التكالب على نفط أفريقيا
التكالب على نفط أفريقيا
بدر محمد بدر
العنوان: التكالب على نفط أفريقيا
المؤلف: جون حسين جازفنيان
المترجم: أحمد محمود
الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة
عدد الصفحات: 380
الطبعة: الأولى 2014
يناقش هذا الكتاب دوافع وأبعاد "التحول" الغربي خلال ربع القرن الأخير نحو الاهتمام بالقارة الأفريقية، من زاوية النفط، على الرغم من أن النفط ظهر في هذه القارة البائسة، قبل أكثر من نصف قرن.
ولعل الأوضاع المضطربة في منطقة الشرق الأوسط، الغنية بالنفط والغاز، خصوصًا بعد استخدام البترول كسلاح سياسي عقب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973م، هي التي دفعت بالغرب وأميركا إلى الاهتمام أكثر بالنفط الأفريقي، وبخاصة في منطقة جنوب الصحراء، إلى الدرجة التي دفعت بثلاث من أكبر شركات النفط في العالم إلى إنفاق 80% من ميزانيات التنقيب لديها في القارة السمراء، منذ تسعينيات القرن العشرين.
ومؤلف الكتاب هو صحفي وباحث أميركي من أب إيراني، حاصل على درجة الدكتوراة في التاريخ من جامعة أوكسفورد، ومهتم في أبحاثه وكتاباته بالقارة الأفريقية، ويكتب في عدة صحف أميركية منها: نيوزويك وذي نيشن.
قصة النفط
وعبر مقدمة وسبعة فصول، يتناول الباحث قصة اكتشاف النفط في القارة السمراء، ودور الغرب في صناعته والسيطرة عليه، خصوصًا وأن النفط الأفريقي يتمتع بعدة ميزات، منها: أنه من النوع "الخفيف"، وهو أسهل استخراجًا وتكريرًا من خام الشرق الأوسط "الثقيل" نوعا ما، وأنه كذلك موجود في مناطق بحرية بعيدة عن اليابسة، مما يسهل تعبئته ونقله عبر السفن إلى موانئ أوروبا وأميركا، بعيدا عن المخاوف من سرقته أو الاضطرابات السياسية والحروب في الدول المنتجة له.
ويمتاز نفط أفريقيا أيضًا، من منظور شركات النفط، أن الدول المنتجة له توفر بيئة تعاقدية جيدة إلى حد كبير، عن البيئة التعاقدية لبترول الشرق الأوسط، لأن معظم البلدان الأفريقية يتم التعاقد معها على أساس ما يسمى باتفاقيات الشراكة في الإنتاج، وأخيرًا فإن معظم الاكتشافات الحديثة تمت في دول ليست عضوًا في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وبالتالي لا تخضع للقيود الصارمة على الإنتاج، التي تحددها المنظمة للحفاظ على مستوى الأسعار.
وعلى الرغم من ظهور النفط في أفريقيا بهذه الكثرة في السنوات العشرين الأخيرة، فإن إحدى فضائح هذا الانتعاش تتمثل في أنه خلق فرص عمل في الولايات المتحدة وأوروبا، بأكثر مما خلق في تلك البلدان الأفريقية!
ذلك أن 5% فقط من المليارات، التي يتم استثمارها في مشروعات النفط الأفريقية كل عام، ينفق في تلك البلدان، بينما الباقي يذهب إلى تطوير آلات الاستخراج، وصناعة السفن، ومد خطوط النقل، وغيرها، بينما تظل البيئة المحيطة بإنتاج النفط في وضع شديد البؤس.
نيجيريا البائسة
ويتحدث الفصل الأول عن نيجيريا، باعتبارها نموذجًا للدولة الفاشلة في الاستفادة من الثروة النفطية، على الرغم من ظهور البترول فيها في وقت مبكر، حيث انخفض مستوى معيشة سكانها باطراد، منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1960م، إلى حد أن البنك الدولي يصنفها الآن على أنها واحدة من الدول العشرين، الأكثر فقرًا في العالم، بالرغم من أنها تنتج أكثر من مليوني برميل نفط يوميًا، بل إنها سابع أكبر دول العالم المنتجة للنفط!.
ويعيش 57% من سكان نيجيربا على أقل من دولار واحد في اليوم، وترتفع هذه النسبة إلى 70% في دلتا النيجر، التي يستخرج منها النفط بنسبة 100%، وبعد أن كانت عملتها قوية (ناير كان يعادل 4 دولارات أميركية، فأصبح الـ 4 دولارات تساوي أكثر من ألف ناير).
إنها إذن محصلة لمجموعة من الأمور: الاضطرابات العرقية، والإنقلابات العسكرية، والفساد، وفي النقطة الأخيرة على سبيل المثال كان هناك 33 من حكام الولايات الـ 36 في البلاد عام 2006 يخضعون للتحقيق بتهم الفساد أو غسل الأموال أو غيرها من جرائم المال العام! والخلاصة أن 80% من عائدات النفط والغاز في نيجيريا يعود إلى 1% فقط من السكان!
