البعد الإنساني في الرسالة الإسلامية(3)

البعد الإنساني في الرسالة الإسلامية(3)

عدنان سعد الدين

الفصل الثالث

الإسلام والحريات

من إعجاز الإسلام أنه نص على المبادئ الثابتة التي لا تتغير على مدى العصور والأزمان، وقرر القواعد الأساسية لتنظيم الحياة التي تصلح لكل بيئة ومجتمع. وأنه تلافى بذلك الخوض بالتفصيلات والجزئيات تاركاً إياها لذوي الدين والحجا والعلم والفقه كي يحققوا مرادهم منها بالاستنباط حيناً طبقاً لمضمون الآية الكريمة: {ولو ردُّوه إلى الرسول وإلـى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}([1])، أو بالاجتهاد حينـاً، كما جاء في الحديث الشريف الخاص بإرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن عندما أجاب معاذ على سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يحكم، فقال: أحكم بالكتاب ثم بالسنة، ثم أجتهد رأيي ولا آلو ـ لا أقصر ـ([2]).

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في الأشياء الإباحة، فإذا كانت مساحة المفروضات محدودة، وكذا دائرة المحظورات، فإن ساحة المباحات فسيحة غير محدودة، تنشط في ساحتها الاجتهادات، ويزدهر الفقه، وتنضج الأفكار، وتصدر الفتاوى والأحكام، وتقدم الحلول التي تعالج شؤون العصر، وما تفرزه الحياة والمجتمعات من قضايا ومشكلات، {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون}([3]).

الحرية مبدأ إسلامي

وتأتي حرية التدين في مقدمة الحريات الفردية كما أشير إلى ذلك من قبل، وتحترم هذه الحرية بصورة تامة، ويمنع الإكراه في الاعتقاد منعاً مطلقاً بكل صوره وأشكاله، سواء أكان هذا الإكراه ماديـاً أم معنوياً أم غير مباشر، (فقد أراد صحابي من الأنصار أن يكره ابنين له على الإسلام، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك)([4])، وجاءت امرأة عجوز إلى عمر بن الخطاب تطلب منه بعض الحاجة، ولم تكن مسلمة، فدعاها عمر إلى الإسلام فامتنعت، فخشي الفاروق أن يكون قد أعنتها بما طلب، فاتجه إلى ربه ضارعاً وقال: اللهم إني لم أُكْرِهْها([5]). بل إن الإسلام عمل على حماية عقيدة الذين يستظلون بظله، أو يعقدون معه عهداً، أو لا يثيرون عليه حرباً، وسهَّلَ لهم القيام بشعائرهم.

يروى أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عندما ذهب ليعقد معاهدة السلام والأمن مع القائمين على إيليا ـ القدس ـ أرى حذفها حتى لا يُربط بين هذا الكلام، وبين ما يزعمون عن الهيكل المزعوم. في هذه الرحلة، وفي أثناء زيارته للأقصى وكنيسة بيت المقدس حضرت الصلاة، فأداها عمر خارج الكنيسة، فقيل له: ألا تجوز الصلاة فيها؟ فأجاب: خشيت أن أصلي فيها، فيتخذها المسلمون من بعدي مسجداً، فأي حماية للحرية الدينية أقوى من هذه الحماية([6]).

حرية الاعتقاد

لم يلبث الإسلام بعد أن استقر وانتشرت تعاليمه بين الناس حتى قرر ـ فيما يخص حرية الاعتقاد ـ ثلاثة مبادئ هي أرقى ما وصلت إليه التشريعات الحديثة وبلغته البشرية من حرية الأديان والمعتقدات.

1- لا يرغم أحد على ترك دينه واعتناق الإسلام، بل كان المسلمون يحمون أهل الديانات الأخرى ضد أي اعتداءٍ أو إكراه، ويحترمون عقائدهم وشعائرهم ومعابدهم.

2- حرية المناقشات الدينية، فقد وجَّهَ القرآن الكريم المؤمنين بالتزام جادة العقل والمنطق، وقرع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن}([7])، {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}([8])، {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}([9])، {قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا}([10]).

3- نهى عن تقليد الآباء دون علم أو دليل، فالإيمان الصحيح ما كان منبعثاً عن اقتناع ويقين([11]).

لقد حدد القرآن الكريم مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في صدد دعوته الناس إلى الهدى، وأنه ليس ملزماً بهدايتهم إلى حظيرة الإيمان: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}([12]) بل يدعوهم بالدليل والبرهان، وبالأسلوب الذي يؤلف به النفوس ويلامس به شغاف القلوب([13])، فالعقيدة لا يمكن ولا ينبغي الإكراه عليها، بل لابد من الاقتناع والرضا: {لا إكراه في الدين}([14])، {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}([15]).

4- أماكن العبادة للديانات الأخرى محترمة ومصونة، يجب الدفاع عنها وحمايتها في ظل الحكم الإسلامي، أو في المجتمع الإسلامي، كحماية مساجد المسلمين سواء بسواء {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً}([16]).

5- لا ينبغي أن يكون الاختلاف في الدين سبباً أو باعثاً على الاقتتال وشن الحروب، أو أن يقتل بعض الناس بعضاً، أو أن يعتدي أهل عقيدة على من يخالفهم في معتقدهم، بل يجدر بهم أن يتعاونوا على فعل الخير ومكافحة الشر، {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}([17]).

6- التفاضل بين الناس في الحياة وعند الله يكون بمقدار ما يقدم الإنسان للناس من معروف وبر، ومن نفع وخير، فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله([18]).

7- إذا انتصر المسلمون على المعتدين في وطنهم أو حريتهم أو إيمانهم، لا ينبغي أن يكون ذلك باعثاً أو مسوِّغاً للانتقام منهم فيما يخص إيمانهم أو معتقدهم، بدعوى أنهم كانوا ينالون من حريتنا الدينية أو عقائدنا الإيمانية.

هذه قطوف من مبادئ الحريات الفردية والخاصة، ومن ألوان التسامح الديني في الإسلام التي قامت عليها الحضارة العربية الإسلامية، والتي توجب على المسلم أن يؤمن بأنبياء الله ورسله جميعاً، وأن يذكرهم بالإجلال والاحترام، وأن لا يتعرض لأتباعهم بسوء، وأن يكون معهم حسن المعاملة، رقيق الجانب ليّن القول، يحسن جوارهم، ويقبل ضيافتهم ويصاهرهم، ويحمي أماكن عبادتهم. ويتجنب التدخل في عقائدهم، ويسوسهم بالحقوق والواجبات العامة، وأن تصون الدولة كرامتهم وحياتهم ومستقبلهم، كما تصون كرامة المسلمين وحياتهم ومستقبلهم([19]).

