العولمة النيوليبرالية وخيارات المستقبل

العولمة النيوليبرالية وخيارات المستقبل

تأليف: د. حسين عبد الهادي محمد

عرض: محمد فاروق البطل

الكاتب:

ولد الدكتور حسين عبد الهادي عام 1949م في قرية "عالية" بمحافظة الجزيرة في سوريا.

ختم القرآن الكريم على يد والده وعمره ست سنوات.

وقبله المفكر العالم الشيخ سعيد النورسي طالباً له عام 1955م، وكان من أصغر طلابه في ذلك الوقت.

تربى ونشأ في بيت علم، وكان والده من أتباع النورسي أيضاً، وكان يراسله بين فترة وأخرى.

وجهه والده ورفعه إلى صفوف الصحوة الإسلامية في نهاية المرحلة الابتدائية ولا يزال جندياً للفكرة والعقيدة، وهو يدعو الشباب إلى الانشغال بالإيجابيات والابتعاد عن السلبيات وجلد الذات.

ويرى أن عالمية الإسلام الثانية قد انطلقت في القرن الخامس عشر الهجري الذي سيكون قرن الإسلام إن شاء الله، ويدعو الشباب أن يكونوا على مستوى هذه العالمية بأفكارهم وسلوكهم وقيمهم، وأن يخرجوا من الدوائر الضيقة إلى دائرة هذه العالمية.

ويرى أن الأمة بصحوتها المباركة في صعود، وأول الغيث قطرة، وعلى شبابها التطلع دائماً إلى الأمام، وعدم الالتفات إلى الوراء.

المؤلف يحمل شهادة الدكتوراه في التفسير وعلومه، ودرّس في الجامعة إحدى وعشرين سنة، وهو الآن متفرغ.

وستصدر له كتب أخرى إن شاء الله مثل:

1 – المسلمون وتحديات الكونية الثقافية.

2 – المسلمون وتحديات الرسملة الاقتصادية.

3 – حصاد القرن العشرين

4 – الحرية أولاً.

تعريف بكتاب: العولمة النيوليبرالية وخيارات المستقبل

الكتاب يقع في 552 صفحة، قياس الصفحة 15× 22 وعدد النسخ 3000 - الطبعة الأولى 2004.

تطرق المؤلف في المقدمة لبعض الكتّاب الذين نظروا إلى العولمة بمنظار غربي، وبيّن أنهم أصبحوا أسرى عقلية وبيئة وحضارة معينة لا تسمح لهم بالرؤية الصحيحة من زاوية أخرى، وبيّن أن التحدّي بين الشرق والغرب أعمق من هذه التحليلات المادية السطحية التي ما زالت تظهر الغرب بمظهر المتقدم الحضاري، وتظهر الشرق بمظهر المتخلف.

وبيّن أن الدافع لهذا البحث هو أن العولمة اليوم تشكل للصحوة الإسلامية تحدياً جديداً في إطار صراع الحضارات وفق المفهوم الغربي، وفي إطار التدافع وفق الرؤية الإسلامية، ويرى أن الإنكار وحده موقف غير مقبول، ويستوي معه موقف الاندفاع والهرولة الانهزامية للحاق بقطارها.

وليس الهدف الرئيس في هذا الكتاب هو النقد بقدر ما هو سعي للفهم الصحيح، وبيان للموقف السليم منها.

وعلى الرغم من القول بالحتمية والدعاية لها، يرى المؤلف أن العالم لم يتفق بعد على تنظيرات فرنسيس فوكويا في نظرية نهاية التاريخ، ولا صموئيل هتننغتون في صدام الحضارات، ولا توماس فريدمان في القول بحتميتها، ولذلك يرى المؤلف طرح المشروع الإسلامي العالمي ليكون بديلاً عن المشروع العولمي وغيره من المشروعات.

ويرى أن سقوط الاتحاد السوفيتي ليس نهاية التاريخ الإنساني، واختراع نظام السوق ليس منتهى العبقرية البشرية، والإنسان الذي اخترع هذا النظام قادر على رفضه، وخلاصة القول: إن العولمة ليست مشروعاً حضارياً ولا حتمياً.

