للصَّابرين على المكاره عزَّةٌ
بِيَدِ الفدَا يتوهجُ الصَّمصامُ =ويُرى بوجهِ رجالِه الإعظامُ
تُنْمى إلى الفاروقِ صدقُ عبارةٍ =وبها لدى فرساننا استعصامُ
لأُولي الجهادِ العزُّ فيه رسالةٌ =لِلمجدِ يُعلي ركنَه الإسلامُ
مَن عاشَ بالذُّلِّ المذَمَّمِ عصره =جارتْ عليه بعصرِه الأحكامُ
فالعصرُ عصرُ الغابِ في ساحاته =نالَ الضَّعيفَ بنابه الإعدامُ
فانهضْ أخا التوحيدِ في زمنٍ هوتْ =أصنامُ هذا العصرِ حيثُ تُقامُ
وتبعثرتْ أوراقُهم مذمومةً =ردَّتْ مزاعمَ زورِها الأقوامُ
تجدُ القويَّ المشمخرَّ بمكرِه =شبحًا تميدُ لصوتِه الآجامُ
بالعسفِ والطغيانِ يزأرُ طالما =وجمَ القطيعُ وفرَّتِ الأغنامُ
والناسُ ويح الناسِ في دنياهُمُ =المالُ بابُ الغيِّ والآثامُ
فالفسقُ واللهوُ القبيحُ وما دعا =لخسيسه الطاغوتُ والإعلامُ
مالا رأت عيناك تبصره غدًا =فَلِصَانِعِيْهِ الأمرُ والإبرامُ
والمرجفون حثالةُ الزمنِ الذي =لعبتْ بحبلِ فنونه الأحزامُ (1)
هجموا على القيمِ الأثيرةِ عنوةً =ألِمِثْلِها يُسْتَوجبُ استسلامُ !
هم يأفكون الخلْقَ عن أفضالِها =ولها العلا والفضلُ والإكرامُ
واستنهضَ السفهاءُ زيفَ فسادِهم =في الناسِ فاجتالتْهُمُ الأوهامُ (2)
يرجون ترقيعَ الحضارةِ ويلهم =فحضارةٌ طاشت بها الأحلامُ
وهي المآسي السُّودُ في أحنائها =والبغيُ والأهواءُ والآلامُ
وهي الشعوبُ تململتْ من جمرِها =وبنو الشعوبِ من المكارهِ هاموا
يرجون في الأرضِ الرحيبةِ كُوَّةً =ولهم بها للأنفُسِ استعصامُ
ولهم كما توحي إليهم فطرةٌ =أنَّ الجحودَ لفضلِها استذمامُ (3)
قيمٌ ترفرفُ للسعادة والمنى =رغمَ الجناةِ وبغيِهم أعلامُ
تأبى الركونَ إلى الحضارةِ أفلستْ =فهيَ الزخارفُ فتنةٌ وركامُ
أما الفجائعُ من يَدَيْ رُبَّانها =كالموجِ هاجَ ببحره الإيلامُ
نخبٌ لها خلف الكواليس البغيضة. =. رغبةٌ عنوانُها الإجرامُ
فالدمعُ يجري من عيونٍ قرَّحتْ =أجفانَها الأكدارُ والإرغامُ
واستوطنَ الألمُ الممضُّ قلوبَهم =وطوى بهيجَ الأنفُسِ الإظلامُ (4)
والخلقُ في أمصارهم في حيرةٍ =وتقطَّعتْ في الأسرةِ الأرحامُ
هذا يمينيٌّ وهذي أختُه=وأخوهما بيدِ اليسارِ يُسَامُ !
والأُمُّ ثكلى والصدورُ خضيبةٌ =والدارُ عاثَ برحبِها الأقزامُ
لكنَّه الديَّانُ يدركُ أُمَّةً =فيُعادُ في أبنائها الإقدامُ
وتهبُّ للفتحِ القريبِ رياحُه =فعن البطولةِ ما لهم إحجامُ
عادتْ ليالي الأوفياءِ لربِّهم =والمؤمنون بربِّهم ما ناموا
حثَّتْهُمُ سُنَنُ النبيِّ المصطفى =فهفا إليها الصائمُ القوَّامُ
ولها السَّواعدُ شمَّرتْ عن قوةٍ =يأبى سواها المسلمُ الضرغامُ
في أُمَّةِ الإسلامِ كوكبةٌ لها =عهدٌ مع الباري فليس تُضامُ
إن تنصروا الإسلامَ ينصرْكم إذا =جارَ الطغاةُ وعربدَ الظُّلاَّمُ
وكأنَّ صوتًا للنُبُوَّةِ قد حدَا =في عصرنا فاستيقظَ النَّوَّامُ
واهتزتِ الأرواحُ تحيي نخوةً =فالمسلمون أعزَّةٌ و عظامُ
بل هكذا كانوا ولم يجفلْ لهم =قلبٌ إذا نالتْهُمُ الأيَّامُ
هم جندُ خيرِ الخلقِ ربَّاهم على =حبِّ الفداءِ وما لهم إحجامُ
في العُربِ منهم أُمَّةٌ محمودةٌ =وبجمعِها ماتاهتِ الأفهامُ
وهناك في الأفغانِ فرَّ عدوُّهم =يحمي عقيدةَ أهلِها العلاَّمُ
حملوا كتابَ اللهِ فانتهضتْ بهم =هممٌ فما لشموخها إيهامُ
والموتُ تحت ظلالِ مصحفهم له =نصرٌ يطيبُ وللعدوِّ رغامُ (5)
وَهَنَ الحديدُ ولن تلينَ قناتُهم =وعدوُّهم وَجِلٌ له إحجامُ
هيهاتَ أن تجدَ الذين استعصموا =بوعودِ بارئهم لهم إرغامُ
لم يسجدوا أبدًا لغيرِ وَلِيِّهم =وسِواهُمُ بهوى المذلَّةِ هاموا
فاخرس لحاك اللهُ أنتَ منافقٌ =عاثتْ بظلمةٍ عقلِكَ الأوهامُ
أتظُنُّها كرةً بملعبِ غفلةٍ =يلهو بها الجمهورُ حين تُقامُ
هي كي تودِّعَ قِمَّةً تهفو لها =أرواحُ أجيالٍ فليس تُضامُ !