وربما كان من المفيد الإشارة أو التنويه إلى أن التوحيد الذي هو أساس العقيدة يحرر المؤمن من كل رهبة يملأ بها الطواغيت قلوب الناس، ويذلون بها أعناقهم، فيحمي التوحيد بذلك حرية الإنسان أن يسلبها باغٍ أو ظالم، ويحرم على المسلم أن يطأطئ رأسه أو يذل هامته أو أن يصبر على سلب حريته من قبل إنسان أياً كان على الإطلاق، لأنها تكون عبودية زائفة وخضوعاً للباطل([20]).

الحريات الشخصية

لقد بلغ حرص الإسلام على صون الحريات الخاصة وعدم المس بها إلى أبعد مدى، فالإسلام شرع أحكاماً صارمة ترمي إلى حفظ الإِنسان في ماله وعرضه وكرامته ونفسه وعقله ونسله ومسكنه وسمعته في غيبته من أن ينم أحد عليه أو يذكره بما يسوؤه، بل إن الإسلام يهدر دم من يعتدي على الإنسان في ماله أو دمه أو عرضه، كما حرم الإسلام التجسس على الإنسان من وراء حجاب أو التنصُّنت عليه أو التلصص عليه من ثقب الباب، فإن ذلك يعرض عين المتجسس إلى إيقاع الأذى بها، يقول الفقيه الشيخ عبد الوهاب خلاّف: إن الحرية الشخصية معنى مُكَوَّن من حريات عدة، وهي: حرية الذات وحرية المأوى وحرية الملك وحرية الاعتقاد وحرية الرأي وحرية التعليم، ففي تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحقوقه الشخصية وحرياته الفردية العديدة التي من أبرزها:

حق الحياة، فقد رفع الله منـزلة الإنسان على كثير من خلقه، وكرَّمه في ذاته، وسخَّر له ما في السموات وما في الأرض لصالحه، وأخضع له الحيوان وغيره لخدمته. {ألم تروا أن الله سخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض}([21])، {وسخَّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخَّر لكم الأنهار، وسخَّر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار}([22]).

واعتبر القرآن إزهاق الروح جريمة ضد الإنسانية كلها، وعد إنقاذ النفس البشرية وحفظها من الهلاك إنقاذاً للإنسانية كلها، {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}([23]). وإشعاراً بقداسة حق الحياة يقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام بيت الله ويقول (للكعبة): ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، دمه وماله([24]).

فالمسلم وغير المسلم والحر والعبد والرجل والمرأة كلهم سواءٌ في حق الحياة وحقن الدماء، فالاعتداء على أهل الكتاب مساوٍ للاعتداء على المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة([25]).

صيانة حرية الفرد: لقد أحاط الإسلام حرية الفرد بهالة من الرعاية والحفظ كي لا يمسها الآخرون أو ينالوا منها بضغط أو إرهاب أو تخويف، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الرجل بمأمون على نفسه إن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه، فالإسلام يحفظ للمسلم دمه فلا يهدر، ويحفظ ماله وملكه فلا يصادر، ويحفظ له كرامته فلا تهان. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يأخذ عصاً من أخيه إلا بطيب نفس منه. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الظلم أظلم، فقال: ذراع من الأرض ينقصها المسلم من حق أخيه المسلم)([26]). وفي هذا السياق تعتبر خطبة الوداع أقدم وثيقة لحقوق الفرد في التاريخ، فهي أول بيان من نوعه يتعهد فيه الحاكم لرعيته بأن الدولة مسؤولة عن صيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم([27]). وعندما اشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم تحامل على نفسه، وقام في المسجد، وقال: من جلدت له ظهراً فهذا ظهري، فليستقد مني، ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني([28]). إن مطالبة الفرد بحقه والدفاع عنه يبلغ حد اعتبار ذلك جهاداً وفريضة على كل مسلم، ومن قتل في سبيل ذلك فهو شهيد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومَنْ قُتل دون دينه فهو شهيد، ومَنْ قُتل دون مظلمته فهو شهيد)([29]). سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا رسول الله: أرأيت إذا أراد رجل أن يأخذ مالي؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تعطه، قال: إذا قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار([30])، وفي ذات يوم كان عمر بن الخطاب في إحدى جولاته فرأى في البادية امرأة على معصية، فاستشار أصحابه في حكم الدين، وقال لهم: ما رأيكم لو أن أمير المؤمنين شاهد امرأة أو رجلاً على معصية، أتكفي شهادته لإقامة الحد؟ فقالوا له وعلى رأسهم علي: يأتي بأربعة شهداء، أو يجلد حد القذف، شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين.

فأين الثورات والأيديولوجيات البشرية من هذا؟ فالثورة الفرنسية قتلت أعداءها، ثم أكلت أبناءها، والثورة الشيوعية قتلت النبلاء والإقطاعيين والرأسماليين والبرجوازيين، ثم أعدمت كثيراً من قياداتها وأنصارها من أبناء العمال والفلاحين!!!([31])

الحريات العامة

الحريات العامة ذات فضاءات رحيبة وآفاق وسيعة، تشمل العمل السياسي، وحرية الرأي، وحق المعارضة، وحرمة المراسلات، وإجارة المنفيين أو المطاردين من بلدانهم. وبكلمة موجزة، فإن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولم يدع شاردة أو واردة من مبادئ الحريات واصطلاحاتها المعروفة في العصر الحديث أو علم السياسة أو حقوق الإنسان إلا ذكرها وسبق إليها، والمواطن يمارس هذه الحريات دون حواجز أو عوائق تتحكم في مفاصل الحياة العامة وفي المجتمعات الأخرى، لقد أشاع الإسلام المساواة بين الناس، وألغى وحرّم التفرقة العنصرية أو التمييز العرقي أو التمايز الوراثي، وحذر من الأخذ به أو التفريق بين الناس على أساسه، {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات، فأتمهن، قال: إني جاعلك للناس إماماً، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين}([32]).

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)، وقال: (يا فاطمة بنت محمد: لا أغني عنك من الله شيئاً)([33]). كما حرم الإسلام التمييز الطبقي وصراعاته التي شاعت في المجتمعات القديمة، وأكد عليها أفلاطون في جمهوريته، ونصت عليها دساتير وقوانين البلدان الاشتراكية والشيوعية، وعرفتها المجتمعات الرأسمالية كأمر واقع دون نصوص، فكانت المعاناة منها قاسية ومنهكة لأعداد كبيرة من الشعوب، إن لم تكن لشعوب بأكملها. ثمة أنظمة قعَّدت هذه التفرقة القبيحة وقننتها، فقسمت الشعب إلى مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية طبقاً للنظريات والأيديولوجيات الخاطئة.

