العقيل المؤرخ

العقيل المؤرخ

محمد أبو صعيليك

التاريخ وظيفة إنسانية كبرى تعنى برصد ما في الماضي والحاضر والمستقبل مما له تعلق بالعباد والبلاد وسنن رب العباد، ولقد عني المسلمون بالتاريخ عناية بالغة حتى تعددت عندهم أنواعه وتكاثرت فيهم ثماره، حتى كان للحافظ السخاوي كتاب اسمه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ: ولم يكن المسلمون في هذه الأيام أقل اهتماماً بالتاريخ من غيرهم وإن شابته شائبة دخول سواهم من المستشرقين وأهل الأديان الأخرى في تدوين هذا التاريخ وكان الحال في التاريخ في القديم والحديث أن يقف عليه شهوده ويتكلم فيه ثقاته وينظر فيه أهله، ولقد كان من جوانب التاريخ المعاصر الذي قصر فيه التاريخ للعمل الإسلامي حركاته وجهوده وأعلامه وإن كان هذا الحال كذلك فإنه قد بدرت بوادر خير في سد هذه الثغرة، وكان من تلك البوادر جهود بعض الثقات من أهل الدعوة والعلم والفضل يؤرخون لمدارسهم ويعلمون إخوانهم ويدلون الناس على فضل الفضلاء ويشيرون إلى أوجه الخير في حياتهم وكان من هؤلاء:

1 – الشيخ الثبت المؤرخ أبو الحسن الندوي في كتبه "رجال الفكر والدعوة وربانية لا رهبانية".

2 – الشيخ علي الطنطاوي في مذكراته وكتبه الأخرى كـ "رجال من التاريخ" و"قصص من التاريخ".

3 – الدكتور السباعي في كتبه "من روائع حضارتنا" و"عظماؤنا في التاريخ".

4 – المؤرخ محمود شيت خطاب في كتبه "عن قادة الفتح في الشام ومصر والعراق وخراسان والمغرب وغيرها".

5 – الأستاذ أحمد عادل كمال في دراساته التاريخية عن فتح الشام والعراق.

ولم يقف الحال عند هؤلاء فهذا أحد الخيرين الأستاذ المستشار عبد الله العقيل حفظه الله ورعاه ينهض لحمل راية التاريخ للدعاة الكبار والأعلام منهم فيصف للمسلمين حال ما يقارب المئة من خيارهم وكلهم خير، ليدفع الناس إلى العمل فيزجي الضعيف ويدل على مآثر الإعلام ويعرف كيف يؤرخ للصادقين وكيف تنشر أخبارهم وكيف يتحدث عنهم وكيف يعتذر لصاحب الزلة فيهم، وكيف تستوعب العلماء حتى لو خالفونا المنهج أو راجعونا في بعض جزئياته.

العقيل يؤرخ تأريخ الرجل العارف بالشخص المعرف به الملازم له الباحث في ثنايا شخصيته، المحلل النفسي لها، فأضاف للتاريخ بعداً نفسياً في التحليل النفسي للشخصيات طالما غفل عنه الكثير من المؤرخين وتنزل عنه الكثير من القراء، ولم يبخل أثناء تأريخه على القارئ بلفت نظره إلى ففائدة علمية أو قاعدة تربوية أو إشارة دعوية بما يحبب هذا العلم والعلم إلى نفس قارئه، ويحفزه على ملازمة هذا السفر الماتع المؤرخ لهؤلاء الأخيار حتى يقضي منه وطره ويصل منه إلى حاجته ويختم أوراقه وينهي مباحثه.

تأريخ الكبار للكبار فن لا يتقنه إلا قلة من الناس ولا يخال أبو مصطفى إلا رائداً من رواده وفارساً من فرسانه ومبدعاً من مبدعيه، ما أحوج سواه إلى أن يجثو بين يديه على ركبتيه ليتعلم من أمثال هذا الرجل التأريخ وليأخذ عن طريقه فقه الدلالة على فضائل الرجال وحسن الاعتذار لهم وحسن التوجيه لما في حياتهم من مشكلات ولما عندهم من معضلات.

إن أمثال هذا السفر المسمى من "أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة" الجامع لسير هؤلاء الخيرين متعددي المشارب ففيهم شيخ السلف المعاصر الشيخ العالم المجاهد قوال الحق محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وفيهم فقيه عصره محمد أبو زهرة رحمه الله، وفيهم شيخ المحدثين عبد الفتاح أبو غدة، وفيهم رائد الفكر الإسلامي المعاصر الأستاذ سيد قطب.

هذا السفر الجامع يجمع فضائل أهل الإسلام وسير أعلامه الكرام في السياسة والأدب والدعوة والشريعة والجهاد والبذل والمكارم كلها.

إن هذا السفر الجامع مما ينبغي أن يكون أساً في مكتبة كل دارس وأن تعكف عليه ثلة الخيرين درساً وبحثاً وفائدة واستفادة بأكبر قدر ممكن يستفاد منه، ليكون سمير الخيرين حديث المجالس وهجيري أهل العلم، ولبانة أهل الفضل.

والعقيل المؤرخ قد ولج الباب فأخرج لإخوانه هذا لا بد أن يهمس في أذنه أن هناك خيرين كثر منهم من قد مات، وهو بحاجة إلى التأريخ كأستاذ الجبل الزرقا وعبد المتعال الجبري ومحمد يوسف موسى ومناع القطان، وهناك أحياء هم أهل للتأريخ ومضنة لحديث المؤرخ أمثال: عبد الكريم زيدان ويوسف القرضاوي والراشد والعطار.

والهمسة المرتجاة في أذن أبي مصطفى والأمل المطلوب منه أن يقرن بين الرواحل وأن يكثر الحديث عن الخيرين، وأن يزجي للأمة الجزء الثاني لمسماه، ويتبعه بأخبار آخرين.

أطلت على القارئ وعلى الكاتب لكنها أمور بدت والله المستعان.