المرض الهولندي
ويتناول الفصل الثاني صورة أخرى من صور تأثير عائدات النفط سلبا على مدى نجاح إدارة الدولة، وهي حالة "الجابون" التي وجدت نفسها فجأة تحصد مئات الملايين من الدولارات بلا جهد، فأصابها ما يطلق عليه المؤلف "المرض الهولندي"، أي أن البلد- بفضل العائد الضخم الآتي من البترول- تتحول من الإنتاج إلى الاستيراد شبه الكامل من الخارج، ومن ثم الانفاق ببذخ.
وعندما ينخفض الوارد من ثمن النفط تدخل الدولة في أزمة حقيقية، سواء في المنتجات الزراعية أو الصناعية، وعلى سبيل المثال فإن "الجابون" كانت تكتفي ذاتيا من "الموز"، وبعد اكتشاف النفط أصبحت تستورده كاملا من "الكاميرون" المجاورة، إنه نوع من الفشل في إدارة الموارد.
وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن "أنجولا"، وهي نموذج آخر للدول الأفريقية التي تحمل كافة التناقضات، حيث توجد فئة صغيرة شديدة الترف، تتصرف بطريقة لا تتوافق مع كون أغلبية سكان البلاد يعيشون في فقر مدقع، وعشوائيات، وتضخم يصل لأكثر من ألف في المائة في العام الواحد.
وفي عام 2003 كان ثلثا سكان أنجولا يعيشون تحت خط الفقر وهو دولار وسبع أعشار الدولار في اليوم، بل إن واحدًا من بين كل أربعة يكافح من أجل البقاء بأقل من ثلثي دولار في اليوم، وهو المعروف بـ "الفقر المدقع".
ويناقش الفصل الرابع الأوضاع الأكثر سوءًا في غينيا الاستوائية، وهي أوضاع يصفها المؤلف بأنها "محاكاة ساخرة لحكم اللصوص، يحكمها رجل قتل عمه (منذ 35 عامًا) ليصبح رئيسًا، وهو متهم بكل شيء يتعلق بالفساد وغسيل الأموال.
وعلى الرغم من أن دخل الفرد في هذا البلد يبلغ 6200 دولار، وهو من أعلى الدخول في أفريقيا، فإن غالبية مواطني غينيا الاستوائية غير متعلمين ويعانون من سوء التغذية، ويعيشون في عشوائيات عفنة، كريهة الرائحة، بلا ماء ولا كهرباء!.
نموذج مختلف
وفي الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن نموذج مختلف قليلاً عما سبق، وهو دور النفط في "ساو تومي"، تلك الدويلة الصغيرة التي احتلها البرتغاليون حتى عام 1975م، ولا يزيد عدد سكانها عن 200 ألف نسمة، وربما يكون حاضرها أفضل قليلاً من النماذج السابقة.
وقبل بضع سنوات كان البعض يمتدح جمهورية تشاد- وهي حالة ميئوس منها تجمع بين الحرب والجوع والكراهية القبلية- باعتبارها "نموذجًا" لإدارة الموارد النفطية الناجحة في بلد أفريقي، وعلى الرغم من كون تشاد واحدة من أفقر الأماكن على ظهر الأرض، وأكثرها فسادا ووحشية، فقد كانت ستمد خط أنابيب، وتثبت لأفريقيا أن النفط يمكن أن يكون نعمة لا نقمة بالنسبة للدولة وشعبها، فهل نجح ذلك؟ بالتأكيد لا.
ويتحدث الفصل السادس بتفصيل أكثر عن جمهورية تشاد، والتي تقوم- كما يقول المؤلف- على نوع من السيادة المرسومة بشكل فج والمتنازع عليها من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وربما من الداخل أيضًا.
هذه الدولة، الواقعة على بعد مئات الأميال في أي اتجاه من محيطات العالم الكبيرة، عبارة عن مأساة حارة وخانقة ومهملة لدولة تحتل باستمرار قاع كل مؤشرات التنمية البشرية، في حين تبلغ مساحتها ضعف مساحة فرنسا، ويعيش ثلاثة أرباع السكان بأقل من دولار في اليوم (الفقر المدقع)، ويمزقها العنف العرقي والديني، وهو ما يجعل موارد النفط- مع الأسف- أداة لإزكاء الصراع بدلاً من التنمية.
الصينيون قادمون
وتحت عنوان "الصينيون قادمون.. ولكن من الذي لن يأتي؟" يتحدث الفصل السابع والأخير عن الحضور الصيني في القارة الأفريقية، من خلال زيادة التبادل التجاري مع معظم دول القارة في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يعزز قدرة الصين على المنافسة بقوة في استخراج النفط مع الشركات الغربية.
وهناك أيضا دور متزايد للهنود والماليزيين، بل والبرازيلين، وأصبح هناك تنافسًا دوليًا واضحا على ثروة أفريقيا النفطية، فهل تنجح هذه المنافسة الدولية في تحسين أحوال ساكني القارة السمراء إقتصاديًا وسياسيًّا واجتماعيا، أم أن بقاء هذه الأوضاع السيئة هو جزء من حرص الغرب على "استغلال" ثروات القارة، بعيدا عن أسس العدالة؟!