من حق المواطن في ظل النظام الإسلامي أن يصل إلى جميع المناصب والمواقع في الدولة والمجتمع، كنتيجة لإلغاء الفوارق العرقية واللونية والإرثية والطبقية، فجاء تكافؤ الفرص تحصيل حاصل، وثمرة دانية القطوف للجميع دونما استثناء، وأتاح في المجتمعات الإسلامية الراقية التي التزمت بهذه التعاليم وطبقتها بدقة تامة تحرير الرقيق، وبلوغ أعداد كثيرة منهم درجات عالية في الفقه والفكر والعلم والقضاء، وكثيراً ما مَثُلَ الخليفة أو الوالي أو قائد الجيش أمام القاضي الذي خلع عنه الإسلام ربقة العبودية، ليصدر حكمه النافذ على هؤلاء، فيذعنون له راضين غير كارهين، وترسيخاً لمبدأ تكافؤ الفرص وتأكيداً عليه، جاءت التعاليم النبوية واضحة صارمة، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (من استعمل رجلاً على عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين) ، ويقول الرسولصلى الله عليه وسلم: (إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)([34])، ويقول: (من ولي من أمور الناس شيئاً، فولّى عليهم أحداً محاباة أو لقرابة، وهو يعلم أن فيهم من هو أصلح منه، فليتبوأ مقعده من النار). وتدخل في إطار الحريات العامة:

1- الحرية السياسية

لا تكون الحرية السياسية متاحة أو مأمونة، ما لم تكن السلطات أو الأنظمة مقيدة بضوابط دستورية وقانونية وقيم مقننة، والتزامات محددة وواجبات يناط بالسلطة أداؤها، وإلا كانت الحرية السياسية من باب الدعاية الإعلامية التي تُحسِّن بها السلطات صورتها، وتضلل بها المراقبين لسياساتها، في داخل الوطن وخارجه، كما هو الحال في معظم الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث.

جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)([35]) ويقول: (من غشنا فليس منا)([36]). إن هذا الكلام النبوي الكريم الشديد الواضح، يبقى لدى كثير من الأنظمة والحكومات للتبرك دون أن تكون له صلة بالواقع، مثله كمثل الذين يرفعون الآية الكريمة: {وأمرهم شورى بينهم} عند مدخل البرلمان ومجالس الأمة والشعب التي ليس لها من الأمر شيء، وإنما هي غطاء لأشد ألوان الاستبداد والظلم والحكم المطلق، مالم تأخذ هذه التعاليم القرآنية والنبوية طريقها إلى التنفيذ بالأدوات القانونية والنظامية الفاعلة، وما لم يرفع ميزان العدل في المجتمع ليشمل الراعي والرعية، أو السلطة والشعب تنفيذاً لأمر الله في كتابه: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق، لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً}([37]).

ولشدة حرص الإسلام على إنصاف الناس، وتطبيق العدل بينهم وعليهم، وتأمين حقوقهم وحاجاتهم وأسباب معيشتهم، اعتبر القرآن يهملون الأيتام ولا يقومون بأودهم، ولا يرعون المساكين في طعامهم وأسباب معيشتهم كالذين يكذبون باليوم الآخر ولا يؤمنون بالحساب {أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدعُّ اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين}([38]).

ثم أوضح الإسلام بجلاء أن العبادة ليست مقتصرة على الصلاة والصوم والحج وسائر العبادات فحسب، وإنما جوهرها وفي الأولويات من سُلَّمِها: العدل والإنصاف وإحقاق الحق في المجتمع، ولكل أفراده دونما استثناء بسبب من الكره أو الشنآن.

في هذه الأجواء أو الأوساط التي تسودها العدالة والإنصاف وإحقاق الحقوق وإسعاف الجميع، يستطيع المواطن أن يمارس حقوق السياسة، فيجهر بالحق، ويعترض على الخطأ ـ أي يملك حرية النقد ـ التي هي في نظر الرسالة الإسلامية جهاد وفريضة على كل مواطن، أو هي من فروض الكفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ([39])، وفي مقابل ذلك فإن المداهنة والتملق والنفاق وتزيين الباطل بدوافع بخسة، هي إيذان بانتهاء الدور الرسالي للأمة، ينذر بزوالها وأفول نجمها، يقول نبي العدل والرحمة: (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم إنك ظالم فقد تُوُدِّعَ منها)([40]).

وترسيخاً لهذه الأسس وتلكم الدعائم، وضماناً لاستمرار هذه الأجواء التي تسودها الحرية والعدالة والإنصاف والتحرر من الخوف، يحذِّر من أرسله الله رحمة للعالمين ذوي السلطان من ممارسة الضغوط على عباد الله، من تخويف أو ترويع أو تعذيب أو كبت أو سجن أو تضييق عليهم في الرزق وأسباب المعيشة، فيقول: (لا يحق لمسلم أن يروِّع مسلماً، إن روعة المسلم ظلم عظيم)([41])، ويقول: (إن الله يعذِّب الذين يعذِّبون الناس في الدنيا)([42])، ويقول: (من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)([43])، ويقول (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق، أخافه الله يوم القيامة)([44])([45]).

2- الحرية الفكرية:

كان المسجد كل شيء في حياة المسلمين، إنه دار للعبادة، وساحة للقضاء، ومدرسة للتعليم والتوجيه، ومقر للأنشطة الاجتماعية كإبرام عقود الزواج، وملتقى للمسلمين خمس مرات في اليوم، ومنتدى للحوار حول أخطر الأمور في الشؤون العامة، كالبت في مصير الأراضي التي دخلها المسلمون في العراق وغيره. من المسجد كانت تصدر توجيهات الخليفة في شؤون الحرب والسلم، وفي أمور الإصلاح والنصح، فكلما حزب المسلمين أمر ذو بال كالاستنفار العام والالتحاق بالجبهة، نودي: الصلاة جامعة، فيُهرع الجميع إلى المسجد، ليستمعوا إلى توجيهات الخليفة وتعليماته التي يلقيها من فوق منبر المسجد النبوي الشريف.