يفنى الغواةُ وحملُهم هذا الهوى =ولهم به هذا الثبورُ زمامُ
وهناك تلعنُهم جماهيرٌ لها =يومَ الملامةِ حسرةٌ وأُوامُ
سترى الغزاةَ على حوافرِ خيلنا =صرعى تُبعثرُهم غدا أقدامُ
أوما ترى الأبطالَ في وجهِ العدا =ينفون ما قد زيَّفَ الأقزامُ
الحقُّ شرعتُهم فهل يعلو على =نهجِ الشَّريعة في الحياةِ لئامُ !
درعُ الطغاةِ حديدُهم ودروعُنا =من نورِ ربِّ العرشِ ليس تُضامُ
فرسانُنا النُّخَبُ الحفيَّةُ بالتُّقى =ماغيَّرتْهمْ هذه الأيَّأمُ!
وبنوهُمُ ها هم ضياغمُ عزَّةٍ =صفعوا اليهودَ وجُلُّهم أيتامُ
وقْعُ الحجارةِ في وجوه عدوهم =لأشدُّ ممَّا يفعلُ الصمصامُ
سيحررُ القدسَ الشريفَ جهادُهم =فبغيره كلُّ الهُراءِ رُكامُ
والحربُ قائمةٌ فلا من هدنةٍ =يحمي الجناةَ بوكرِها استسلامُ !
للصَّبرين على المكاره : عزَّةٌ =وإن استطالَ الظلمُ والظُّلاَّمُ
ولطلِّ خطبٍ مهلكٍ فرحٌ به =تتحققُ الآمالُ والأحلامُ
طالتْ ليالي الظالمين وإنَّما =طالَ الفسادُ وفاضتِ الآثامُ
فَلْيَسْتَقِم في اللهِ نهجُ حياتنا =وَلْتُهْجَرِ الأهواءُ والأصنامُ
كم قد عبدنا غيرَ بارئنا وكم =فيما جنيْنأ زلَّت الأقدامُ !
هذي هي الأفغانُ تشمخُ بالهدى =إذ ليس في الدِّين القويمِ سَوامُ
والموتُ أكرمُ من حياةٍ ملؤُها .=. النَّزواتُ والإلحادُ والآلامُ
فهي الثلاثةُ أصلُ كلِّ شقائنا =وبشؤمهنَّ الذُّلُّ حيثُ نُضامُ
بئسَ الشيوعيُّون كيف تقلَّبُوا =فهو الضَّلالُ المُرُّ والأوهامُ
تبَّتْ يداهم للضَّلالةِ والعمى =فالقولُ كفرٌ جائرٌ وحرامُ
وجهادُ أهلِ الحقِّ حيَّاهُ العلا =والمجدُ بينَ الناسِ والإكرامُ
مَن يقارعُ بغيَهم وعُتُوَّهم =إلا رجالٌ بالشَّريعةِ قاموا
بذلُوا الحياةَ نفيسَها ورخيصَها =فُهُمُ أُباةٌ بالهدى و عِظامٌ
أشياخُهم عادوا شبابا في الوغى =فلهم على بابِ الفداءِ زحامٌ
قد أيقظَ الأفغانُ أمَّتَنا على =صوتِ الجهادِ وللجهادِ سنامُ
والعيشُ بالتوحيدِ يعلو شأنُه =فالآيُ نورٌ والحديثُ سلامُ
وأرى الجهادَ بصدقِ نيَّاتِ الفتى =ويقينُه بالبيِّناتِ زمامُ
والنَّصرُ من عندِ القديرِ محقَّقٌ =يأتي إذا أوفى الجهادَ كرامُ
فَلْتَلْتَقِ الأفواج إسلاميَّةً =فالجمعُ ركنُ النَّصرِ والإسلامُ
مَن فاته شرفُ الجهادِ بنفسِه =فله جهادٌ بالسَّخاءِ يُرامُ
تُرضَى الدماءُ سخينةً يوم اللقا =والمالُ والدَّعواتُ والأقلامُ
وهو الجهادُ وغيرُه عبثٌ فقم =لا يُرْتَضى للأمَّةِ الإرغامُ
جاهد بنفسِك إن قدرتَ وإنَّما = يُرضي المجاهدَ ربُّه العلاَّمُ
والبذلُ بالأموال دعمًا للفدا =ولمَن لهم بالنَّفرة استعصامُ
المنفقون المالَ في دفعِ الأذى =ولردعِ مَن بضلوعِه الإجرامُ
فلربَّ دينارٍ سينقذُ مسلمًا =لعبتْ بضيقِ حياته الأيَّامُ
ليُعينَ ملهوفًا تشتَّتَ أهلُه =إذْ جارَ حكمٌ ظالمٌ ونظامُ
