمُوا
ورأيْتُني وأنا الذي حُرمَ اللقا = بالشَّجوِ أعماقُ الحشا تتألمُ
لم تلهني الدنيا ولا نزواتُها = أبدًا ولا أنا بالزخارفِ مغْرَمُ
فمكثتُ والأحزانُ تحرقُ مهجتي = والليلُ طالَ ولم أجِدْ ما يُبرَمُ
والحبُّ لايخفى ، وحبُّ مُحَمَّدٍ = في العُمرِ أسمى مايُباحُ ويُعلَمُ
روحي فِداهُ ومهجتي والقلبُ إنْ = لم يَثْبُتَنْ في حبِّه فسيندمُ
صلَّى عليه اللهُ في عليائه = وعليه صلٌّوا ياكرامُ وسلِّمُوا
فهواه مهوى القلبِ في آنائه = ولسانُ أهلِ الشَّوقِ لايتلعثمُ
هو مَنْ هفتْ لجنابِه أرواحُنا = وحديثُ مشتاقٍ له لايُبْهَمُ
قد سارت الركبانُ والقلبُ انكوى = بيدِ النَّوى يابؤسَه مَن يُحرَمُ
فازَ الذين أتوا مرابع أُنسِه = وبحيِّه نزلَ الكرامُ وخيَّمُوا
واستقبلتْهم في الديارِ نسائمٌ = تحيي القلوبَ وطيبُها لا يُصْرَمُ
فهي الليالي المقمراتُ وذا السَّنى = ملأ الوجودَ فياكرامُ تنعَّمُوا
فاحت بروضته الطيوبُ فأسعدتْ = قلبًا بحبِّ مُحَمَّدٍ يترنَّمُ
شغفتْ نفوسٌ عشقُها لنبِيِّها = والعاشقُ الهادي الورى لايندمُ
فهو الرسولُ المصطفى والمُجْتَبَى = وهو الشَّفيعُ إذا العبادُ تزاحمُوا
فَنَبِيُّنَا فخرٌ لنا لاينقضي = وله المثاني والحديثُ الأقومُ
والمعجزاتُ تردُّ كلَّ مكابرٍ = أمَّا العُصاةُ فجلُّهم يتوهمُ
طوبى لِمَن لبَّى نداءَ نبيِّه = وبربِّه طولَ المدى يستعصمُ
فالبشرياتُ لأُمَّةٍ لمَّا تجدْ = غيرَ الحبيبِ لمجدِها يتقدمُ
بِفَمِ الزمانِ وإن تجاهلَ اهلُهُ = ياءُ النِّداءِ لدينه فِلْيَفْهَمُوا
هو رحمةُ اللهِ الكريمِ لِمَنْ بَرَا = ونجاتُهم يومَ اللقا إنْ أَسْلَمُوا
في طيبةِ الأنوارِ هَلَّ بروضةٍ = فيها السعادةُ والمَدارُ القَيِّمُ
هامَ الفؤادُ بذلك المَغْنَى وهل = في حبِّ ساكنِه يُلامُ المُغْرَمُ !
قلبٌ رماهُ الشَّوقُ بالسَّهم الذي = بظلالِ طيبِ زمانها يَتَنَعَّمُ
يطوي مواجعَه وقد طالَ النَّوى = ومن الفراقِ أخو الهوى يتألَّمُ
ويكادُ والحسَرَاتُ ضَجَّ حسيسُها = والصَّدرُ من وهجِ التَّلَهُّبِ يَكْتُمُ
لم يُصغِ يومًا للذين تبادلُوا = أمرًا يُقالُ وعنه لمَّا يعلمُوا
فلرؤية المختار في طيفٍ سرى = قلبٌ عن السُّقيا له لايُفطَمُ
هي صفحةُ الإيمانِ قد مُلِئَتْ هدى = وسواه لايَرْضَى البديلَ مُتَيَّمُ
فحقيقةٌ زهراءُ تملأُ صدرَه = ولعلَّ شانئَ زهوِها لايفهمُ
أمَّا التَّوَلُّعُ فالسَّعادةُ كلُّها = ولعلَّ عُمْرًا في يديْها يُخْتَمُ
لمَّا هفا طيفٌ ولاحَ لأعيني = حيَّاهُ وجهٌ بالمحبةِ يبسمُ
قد عاشَ مشتاقا لبدرٍ قد بدا = يلقاه قلبي بالولاءِ فَيَغْنَمُ
هو ذلك القمرُ المنيرُ بكونِنا = وهو الحريُّ بخيرِه والمَغنَمُ
وهو الذي سمَّاهُ ربُّ العرشِ في = قرآنِه وبه الشَّرائعُ تُخْتَمُ
وهو الحريصُ على العبادِ وكم مشى = لهدايةٍ لَهُمُ ومنهم أحجمُوا