في هذه الحياة المستقرة والمزدهرة، حدثت حوارات عجيبة وغير مسبوقة في تاريخ الإنسان من حيث الجرأة والصراحة وحرية الفكر، إذ كان لأي فرد من أفراد المجتمع الحق في مناقشة الخليفة والرد عليه، وتفنيد ما يصدر عنه من قرارات وتوجيهات، وكان الحوار يشمل جميع الأمور العامة منها والخاصة، فكان المسلمون يسألون الخليفة عن أحواله المعيشية ذات الصلة بالمأكل والملبس، وكان الخليفة يحرص على سماع النصح، بل كان يشجع عليه، حرصاً منه على تنبيه المسلمين له إذا غفل، وتذكيره إذا سها، كيلا يشغله شاغل الحكم عن إنصاف الناس، والعدل بينهم، وقضاء حاجاتهم، وتلبية متطلباتهم. فالمرأة المسلمة تراجع الخليفة بشأن المهور، فيأخذ برأيها، ويتراجع عن رأيه، والخليفة يهيب بالمسلمين أن يكونوا على درجة عالية من اليقظة والمراقبة، فيسألهم قائلاً: كيف أنتم إذا فعلت برأسي هكذا وهكذا، كناية عن الإهمال والعوج، فيجيبه أحدهم على ملأ من الجموع الذين يغص المسجد بهم: نفعل لك بحد السيف هكذا وهكذا، فيقول الخليفة إياي تعني؟ فيأتيه الجواب: نعم إياك أعني، ويكرر الخليفة السؤال مرات ثلاثاً، ويتلقى الإجابة نفسها، حتى إذا بلغت اليقظة والترقب الغاية، ألقى الخليفة الراشد في رُوع المحتشدين القول الفصل لتلتزم الأمة جمعاء به: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقَوِّم عمر بسيفه إذا اعوج.

هكذا كان شأن المسلمين في العهد الراشدي، وفي فترات من عصور الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ثم تراجعت هذه الظاهرة الزاهية في حياة المسلمين السياسية والفكرية، بل تلاشت ليحل محلها الاستبداد والطغيان من معظم الحاكمين، والخضوع والنفاق من جمهرة كبيرة من المواطنين.

وبالرغم من ذلك تبقى النصوص والتعاليم الإسلامية واضحة كفلق الصبح في ضمان حرية الفكر للمسلمين وللمواطنين، فقد منح الإسلام كل فرد الحق في إبداء رأيه والإعراب عما يقتنع به، وجعل من أبرز سمات المؤمنين جهرهم بما يرون. دون أن تأخذهم في الحق لومة لائم، فقد ظل مبدأ الحرية الفكرية مرعياً في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وكانت حرية الرأي مكفولة ومحوطة بهالة من القدسية، حتى إننا لا نعثر، في هذه المرحلة الذهبية التي تمثل مبادئ الإسلام أصدق تمثيل، على أية محاولة للحجر على الآراء أو التضييق عليها أو الإشاحة عن سماعها والأخذ بها أو الاستفادة منها([46])،

فحرية الفكر، وحرية الخطابة، وحرية البحث العلمي، التي يزعم بعض المعاصرين أن الغرب قد سبق إليها، قد قررها الإسلام في أكمل صورها وأوسع نطاقها قبل أن يأخذ بها الغرب بألفِ ومائتي عام([47]).

ويتبع حرية التفكير الحرية في إبداء الرأي سواء أوافق الآخرين أم خالفهم، لا يهاب صاحبه ولا يوجل، لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولو كلفه في بعض الأحيان جهداً وابتلاءً، فعن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر، وفي المنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان، وعلى أن نقول الحق أينما كان لا نخاف في الله لومة لائم([48]). وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أن عليه مقالاً، ثم لا يقول به، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى([49])، كما اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الساكت عن الحق شيطاناً أخرس، فيقول: لا يكن أحدكم إمعة، يقول إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إذا أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم([50]).

لقد رفع الله مقام الذي يجهر برأيه في سبيل الحق بين يدي الولاة والسلاطين الذين يظلمون الناس إلى أعلى مراتب الشهداء، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أكرم الشهداء على الله عز وجل رجل قام إلى والٍ جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر)([51]).

كتب أبو يوسف خطاباً إلى هارون الرشيد، أورده في مقدمة كتابه ـ الخراج ـ قال فيه: فلا تلق الله غداً وأنت سالك سبيل المعتدين، فإن ديان يوم القيامة إنما يدين العباد بأعمالهم، ولا يدينهم بمنازلهم([52]).

3- اللجوء السياسي

اللجوء السياسي قديم في التاريخ الإنساني، أخذ به الإغريق، وجعلوا من أماكن العبادة ملاذاً آمناً للذين يطلبون الحماية، وكذلك فعل الرومان، ثم حدد الكاثوليك أعمدة مخصصة يقبض الهارب عليها كي تشمله الحصانة الكنسية([53]).

في العصر الحديث ظهر مفهوم اللجوء السياسي في القرن السادس عشر، وفي عام 1794 أخذت فرنسا كأول دولة أوربية بمبدأ عدم تسليم اللاجئين السياسيين، ووقعت اتفاقيات بهذا الخصوص مع سويسرا عام 1832م، ومع بلجيكا عام 1834، ثم أقر مجمع القانون الدولي في أكسفورد مبدأ عدم جواز تسليم اللاجئين السياسيين عام 1870م([54]).

أما الإسلام فقد اعتبر ـ منذ ظهوره ـ أن حق الإنسان المضطهد في اللجوء إلى مكان آمن ينعم فيه بالحرية والاستقرار من الثوابت التي أقرتها الشريعة السمحاء، وبينت أحكامها من خلال عقد الأمان المنصوص عليه في القرآن والسنة والإجماع([55]).

ورد في الكتاب العزيز قول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}([56])، وجاء في الحديث الشريف: (أن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت ابن هبيرة، فاعترض على ذلك، ونازعها في هذا أخوها علي رضي الله عنه، فرفعت أم هانئ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرها على ذلك وقال لها: لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)([57]). كما أقر الفقهاء هذا الحق الإنساني لمن يستجير بالمسلمين، يقول ابن المنذر النيسابوري شيخ الحرم في المبسوط: وأجمعوا على أن أمان المرأة جائز، ونقل النجفي إجماع المسلمين على مشروعية منح اللجوء من قبل العبد، كما ذهب محمد بن الحسن وأكثر المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية إلى أن أمان العبد جائز، فيكون أمان الرجال تحصيل حاصل ومن باب أولى([58]).

والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في هذا الشأن كثيرة، والكتب التي عالجت هذا الموضوع عديدة يأتي في مقدمتها كتاب أحكام الذميين للدكتور عبد الكريم زيدان، وكتاب غير المسلمين في المجتمع الإسلامي للدكتور يوسف القرضاوي، وكتاب حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية للأستاذ المودودي.

وإذا كان حق اللجوء السياسي في القانون الدولي مصطلحاً جديداً، فإنه في الاصطلاح الفقهي الإسلامي قديم تحت مسمى آخر هو عقد الأمان الذي جاءت تعريفات الفقهاء عنه بصيغ كثيرة، منها تعريف ابن عابدين للاجئ السياسي الذي يشمله عقد الأمان: إنه (أي اللاجئ السياسي) من يدخل دار غيره بأمان مسلماً كان أم حربياً([59]).