لم يبق بين يديه إلا روحُه =فبها يجودُ وللقتالِ ضِرامُ
إنَّ الوفاءَ رجالُه يومَ الوغى =ساحُ الجهادِ وللقعودِ فِطامُ
واللهُ مولى المؤمنين وغيرُهم =هيهات لا مولى لهم وإمامُ
والخائنون مع الطغاةِ وجندهم =أبدَا وإن ملكوا فهم أيتامُ
تعستْ نفوسٌ غارقاتٌ بالخنا =ونفوسُ إذلالٍ له ولئامُ
فاستفتِ عاقبةَ الطغاةِ فإنها =شطرُ التَّبارِ رمى عليه الذَّامُ
يامَن تريدُ من الكريمِ مثوبةً =قد حثَّكَ التَّقديرُ والإكرامُ
فابذلْ من المالِ الذي أعطاكَ مَن =تسمو برفعةِ شرعِه الأفهامُ
هذي ميادينُ الجهادِ وهذه =طاعاتُ مَن صلُّوا ومَن قد صاموا
وهي الدليلُ على نجاةِ مَن اتَّقى =ووفاءِ مَن أغناهُمُ الإسلامُ
مَن عاشَ للرحمنِ عاشَ بنعمةٍ =ترجو كريمَ سحابها الأرحامُ
فالمرءُ يشفعُ بعدَ إذْنِ إلهه =للأهلِ والأصحابِ إن هم راموا
والعصرُ عصرُ مجاهدٍ ومجالدٍ =والغافلون لهم به الإحجامُ
والزورُ فيما يعلنون سفاهةً =إذ غابَ عن أرضِ الأنامِ سلامُ
فالحربُ والكيدُ الخبيثُ ولؤمُهم =هي شُغلُهم واللهوُ والإيلامُ
أما الحضارةُ رغمَ كلِّ عطائها =مانال من خيرٍ بها الأقوامُ
أولم ترَ الأقطارَ في بلوائها =ولثكلها جمرُ العزاءُ يُقامُ
والمسلمون القابضون على اللظى =ولدينهم عاشوا الحياةَ وهاموا
فهم الذين استُهدفوا لاغيرهم =بغدادُ ذاقتْ بأسهم والشَّامُ
وبقية البلدان لا يخفى على =أحدٍ مصابٌ نابَها وسقامُ
ضنكى معيشةُ أهلِها في فقرهم =من بعدما سَلبَ الهناءَ عُقامُ
فاسقِ المغاني بُعثرتْ أرجاؤُها =ماءَ المودةِ علَّها تلتامُ
ويضاعفُ الرحمنُ أجرَ مَنِ ارتأى =بذلَ الإخاءِ فيزدهي الإنعامُ
لايُنْقِصُ الأموالَ بذلُ زكاتها =ويحثُّ أهلَ أدائها الإقدامُ
يارب ألهمنا سبيلَ رشادِنا =فلنا بفضلك أوبةُ ومقامُ
وامحقْ ليالي الظالمين وفرِّجَنْ =عنَّا فليس لنا بهنَّ منامُ
للصَّابرين على المكارهِ عزَّةٌ =مافي بيانِ سُمُوِّها إبهامُ
وستنتهي الحقبُ التي قد أظلمتْ =والظلمُ فيه اللؤمُ والأسقامُ
فلكلِّ نفسٍ آمنتْ باللهِ قد =أضحى لها في سعيها إسهامُ
والَّله نسألُ أنْ يفرِّجَ كربَنا =وتعودَ بعدَ أُفولِها الأيَّامُ !
هوامش:
(1) الأحزام : الأحزاب الضَّالة المُضِلَّة ، وقد أخزاها الله جميعا .
(2) واجتالتْهم : واجتالتهم الشياطين: صرفتهم عن هداهم إلى ضلالتها، وأخذتهم بأن يجولوا معها واختارتهم للفسادِ والإفسادِ في الأرض . وفي الحديث الشريف : (خلق الله عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين ) .
(3) استذمام : أفعال وتصرفات تقتضي الذَّم والمهانة ولا تخفى على أحد .
(4)الممض : الألم الذي يُفضي إلى عدم الراحة .
(5) الرَّغامُ : التُّرابُ. ويقال: أَلقاهُ في الرَّغام: أذَلَّهُ وأَهانه.
وسوم: العدد 1098