وتطرق المؤلف إلى الجانب التاريخي وبيّن أن الرأسمالية تحاول عولمة العالم حسب نموذجها، ولكنّ الصراع بين الرأسماليين يحول دون تحقيق الهدف، والدليل على ذلك الحربان: العالمية الأولى والثانية، ولا ننسى الحرب الباردة والصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي على عولمة العالم كل حسب نموذجه، وبعد سقوط الكتلة الاشتراكية تحاول أمريكا عولمة العالم حسب نموذجها، والمشكلة أن الذين كتبوا في العولمة بعضهم لم يميز بين آليات ووسائل العولمة، وبين أيديولوجياتها، فالخلاف ليس في الوسائل والآليات، وإنما في الأيديولوجيات.

ومما يجدر ذكره أن المحاولات الفكرية في المعسكر الغربي لتحويل الليبرالية إلى مذهب أيديولوجي شمولي مستمرة منذ زمن طويل، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي أكمل فوكوياما المحاولة في كتابه "نهاية التاريخ وخاتمة البشر".

وتطرق المؤلف إلى "ميلاد النظام العالمي الجديد" حيث بيّن أن هذا المصطلح أول من استخدمه هو جورج بوش الأب عام 1990م بعد غزو صدام للكويت، وحسب هذا النظام فإنهم قسموا العالم إلى قسمين: الأنا والآخر، القوي والضعيف، المسلح والأعزل، السادة والعبيد، الغرب وبقية العالم، وقسم فوكوياما العالم إلى العالم التاريخي وهو العالم المتخلف وعالم ما بعد التاريخ وهو العالم الرأسمالي الغني.

وبعد ذلك تطرق المؤلف إلى "مفاهيم المصطلحات" وبيّن أن من الأخطاء القاتلة في الساحة الثقافية ترديد المصطلحات الواردة دون تحديد لمضمونها وفق ثوابتنا الفكرية والثقافية.

ونقد المؤلف بعض الكتاب في الساحة الثقافية لأن دراساتهم تبدأ من فولتير وشكسبير وهيجل وروسو وسارتر ودور كايم، وتم تعريب كثير من المصطلحات وفق مفهومهم وليس مفهومنا، وهذا الاعتماد على نتاج الغير يكشف عن ارتباط الذات بالثقافة المنقول منها، أكثر من ارتباطه بالثقافة المنقول إليها.

أما عن نشأة مصطلح العولمة فبين المؤلف أن من الخطأ بحث موضوع العولمة مستقلاً عن الليبرالية الرأسمالية، وخصوصاً أن أمريكا تبنت هذا المصطلح وروّجته، والعولمة شيء مغاير للعالمية.

وكان التركيز في البداية على الجانب الاقتصادي بتقديم المنافع الاقتصادية وتأجيل التغييرات السياسية والثقافية والاجتماعية إلى حين، وعندما ترتبط الشعوب اقتصادياً ومعلوماتياً بمراكز القوى الرأسمالية، تقاد الدول بقوانين التبعية الاستهلاكية.

وبيّن المؤلف تحت عنوان: "من وراء العولمة؟" أن أمريكا هي وراءها من خلال تصريحات رؤسائها وكتابها، فالجميع كما يقول فريدمان: مجبرون على التوجه إلى محطة البنزين الأمريكية عن طريق العولمة، يجب أن يكون العالم ديمقراطياً، ويجب أن يكون رأسمالياً.

وردّ المؤلف على بعض الكتاب في ساحتنا الثقافية بأنهم مرجئة النظام الدولي الجديد عندما يقولون: إن العولمة ظاهرة مستقلة لها آلياتها الخاصة، وهي من الظواهر الكونية الكبرى.

وردّ المؤلف على الذين يرون حتمية "العولمة" وبيّن أن تذرعهم بالحتمية يمثل الملجأ الأخير عندما تعوزهم الحجة للدفاع عنها، وقد مرت على هذه الأمة حتميات كثيرة قبلها فسقطت وستسقط هذه الحتمية وتصبح في مزبلة التاريخ، فهي تشبه تلك الحتمية التي كان يدعيها الماركسيون قبلهم.

وتحت عنوان "وجاء دور اليهود" بيّن المؤلف دور اليهود في النظام الدولي الجديد فهم يملكون الشركات العابرة للقارات، ويسعون لبسط سيطرتهم على العالم عن طريق العولمة والقوانين الجديدة.

وهل ما نطرحه من قبيل عقلية المؤامرة حسب ما يراه البعض؟ يرى المؤلف أن الأحداث اليوم خرجت من دائرة المؤامرة إلى دائرة الصدام المباشر حيث كشفوا عن وجوههم، ويبدو أن آلية الآمر تمتد حيث نجد قسماً من المثقفين ينفيها لأسباب غير مقنعة، فيضعون فيما يمكن أن نسميه بالتآمر على التآمر.