فالشريعة الإسلامية تخطت الأهداف التي أقرتها الأمم المتحدة في حماية اللاجئين وسبقت القانون الدولي بحوالي اثني عشر قرناً، لأن المسلمين لم يكتفوا بإعطاء المستأمن حق اللجوء وما يتفرع عنه من حقوق، بل زادوا على ذلك، وأوجبوا على أئمتهم حق النصرة للمستأمنين، فمن حق المستأمن ـ اللاجئ السياسي ـ الحماية والنصرة والإقامة في أقاليم الدولة الإسلامية، وحق التنقل بحرية، وحقه في استقدام أسرته وأولاده، وحقه في العودة إلى بلده، وحقه في أن يرث ويورث، وحقه في العمل والتجارة، وحقه في استخدام لغته وممارسة شعائره الدينية واللجوء إلى القضاء، وإذا غادر اللاجئ السياسي ـ المستأمن ـ دار الإسلام أو مات خلال فترة اللجوء تحفظ حقوقه وأمواله لورثته سواء أكانوا في دار الإسلام أم كانوا خارجها([60]).

ويأتي بعد ذلك وتبعاً له الوفاء بالعهود مع الأفراد من المواطنين، ومع المستأمنين، ومع الدول والحكومات التي يعقدها المسلمون، ليبقى حق الإنسان مصوناً ومحفوظاً ليس في حياته وحريته وكرامته فحسب، بل وفي الوفاء له بكل ما أبرم معه، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم الموفون بعهودهم)([61])، ويقول: (أنا أحق من وفى بعهده)([62])، وقد عقد المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم عهداً على ألا يقاتلوهم ـ أي المسلمون ـ وأن يوادعوهم مدة من الزمن، فذكر له بعض المسلمين أنهم على نية الغدر به، وعلى أهبة أن يقاتلوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفوا لهم ونستعين بالله عليهم)([63])، وكان ينهى عن الغدر بمقدار حثه على الوفاء، وكان يعتبر أعظم الغدر غدر الحكام([64])، ويقول: (لا غادر أعظم غدراً من أمير عامة، ويقول: لكل غادر لواء يوم القيامة، وأكثر لواء غدر أمير عامة)([65]).

4- الحدود وحقوق الإنسان

من المفيد في هذا الفصل أن نقف وقفة عابرة عند العقوبات الجزائية والحدود في الشريعة الإسلامية متسائلين: هل تشكل هذه الحدود قسوة بالغة ضد الإنسان وحقوقه وحرياته وآدميته؟ أم هي قمة الرحمة بالمجتمع وأمنه واستقراره ومن ثم حفظ حقوقه؟ وعلينا أن ننوه أو نلفت النظر إلى أن الحدود شُرعت في الأيام الأخيرة من عهد الرسالة الخاتمة، وأن المجتمع الإسلامي بالتالي لم يَقُمْ أو يُبْن على الحدود والعقوبات الجزائية، وهذا يقتضي رسم صورة واضحة عن ترتيب وتركيب المجتمع الإسلامي، وعن الحدود وموقعها من هذا النظام العتيد.

لقد بُني الإسلام على خمس، وارتكز على أركان ست، وأُكملت أقسام البناء الأخرى، بالفلسفة والفكر، وبالمعاملات والأحكام، وبالأخلاق والآداب، وبالتربية والسلوك، وبالخيرات والمبرات، وتوج البناء المكتمل بالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، وبعد ذلك جاء دور الحدود لتحمي هذا البناء وتحرسه في داخله من المفسدين والمجرمين، وتحميه وتحرسه من خارجه بالجهاد من الغزاة والمعتدين، بضوابط دقيقة تشكل ضمانات صارمة للإنسان كيلا يؤخذ بالظن أو التسرع، مثل: (ادرؤوا الحدود بالشبهات)([66])، فلا ينفذ الحد إلا في حالات محدودة وشروط شديدة، ولنأخذ لذلك مثلاً في حد السرقة التي يثير موضوعها المشككون، فإنه لا يطبق على السارق إلا إذا كان السارق مكتفياً ومعتدياً ومقتحماً حرمة المنازل إلى داخل غرفها التي يأوي إليها أفراد العائلة من النساء والأطفال ليناموا ويأمنوا، مما يعرضهم للقتل إذا قاوموا، وللتهك في بعض الحالات حينما يتمكن السارق من السيطرة على المنـزل، ويصادف فيه نساءً آمنات لا حيلة لهن في مقاومة اللص المدجج بوسائل الفتك. وكم جَرَّت عمليات السطو على البيوت وعلى الناس من جرائم قتل وهتك وكوارث.

أما الجائع أو الدائن الذي لم يجد حيلة في استيفاء حقه، أو الذي لم يتجاوز في سرقته المبلغ أو الرقم الذي حدده علماء الفقه، أو الذي يسرق خارج الحرز والمنـزل، فلا يطبق عليه الحد، لنخلص إلى أن حد السرقة يطبق على السارق الذي اتخذ من السرقة عملاً إجرامياً احترفه وأدمن عليه، فروع الناس في أمنهم وحياتهم وحرماتهم.

فبالقدر الذي حرص الإسلام فيه على أمن الناس واستقرار المجتمع وحماية الإنسان من العدوان، وتحصينهم من المفسدين وهواة الجريمة، كان شديد الوطأة على من سولت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء ترويع الناس وهدم المجتمع وتقويضه من داخله.

وما جاء من أحكام في حد السرقة ينسحب على الحدود الأخرى الخاصة بالزناة والشاذين والقتلة، ليدرك المتفحص والمتأمل والمنصف أن حرص الإسلام على حفظ حقوق الناس وحرياتهم والدفاع عنها مقدم على ترك الحبل على الغارب للبغاة والمجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

في هذا السياق يرى بعض المفكرين أن العقوبات تجمد أو تبقى موقوفة إلى أن يتم تشكيل المجتمع الإسلامي المتكامل من جميع نواحيه، فلا يمكن قطع يد السارق قبل أن يصبح المجتمع كله متمتعاً بالعدل وتأمين حاجات أفراده، مستشهدين بالخليفة العادل الذي أوقف تطبيق الحدود في عام الرمادة الذي حدثت فيه مجاعة، ويقولون إن كثيراً من فقراء المسلمين اليوم في مجاعة([67]).

5- الحكم الذي يحفظ للإنسان حقوقه.

عندما يكون المواطن مطمئناً على غده، ضامناً أسباب عيشه، آمناً على نفسه وماله وعرضه وأهله، يجهر برأيه، ينصح دونما خوف أو وجل، عندئذ فقط يكون الحكم قريباً من روح الإسلام وجوهره، متمثلاً هدي النبوة قدر استطاعته، جديراً بمقام المستخلفين في الأرض.