بالمؤمنين هو الرحيمُ كما أتَتْ = في الآيِ تُتْلَى والرؤوفُ بِهِمْ هُمُ
هي شدوُهم في كلِّ آنٍ لم يزلْ = وبفضلِها طوبى لهم فَلْيَعْلَمُوا
فهو الحبيبُ وليس يفنَى حبُّه = وبحبِّه آناؤُنا تَتَرَنَّمُ
أيامُه البيضُ الحِسانُ تلألأتْ = برحابِنا أنوارُه والأنْجُمُ
من يومِ بعثَتِهِ الكريمةِ غرَّدَتْ = آفاقُنا والسَّعدُ فيها يَنْظمُ
وبحبِّهِ ابتدأ الزمانُ جديدَه = فيه الرسالةُ والبيانُ الأقومُ
زهتِ المغاني يومَ وافى طيبة = وصحا لوحيِ للنبيِّ النُّوَّمُ
واستبشرَ الأنصارُ يوم قدومه = واستاءَ مثبورُ الرؤى ومجمجمُ (2)
وإليهِ قلبٌ للمُحِبِّ قد احتفى = فأتى إلى أفيائه يتنعَّمُ
وعليه بارئُنا يصلِّي دائمًا = وله المكانةُ والمقامُ الأعظَمُ
وبسورة الأحزابِ أنزلها وقد = عَلِمَ الصلاةَ عليه مَن لايعلَمُ
خسئ الذي يؤذي الحبيبَ وإنَّه = يُسقَى وإنْ أزجى أذاه العلقمُ
والحاقدون المفترون أذلَّةٌ = مهما تمادوا في السَّفاهةِ إذْ عَمُوا
يخزيهمُ الباري الجليلُ فشأنهم = بين البريةِ تافهٌ ومُذَمَّمُ
فالخُسْرُ في الدَّاريْنِ ذاك جزاؤُهم = ومآلُهم يوم النشورِ جهنَّمُ
فالحقدُ فيهم داؤُه ، ودواؤُه = منهم وفيهم فانتظرهُ فيْهمُ
ماكان للأوباشِ أن يستأنسوا = إلا بما هو في المخازي مُفْعَمُ
ما للسُّلُوِّ مكانةٌ في حبِّه = فاصدعْ به فَمُحِبِّه لايندمُ
قرآنُ ربِّكَ قد هفا لجنابِه = فيه الهُدى وبه المآثرُ تُعْلَمُ
والسُّنَّةُ الغرَّاءُ سِفرُ نُبُوَّةٍ = يجني فضائلَ حُسْنِهَا مَن أسلمُوا
أغنتْ مداركَهم رسالتُه فَمَنْ = رغبَ الصُّدودَ فإنَّه لايفهمُ
هي رحمةٌ للنَّاسِ لو فَقِهَ الذي = أعمتْهُ جفوتُهُ فذاك الأبكمُ
فازَ الذي اتَّبَعَ النَّبيَّ مُحَمَّدًا = وسِواه في وادي الضَّلالةِ يلطُمُ
مَن لامَ حبَّك للحبيبِ فإنه = ذو غفلةٍ وبه العَنَا يَتَحَكَّمُ
إنْ عاشَ دنياهُ التي لمَّا تزلْ = لعبا ولهوًا بل مَداها موسمُ !
ومضى إلى الأخرى بلا حبٍّ له = يُغْنِي ولا عملٍ بتقوى يُبرَمُ
خسرَ الحياتينِ اللتينِ استهوتا = حبَّ النَّبيِّ به المكانةُ تُحْسَمُ
فالمصطفى حِبُّ الإلهِ من الورى = طوبى لِمَنْ بخصالِه يتكلمُ
صلَّى عليه اللهُ جاءَ برحمةٍ = للعالَمين فليس فيها المُبْهَمُ
بابُ الهدايةِ للخليقةِ كلِّهم = وبفضله عقدُ الحقيقةِ يُبرمُ
قد جاءَ بالتوحيدِ للهِ الذي = بَرأ الخلائقَ فانْتَفى ما يُزْعَمُ (3)
فكبت خيولُ الشِّركِ في أرجائها = فالنَّارُ تخمدُ والصَّوامعُ تُهدمُ
والشِّركُ ولَّى والمذاهبُ أقفرتْ = بيداؤُها فيها الهلاكُ مُحَتَّمُ
فالدين عندَ اللهِ دينُ مُحَمَّدٍ = وسِواه لايجدي ولا هو مَغْنَمُ
يابهجةَ الدنيا وخيرةَ أهلِها = إنَّا بحُبِّك في الورى نتكلمُ
وإليك نزجيها صلاة زهْوُها = بادٍ على وجهي إذا نطقَ الفَمُ
والآلِ والصحبِ الكرامِ جميعِهم = وهي المنى فمن الْهَنَا نترنَّمُ(4)