واستعرض المؤلف الأحداث والوقائع التي تثبت التآمر.

وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قال: إنكم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل"

الشطر الأول يثبت المؤامرة، والشطر الثاني يثبت تقصير الأمة.

وورد في الكتاب تحت عنوان: "العدو الجديد" تغير الموقف الأمريكي من الإسلام بعد الحرب الباردة إلى النقيض، وبدأت حملتها ضد حركات الصحوة الإسلامية في المنطقة، واشتركت إسرائيل في هذه الهجمة الشرسة، وأصبح التلويح بالخطر الإسلامي واحداً من شعارات أمريكا وإسرائيل والأنظمة العلمانية في المنطقة.

يقول هنتنغتون: المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام، فهو حضارة مختلفة، فشعبه مقتنع بتفوق ثقافته، والمشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية، ولا وزارة الدفاع، المشكلة هي الغرب.

يقول فريدمان: هدف الأصوليين هو البصق في وجه الأمركة والعولمة ووطئها بالأقدام، وهم يشعرون بالعزة أمام الجبروت الأمريكي فلا ينحنون لقوته، ولا يأكلون في مطاعمه (ماكدونالدز وبيتزاهت) إلى جانب التحدي الثقافي للمرأة المسلمة بحجابها الإسلامي.

ويطرح فريدمان في خطته عزل الأصوليين عن المجتمع، وذلك بربط مصالح المجتمع مع نظام العولمة.

وكان لابد لأمريكا من إيجاد خصم مشترك لها ولأوروبا، وإذا لم يكن هذا الخصم موجوداً فعلى المخطط السياسي الأمريكي أن يخترعه، وهكذا اخترع هنتنغتون صراع الحضارات، وكان البدء بالإسلام."

وأما عن هوية الصراع بين الشرق والغرب، فقد بيّن المؤلف أن الغرب يحارب الإسلام بخلفية صليبية، ويظهر هذا في مدى التلاحم بين التنصير والاستعمار، ومدى تسخير الدين لأهداف الرأسمالية.

وأسباب العداء في الماضي معروفة، أما في الحاضر فهي خشية الغرب من الإسلام كبديل أيديولوجي لليبرالية.

أما عن المعركة الإعلامية فبيّن المؤلف أن الدعاية الإعلامية للعولمة الليبرالية هي جزء من الحرب في المعركة الحضارية، وخصوصاً أنهم يملكون أقوى المؤسسات الإعلامية، فالعرب والمسلمون متوحشون بطبعهم، ويفرحون ويرقصون لدى إصابة غيرهم بمصيبة، وقال بوش: إنهم يعتدون علينا لأننا طيبون.

وكتب المؤلف أيضاً عن تحديات التقنية والتكنولوجيا، وبيّن أن الفرق شاسع بيننا وبين الغربيين، وخصوصاً أننا لا ننفق إلا القليل على البحث العلمي، ولابد من ثورة في النظام التعليمي، ووقف هجرة العقول والمهارات، وإعادة المهاجرين.

إن الحرية المطلقة تحت شعار: المعلومات في كل وقت وكل مكان، ولكل الناس ما هي إلا خداع، وقد بدأت الطبقية تتسلل إلى شبكة الإنترنت.

الاحتكار سيد الموقف حسب القواعد الليبرالية:

وكتب المؤلف أيضاً عن مخاطر توزيع الصناعة عالمياً، وبيّن أن هناك خطة من قبل الرأسماليين لتوزيع الصناعة عالمياً، وذلك بنقل الأنواع التي تتطلب جهوداً عضلية إلى البلدان النامية، حيث اليد العاملة رخيصة، واعتبارات حماية البيئة أقل تشدّداً، والبلاد الرأسمالية تسعى لمنع التكنولوجيا المتقدمة إلى العالم الثالث والاختصار على التكنولوجيا الملوثة لهذه البلدان.

وفي بحث "القطيع الإلكتروني" يبيّن المؤلف ماهية هذا القطيع بأنه يتكون من مجموعتين رئيسيتين:

الماشية قصيرة القرون، وهي تضم كل من يشارك في عمليات بيع وشراء الأسهم والسندات والعملات في أنحاء العالم.