قد يتوهم البعض أن المعارضة في ظل الحكم الإسلامي ضرب من الجدل العقيم، وأن الأحزاب تفضي إلى الشقاق والتمزق ودعوى الجاهلية!! وأن الشورى معلمة للناس وليست ملزمة للحكومة، وأن ولي الأمر مطلق السلطات، وأن الخلفاء الراشدين كانوا يمارسون حكماً مطلقاً حين يقف الخليفة على المنبر قائلاً: أيها الناس: اسمعوا وأطيعوا دون أن يعترض عليه أحد، ناسين أو غافلين أن المسلمين كانوا يقولون للخليفة: لو انحرفت لقومناك بحد سيوفنا، كما كانوا يحاسبون الخليفة على ملبسه وطعامه وشرابه وعلى راتبه وكل تفاصيل حياته، ومن باب أولى كانوا يحاسبونه ويناقشونه في السياسة العامة التي تمس مصير الأمة ومستقبلها([68]).

إن الحاكـم الـذي يستلم السلطـة بموجـب البيعة الحقيقية ـ الانتخاب ـ ملزم أن يتقيد في النصوص فوق الدستورية، وكذا بالشورى الملزمة ورأي الأكثرية، يتقبل النصح والنقد والرأي المعارض، ويأبى التملق والمديح الكاذب الذي كثيراً ما يضلل المسؤول ويخدعه ويعميه عن تقصيره وخطئه، وأن يقيم العدل مع الجميع ـ مسلمين وغير مسلمين ـ ويحسن اختيار وزرائه وأعوانه وأفراد حاشيته، يؤدي الحقوق إلى ذويها، ويفسح مجلسه وصدره للجميع، ويعمل على اكتساب ثقة الرعية ـ المواطنين ـ ومحبتهم، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)([69]).

منذ أكثر من ثمانين سنة ـ بعيد الحرب العالمية الأولى ـ وشعوب الأمة الإسلامية تواقة إلى العيش في ظل حكم إسلامي حقيقي، خاضت حروباً وثورات ضد المحتلين والمعتدين، وقدمت تضحيات غالية لتحقيقه، لكن هذا الأمل سرعان ما اضمحل وتلاشى، واكتشف أبناء الأمة أنهم لم يكونوا مهيئين لإقامة المجتمع المثالي المنشود الذي طالما حلموا به ودعوا إليه، والنتيجة الحتمية لذلك تغلب الرأي المناوئ واستئثاره بالسلطة والحكم، لأن لديه أنظمة مستوردة ومدروسة بعناية ودقة، ومجربة في بلادها مما يساعده على حسم الأمور لصالحه، وعلى إقصاء المشروع الإسلامي ووضعه في غياهب النسيان([70]).

من أسباب هذا الفشل الذي تكرر في بلدان عربية وإسلامية عديدة، والإخفاق في الأخذ بالإسلام وتطبيق مبادئه كأنظمة للحياة والحكم، أن أصحاب هذا الاتجاه كانوا مفتقرين إلى الدراسات الفقهية والعلمية والإدارية، وإلى المشروعات الدستورية والقانونية، ـ مضافاً إلى ذلك الضغوط الخارجية ـ، ولم تكن لديهم فكرة واضحة في مشروعهم تتضمن الأهداف والوسائل والخطط والمراحل... إلخ، وأن نظام الشورى لدى الكثير منهم سرعان ما يتلاشى أو يضيق هامشه، فيضيع الجوهر، ويبقى المظهر، ويبدو الشكل، ويختفي المضمون، فتنفر الجماهير من المشروع الأمل، جراء سوء التطبيق، أو بالأحرى التراجع عن المبادئ المعلنة والبرامج المستخلصة من الشريعة السمحاء، فيلتفت المواطن إلى مصدر آخر يخلصه من معاناته، ويحل له مشكلاته، ويأخذ بيده إلى شاطئ الأمان كظمآن يسعى راكضاً خلف سراب، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ولا ماءً، فتضيع حقوق الإنسان بين مبادئ زائغة وأحلام خادعة*.

6- العلم والعلماء وحقوق الإنسان

صورتان متضادتان للعالمين ـ الإسلامي والمسيحي ـ تجاه العلم والعلماء، فالإسلام شجع على القراءة والبحث والتأمل منذ اللحظات الأولى لظهوره، فالآية الأولى من أول سورة نزلت تبدأ بكلمة ـ اقرأ ـ بمعنى تفكر وتدبر، والآية الرابعة من خلق الإنسان من علق, السورة نفسها تشير إلى القلم كوسيلة للعلم والتعليم والبحث والكتابة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، اقرأ وربُّك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم}([71]). ومنذئذ والمسيرة العلمية تتابع سيرها في محو الأمية ونشر العلم: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}([72]).

وفي استيعاب التراث الحضاري الإنساني وما سبقت إليه الأمم من علوم وثقافات وفنون، فترجمتها وهضمتها، وقامت إثر ذلك حضارة عربية إسلامية زاهية، فأنشأت المعاهد والجامعات في المشرق والمغرب وفي حواضر العالم الإسلامي مثل دمشق وبغداد والفسطاط والقاهرة وتونس والمغرب وقرطبة وغرناطة، فأمها الناس من كل مكان، والتحق بها النخبة من أوربا، ومنهم بابوات من روما، ولوردات وبارونات من إنكلترا وفرنسا، فقادت هذه النهضة القارة الأوربية من القرون الوسطى، وعبرت بها إلى العصر الحديث.

هكذا كان حال النهضة العلمية في الشرق الإسلامي الذي وجد فيه العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء تشجيعاً من الحاكمين، ومن الخاصة والجمهور فاق كل تصور وتقدير. أما في أوربا فكان الحال على عكس ذلك، إذ شاعت خصومة العلماء ومحاربتهم من الكنيسة ورجال الدين، ومن بعض الأسر الحاكمة، وإنزال أقسى العقوبات وأقصاها بالمفكرين من أجل آراء ونظريات تبدو لنا مألوفة كانوا يعلنون عنها من أجل الإصلاح والتجديد.

فالتاريخ يذكر أن عدد الذين عوقبوا في أوربا بلغ ثلاثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفاً أحياءً، كان منهم العالم الطبيعي برونو، وعوقب العالم الشهير غاليليو بالقتل لأنه اعتقد بدوران الأرض حول الشمس، وحبس دي رومنس في روما حتى مات في سجنه، ثم حوكمت جثته وكتبه، فحكم عليها بالحرق، وألقيت في النار، لأنه قال: إن قوس قزح ليست قوساً حربية بيد الله، ينتقم بها من عباده إذا أراد، بل هي من انعكاس الشمس في نقط الماء، وأصاب جيوفت في جنيف وفايتي في تولوز ما أصاب هؤلاء، وحُرقا شيَّاً على النار لآراء لا تستوجب حتى التعزير، إن لم نقل تستوجب الاحترام والتقدير([73]).

كذلك شرع المسيحيون باضطهاد اليهود حين أصدر قسطنطين قانوناً يقضي بإحراق كل يهودي يمارس على مرأى عبادته، أو يدعو نصرانياً إلى دينه، وبإحراق كل نصراني يتهود، ثم شرع بعد ذلك باضطهاد الوثنيين، فصدر قانون ثيودوسيوس عام 395م الذي يقضي بإعدام الوثنيين على إلحادهم، لاستئصال الوثنيين والقضاء عليهم، فهدمت معابدهم، وحطمت صورهم، ومنعت مزاولة عباداتهم وشعائرهم الدينية كافة كما جاء في كتاب الدكتور توفيق الطويل ـ قصة الاضطهاد الديني في المسيحية والإسلام الصفحة 51 وما بعدها ـ.

بعد أن فرغ المسيحيون والكنيسة المسيحية من القضاء على غير المسيحيين بدأوا باضطهاد المسيحيين أنفسهم من معارضي مذهب البابا في روما ـ الكاثوليك ـ واتخذ مع مرور الزمن شكل الاضطهاد الجماعي كالذي حصل للألبيين في جنوبي فرنسا، ثم أنشئت محاكم في إسبانيا لاضطهاد المسلمين في مدن قشتاله وإشبيلية وغرناطة وغيرها، سميت محاكم التفتيش، لأنها تفتش عما يضمره الناس من عقائد وأفكار في قلوبهم، فأذاقوا المسلمين ألوان العذاب، فقتل مـن قتل، وهـرب من استطاع الهجرة إلى بلاد المغرب من الأندلس وسائر إسبانيا عام 1609 ـ 1610م، حتى لم يبق في إسبانيا إنسان مسلم على قيد الحياة، ولم يبق قبر إلا ونبش وأحرقت بقايا جثث الأموات فيه([74]).

وبذلك يمكن القول بقدر تام من الثقة بأن أوربا المسيحية لم تعرف الحرية الدينية ولا التسامح الديني طوال عشرة قرون، ذاقت فيها الأقليات الدينية صنوفاً من العذاب والخوف والقتل والتشريد والحرق وعمليات الإبادة الجماعية، ثم شاءت إرادة الله بعدها أن ينسدل الستار على تلك العهود المظلمة من التاريخ البشري([75]).

لا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر والعلم الذي عرفته أوربا (كما قال العلامة محمد بهجت الأثري)، فالحرية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض لم يعرف لها نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام طبقاً للتوجيه القرآني المنير: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون}([76]). إن الحرية صمام الأمان للمجتمعات كلها، وهي الوسيلة الفريدة لتصحيح ما يقع من أخطاء، وإزاحة ما يحدث من مظالم([77]).

لقد أدرك هذه الحقائق وأحاط بها ثلة من رجال الفكر والفلسفة والإصلاح في أوربا، وأدلوا للتاريخ بشهادات قيمة ودامغة نثبت أمثلة محدودة منها لتكون تبياناً للباحثين والمنصفين. يقول جوستاف لوبون: إن القوة في الإسلام لم تكن عاملاً في انتشار القرآن ـ الإسلام ـ، وتقول السيدة الإيطالية لورافيشيا فاغليري: الإسلام لا يبيح امتشاق الحسام إلا دفاعاً عن النفس، وهو يحرم العدوان تحريماً صريحاً، والإسلام ينظر إلى الحرب بوصفها حريقاً يجب أن يطفأ بأسرع ما يمكن كلما اندلعت ناره، إنه يستنكر ويحظر جميع الأعمال الحربية الوحشية، ولقد سَنّ مجموعة من القواعد والعادات ابتغاء جعل الحرب إنسانية، لقد استهوى الإسلام الشعوب المضطهدة المستَغلَّة التي كانت خاضعة لسلطان الرومان والفرس، ففي الأصقاع التي كانت في يوم من الأيام دولاً إسلامية تولت مقاليد السلطة حكومات جديدة تنتسب إلى أديان أخرى، وقامت في أوساط المسلمين طوال فترات عديدة منظمات تبشيرية قوية، ومع ذلك فإن هذه الحكومات وتلك المنظمات لم توفق أو تقو على زحزحة الإسلام وإقصائه عن حياة الشعوب الإسلامية، فأي قوة أعجوبية تكمن في هذا الدين؟ وأي قوة من قوى الإقناع تنصهر به؟ ومن أي غور سحيق من أغوار النفس الإنسانية ينتزع نداءه؟ ويقول هنري كاستري: الإسلام دين المسالمة وحرية العقيدة والفكر، ثم يقارن كاستري بين سماحة الإسلام وروح الشدة في الأديان التي تقدمته، فيورد آيات من القرآن الكريم مثل: {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً}([78]) و{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم}([79]) و{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}([80])، فيقارن بينها وبين ما جاء في الكتاب الخامس من الزبور: إذا اقتربت من أهل مدينة لتحاصرهم، ومتى وفقك الله للظفر بها فحطِّمْ رأس كل ذكر فيها بحد الحسام([81]).

وجوهر البحث في هذا الفصل أن الرسالة الإسلامية لم تقتصر في دفاعها عن حقوق الإنسان بحفظ حياته وحرياته، وحماية ماله وأمنه...إلخ بل تجاوزت ذلك أن أحلت له الطيبات، وحرمت عليه الخبائث، وحررته من القيود والأغلال التي تثقل عقله وقلبه وروحه، وسمت به إلى مقام كريم يجعل منه صاحب رسالة في إصلاح المجتمع، يدعو فيه إلى المعروف والخير، وينهى عن المنكر والشر، كما رسم له القرآن العظيم هذا المنهج في واحدة من آياته التي يبلغ عددها 6236 آية كريمة: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون}([82]).

             

الهوامش:

([1]) سورة النساء من الآية 83.

([2]) الحرية السياسية في الإسلام للفنجري ص39،38.

([3]) سورة الأعراف الآية 32.

([4]) العلاقات الدولية في الإسلام لأبو زهرة ص28.

([5]) العلاقات الدولية لأبو زهرة ص29.

([6]) المرجع السابق ص29.

([7]) سورة النحل من الآية 125.

([8]) سورة العنكبوت من الآية 46.

([9]) سورة البقرة من الآية 111.

([10]) سورة الأنعام من الآية 148.

([11]) حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور عبد الواحد وافي ص124،123،122.

([12]) سورة النحل الآية 125.

([13]) طبيعة المجتمع الأوربي للدكتور محمد البهي الصفحة 60.