الماشية الطويلة القرون، وهي تلك الشركات متعددة الجنسية، التي يتزايد اشتراكها في الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

القطيع الإلكتروني يتحرك في الدول التي أخذت بنظام السوق، وألقت القيود أمام تحرك رأس المال والاستثمارات، وأصبح القطيع الإلكتروني ممثلاً لنظام العولمة في كل مكان، وهذا القطيع يعتبره فريدمان نعمة وهبها الله لكل الدول وهذا خداع وتضليل، نعم هو نعمة للرأسماليين ونقمة على الفقراء.

ومن هنا يدعو فريدمان كل دولة إلى لبس "قميص العبد الذهبي" ومن تعاليمه إلغاء التعريفات الجمركية، وإزالة القيود على الاستثمارات الأجنبية، وخصخصة الصناعات والخدمات المملوكة للدولة، وأن تفتح الدولة أسواقها أمام الملكية والاستثمار الأجنبي المباشر.

وهكذا المطلوب من الجميع ارتداء القميص الذهبي بضمانات عالمية وفق قانون الليبرالية، وستكون السيادة على من يخضع للقانون، أما الذي فوق القانون فلا سيادة عليه، هكذا سيسيطر الليبراليون الجدد على الحاكم من جهة وعلى الشعب من جهة أخرى.

العولمة والثورة المضادة:

حسب ما نرى ونشاهد نجد الأنظمة الرأسمالية قد داست على كل القوانين والأعراف والقيم، وحتى على مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمشكلة لا تنحصر في أن الغرب قد تفرد بالحضارة، وإنما يقاوم انبعاث وتقدم حضارات أخرى، وقام بأكبر عملية تدمير لحضارات العالم إلى هذا اليوم.

لا يمكن أن يترك الاقتصاد العالمي لقلة من صناع القرار الليبراليين، وإنما هو بحاجة إلى حوار عالمي ومشاركة دولية، ويطلب منا بعض المثقفين باسم الواقعية أن نركب قطار العولمة ولم يفكروا ويفرقوا بين أن نركبه كقطيع من غنم وفي الدرجة الأخيرة، وبين ركوبه كبشر نتمتع بإنسانيتنا وكرامتنا وهويتنا.

وفرق كبير بين الواقعية والوقوعية، فالأولى موقف سليم ينسجم مع مصلحة الأمة. والثانية تستند إلى الخذلان والتقليد وتهميش الذات، والاستسلام للواقع وهذا مرفوض واقعياً وعقدياً.

واليوم نرى فئات كثيرة تعارض العولمة، ومظاهرات ضخمة في العواصم الكبيرة ولابد أن نلتقي مع المعارضين ونقدم لهم البديل الإسلامي لليبرالية الجديدة.

إن العولمة اليوم تواجه مقاومات متعددة ليس من قبل بعض الدول النامية فقط، بل من داخل الدول الغربية.

وفي مبحث "الغرب والطريق الثالث" يرى المؤلف أن العولمة لن تستطيع العيش طويلاً والسباحة ضد التيار وضد الفطرة البشرية، وليست القوة المادية في النهاية هي التي تقر مصائر البشر، وسيشهد القرن الحادي والعشرون زوال عدد من المفاهيم والأطروحات والقيم التي يروج لها الرأسماليون تحت شعار العولمة، وستتجه البشرية إلى قيم تحقق لها السعادة والراحة.

وهناك دعوة في الغرب إلى إصلاح النظام المالي الدولي وطرح بديل ثالث يجمع بين الاشتراكية والرأسمالية، والذي أطلقوا عليه "الطريق الثالث" ويبدو أن الطريق الثالث محاولة لإنقاذ الرأسمالية من نفسها.

إن الإرهاصات تدل على ظهور اتجاه آخر يتمثل في فكرة العدالة الاجتماعية التي هي مطلب فطري إنساني، وظهور هذه الفكرة يؤكد على إفلاس النظام الرأسمالي، وهنا يأتي دور العالم الإسلامي ليقدم نموذجاً ربانياً للعالم.

ولأجل هذا كتب المؤلف مبحثاً بعنوان "بين عالمية الإسلام وعولمة الرأسمالية" وبيّن أن العالمية هي جمرة للتفاعل الحر والاختياري بين الحضارات المتعددة، والعولمة تعني القسر والإجبار على لون من الخصوصية.

في العالمية يختار الإنسان، وفي العولمة لا خيار للإنسان الذي يحشر ويشحن في قطار الليبرالية.

والإسلام جعل العالمية اختياراً لا قسر فيه ولا إكراه "لا إكراه في الدين" وبالطبع لا إكراه في الاقتصاد والسياسة والثقافة وغيرها.

أما العولمة فهي اجتياح الشمال للجنوب، اجتياح الحضارة الغربية في النموذج الأمريكي للحضارات الأخرى، وهي التطبيق العملي لشعار نهاية التاريخ.

العولمة إرادة للهيمنة وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصية، أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي، ولاشك أن الإنسان في النهاية سيختار العالمية.

وآخر عنوان في الكتاب هو "واقعنا والتحديات المعاصرة" تحدث المؤلف فيه عن طبيعة القوى السائدة في الوطن العربي وبين أنها نشأت بعقل التغلغل الاستعماري مما أدى إلى ربط الوطن العربي بالمراكز الرأسمالية. وبين أن طبيعة القوى السائدة لا تمكن الوعي السائد من ممارسة العلم، وإنتاج المعرفة العلمية، وهذا أدى إلى الاختزال والانتقاء لا الإبداع.

والمشكلة أن عملية التحديث المزعوم لم تنبت أسسها في الداخل بل نقلت من الخارج جاهزة، وغرست غرساً، بالإغراء حيناً، وبالقوة حيناً آخر هذه هي المشكلة إن الذي فرض على الأمة حقاً ليس الأنموذج الحضاري الغربي، ولا العقلانية الغربية في التقنية والتكنولوجيا والإدارة والصناعة، وإنما فرض عليها نظام الهيمنة الإمبريالية عبر سيرورة تاريخية من العنف والتدمير.

إن الذي فرض على الأمة بالفعل هو نظام آليات النهب والاستغلال والتفتيت، فالمسألة إذاً ليست مسألة تقدم وتخلف، إنما هي مسألة ربط الوطن والأمة بنيوياً وتبعياً بالغرب، وتم فرض هذا الوضع على الأمة عن طريق النخب الحاكمة، وهو ليس اختيار وعي وإرادة وفي هذا الجو يدور صراع مرير بين أنموذجين يتعاركان على أرض الوطن، الأنموذج المقلد للغرب، والأنموذج الإسلامي.

ونحن لا ندعو إلى عزلة فكرية أو حضارية عن ركب الإنسانية المندفع، نحن شركاء في القافلة شركاء في الحضارة الإنسانية وعلينا أن نقبل الآخر بإرادة وفقاً لقواعد الحقوق والواجبات والمسؤوليات.

نحن لسنا مع الاستسلام ولا مع المقاطعة، وإنما نحن مع ممارسة الحقوق بإرادة وأداء الواجبات بإرادة، وتحمل المسئوليات بإرادة والانفتاح العلمي والمعرفي بلا حدود، وإشباع الحاجات النفسية والروحية للإنسان.

لقد تغير العالم وبالتالي تغير كل شيء حولنا وبقي أسلوب أمتنا واحداً لم يتغير ومع هذا فلا تعترف هذه الأنظمة بأخطائها، ولا تراجع ذاتها، فالنقد عندها من المحرمات، وكل من يمارس النقد فهو يمارس عملية انتحارية، فهو إما مشرد أو مسجون، أو في إقامة جبرية هذا إذا سلم رأسه من القطع، فما يجري على أرضنا هو سحق لصاحب الرأي الحر.

إذا كانت الأمور تصير على هذا المنوال، فما البديل إذن؟

الحرية أولاً، ولا تنمية بدون حرية، وسبب سوء توزيع الثروة والدخل في العالم العربي، هو غياب الحرية، وفشل التنمية سببه أيضاً غياب الحرية، إن الحل بعد الاستقلال الحقيقي للعالم العربي والحرية الكاملة هو التأكيد على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقلة وإخضاع العلاقات الخارجية والاقتصادية لمنطق احتياجات التنمية في الداخل وليس العكس.

ولا يعني فك الارتباط مع الاقتصاد الرأسمالي، والاعتماد على الذات الانكفاء وقطع العلاقات مع الخارج وإنما يعني إخضاع هذه العلاقات لمصلحة الداخل، وإذا أراد العرب الوقوف والنهوض والتقدم فلابد لهم من خطوتين مهمتين.

 الخطو الأولى: إعادة البناء سياسياً واجتماعياً وثقافياً واجتماعياً.

الخطوة الثانية: إيجاد عولمة عربية إسلامية نظرياً وعملياً قبل الدخول في أي مشروع أممي وإلا فإن سنن الله لن ترحم المغفلين والمستبدين والخانعين والمزورين والثرثارين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.