([14]) سورة البقرة من الآية 256.

([15]) سورة يونس الآية: 99.

([16]) سورة الحج الآية: 40.

([17]) سورة المائدة من الآية 2.

([18]) رواه البزار.

([19]) من روائع حضارتنا للدكتور السباعي ص83،82.

([20]) حقوق الإنسان وحرياته في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة للدكتور عبد الوهاب الشيشاني ص321،320.

([21]) سورة لقمان من الآية 20.

([22]) سورة إبراهيم الآية 33،32.

([23]) سورة المائدة الآية 32.

([24]) رواه ابن ماجه (3932).

([25]) رواه البخاري (3166).

([26]) رواه أحمد في >المسند< 1/397.

([27]) حقوق الإنسان وحرياته الأساسية للدكتور عبد الوهاب الشيشاني ص373،372،371.

([28]) الحرية السياسية في الإسلام للفنجري ص83،82.

([29]) رواه أبو داود (4772)، والترمذي (1421)، والنسائي (4093) و(4095).

([30]) المرجع السابق ص84،83 رواه.

([31]) المرجع السابق ص94،89.

([32]) سورة البقرة الآية 124.

([33]) رواه البخاري (2753)، ومسلم (206).

([34]) رواه البخاري (59).

([35]) رواه مسلم (142).

([36]) رواه مسلم (101).

([37]) سورة النساء الآية 105.

([38]) سورة الماعون الآيات 3،2،1.

([39]) رواه النسائي (4209)، وابن ماجه (4012)، والترمذي (2174)، وأبو داود (4344).

([40]) رواه الحاكم في >المستدرك< 4/108 وقال: صحيح الإسناد.

([41]) الترغيب والترهيب للمنذري ونسبه إلى البزار والطبراني وأبي الشيخ.

([42]) رواه مسلم (2613).

([43]) قال الهيثمي في >مجمع الزوائد< 6/253: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده جيد.

([44]) رواه الطبراني كما في >المجمع< للهيثمي 6/253 وضعفه.

([45]) الحرية السياسية في الإسلام للفنجري ص67،62،59.

([46]) حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور عبد الواحد وافي ص118.

([47]) المرجع السابق ص121.

([48]) رواه البخاري (7056) و(7199) ومسلم (1709) واللفظ له.

([49]) رواه ابن ماجه ورواته ثقات، في الترغيب والترهيب ج4 ص6.

([50]) رواه البزار، وذكره الغزالي في إحيائه في باب الأمر بالمعروف.

([51]) الغزالي، المرجع السابق.

([52]) حقوق الإنسان للدكتور عبد الوهاب الشيشاني ص565.

([53]) اللجوء السياسي في الإسلام لحسام سعد سباط ص7، 8.

([54]) المرجع السابق ص9.

([55]) المرجع السابق ص38.

([56]) سورة التوبة الآية 6.

([57]) رواه البخاري (3171).

([58]) كتاب اللجوء السياسي في الإسلام لحسام محمد سعيد سباط ص44.

([59])المرجع السابق ص18.

([60]) المرجع السابق الصفحة ي.

([61]) قال الهيثمي في >مجمع الزوائد< 7/234: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

([62]) العلاقات الدولية لأبو زهرة ص41

([63]) رواه مسلم (1787).

([64]) العلاقات الدولية في الإسلام للشيخ أبو زهرة ص41.

([65]) رواه مسلم (1738).

([66]) روي عن غير واحد من الصحابة من قولهم.

([67]) الحرية السياسية في الإسلام للأستاذ أحمد شوقي الفنجري ص29،28.

([68]) المصدر السابق ص8،7.

([69]) رواه مسلم (1855).

([70]) المصدر السابق ص9.

* حدثنـي الأستاذ سعـد الدين الوليلي في دمشق في الخمسينيات من القرن الماضـي ـ وأرجح أن ذلك كان في آخر عام 1955 ـ وهو الرجل النـزيه المستقيم الثقة، الذي عرف بدماثة الخلق والأدب الرفيع والرقة في كل مرافق حياته الخاصة والعامة، وكان قد لجأ إلى دمشق واستقر بها بعد أن نزعت عنه الجنسية المصرية مع أربعة من إخوانه، وكان قد أمضى معظم سني حياته سكرتيراً للإمام حسن البنا وللأستاذ حسن الهضيبي رحمهما الله، قال الوليلي رحمه الله: قرع جرس الهاتف في مكتبي، فرفعت السماعة وإذا على الهاتف القائمقام رشاد مهنا الوصي على العرش في مصر، يقول: يا سعد: احضر إلى القصر ـ قصر عابدين ـ في ساعة كذا، فقلت لعلك تريد التحدث مع فضيلة المرشد، قال: لا، أريدك أنت، وعندما دخلت إليه في غرفته قال: لم أشأ أن أثير زوبعة إعلامية بحضور المرشد إلى القصر، وإنما أردت في جو من الهدوء بعيداً عن الإثارة أن أقول لك: لقد استلمنا حكم مصر، وأنتم الهيئة الكبرى في البلد، فما الذي أعددتموه لهذا اليوم؟ فقلت: سآتيك بالإجابة من المرشد ومكتب الإرشاد وانصرفت، وعقد المكتب برئاسة المرشد جلسة خاصة بالموضوع، وبحثوا الأمر باهتمام بالغ، وانتهوا إلى أن ليس لديهم ما يقدمونه، لكنهم سارعوا إلى تشكيل لجنتين، إحداهما برئاسة الشهيد إبراهيم الطيب، لتدرس وتقدم مشروعات بالقوانين والأنظمة واللوائح القانونية للمجتمع المصري المنشود، وثانيهما برئاسة الشهيد سيد قطب لتقدم برامج تعليمية تربوية للأجيال الصاعدة، لكن الأحداث الجسيمة التي واجهها دعاة المشروع الإسلامي عطلت هذه البحوث واللجان، واتجهت بمصر والمصريين إلى وجهة أخرى.

([71]) سورة العلق، الآيات 1 ـ 5.

([72]) سورة الجمعة الآية 2.

([73]) حقوق الإنسان في الإسلام للشيخ محمد الغزالي ص84.

([74]) حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة للدكتور عبد الوهاب الشيشاني ص81.

([75]) المصدر السابق ص82.

([76]) سورة العنكبوت الآية 46.

([77]) حقوق الإنسان في الإسلام للشيخ محمد الغزالي ص84.

([78]) سورة المزمل الآية 10.

([79]) سورة الأنعام الآية 108.

([80]) سورة الفرقان الآية 63.

([81]) حقوق الإنسان للدكتور الشيشاني ص547،542،541 الطبعة 1980.

([82]) سورة الأعراف الآية 157.